النقص في سفن الحفر يؤخر استكشافات النفط البحرية

ثمن السفينة يصل إلى نصف مليار دولار وإيجارها يتعدى 600 ألف دولار يوميا

النقص الحاد في سفن التنقيب يعرقل استكشافات النفط البحرية («نيويورك تايمز»)
TT

في الوقت الذي طالب فيه الرئيس الاميركي جورج بوش بإلغاء الحظر على التنقيب عن البترول أمام معظم السواحل الأميركية، يهدد نقص السفن اللازمة للحفر تحت سطح الماء بعرقلة أي تقدم سريع في اكتشاف البترول وزيادة إمداداته.

وفي الأعوام الأخيرة، تسبب النقص العالمي في سفن الحفر في أزمة خطيرة، أدت الى احباط مديري شركات الطاقة وتقييد قدراتهم على استغلال المخزون أو اكتشاف آبار جديدة. وأصبح النمو البطيء في إمدادات البترول، في الوقت الذي زاد فيه الطلب زيادة هائلة، عاملا رئيسا في ارتفاع أسعار البترول والبنزين.

وكان الرئيس بوش قد طلب من الكونغرس يوم الأربعاء إنهاء الحظر الفيدرالي على الحفر داخل البحر، وفتح المحمية الوطنية للحياة البرية لمنطقة القطب الشمالي للكشف عن البترول، قائلا: إن هذه الخطوات ضرورية من أجل تخفيض أسعار البنزين ودعم الأمن القومي. ولكن حيث أن سعر برميل البترول وصل إلى 135 دولارا، بعد أن كان 68 دولارا منذ عام واحد، فإن جميع سفن الحفر الحالية متعاقد عليها للعمل لمدة خمسة أعوام مقبلة. لذلك أجبرت بعض شركات البترول على تأجيل استكشافاتها انتظارا لها، حسب إفادة المديرين التنفيذيين والمحللين.

وقد ازداد الطلب لدرجة أن شركات صناعة السفن، ويوجد أكبرها في آسيا، رفعت أسعارها منذ العام الماضي من 100 مليون دولار للسفينة إلى نصف مليار دولار.

واشار ألبرتو غيماراس، المدير رفيع المستوى في بتروبراس الى وجود طلب متزايد على سفن الحفر في كل مكان. وتجدر الاشارة الى ان بتروبراس هي شركة بترول اكتشفت وجود كميات من البترول داخل البحر، ولكنها لا تستطيع استغلالها.

ونتيجة لذلك، وصلت تكاليف بعض أحدث سفن الحفر في البحر بخليج المكسيك، وهي أكبر مصدر للبترول والغاز الطبيعي إلى أميركا، الى 600 الف دولار في اليوم، مقارنة بـ 150 الف دولار في اليوم عام 2002.

وشجعت هذه الأسعار القياسية على ظهور موجة جديدة من بناء سفن الحفر. وقد تؤدي هذه الانتعاشة إلى استكشاف البترول في البحر مجددا، مما يؤدي إلى زيادة العرض في سوق البترول وانخفاض الأسعار.

ومن المقرر بالفعل أن تصل 16 سفينة حفر إلى شركات البترول هذا العام ـ وهو عدد يزيد عن ضعف عدد السفن التي وصلت في الستة أعوام الماضية مجتمعة. وستصل 75 سفينة حفر تحت أعماق البحر ما بين عامي 2008 و2011، وفقا لما ذكرته شركة أو. دي. إس.-بتروداتا، وهي شركة تتبع تحركات سفن الحفر.

وتعمل أحواض بناء السفن من كوريا الجنوبية إلى النرويج أوقاتا إضافية من أجل الوفاء بالطلبات المتزايدة.

ويقول روبرت لونغ، المدير التنفيذي لترانس أوشن، وهي أكبر شركة حفر في العالم، إن لديه تسع سفن للحفر في أعماق البحر تحت الإنشاء، ثمان منها متعاقد عليها لفترات تتراوح من أربعة إلى سبعة أعوام بمجرد مغادرتها لحوض البناء. ويتوقع أن يتم تسليم السفن ما بين بداية عام 2009 ونهاية عام 2010.

وتعتقد ترانس أوشن أن سوق الحفر في أعماق البحار ستظل تحت القيود حتى عام 2012 على الأقل. ويقول لونغ إن أكثر من ثلاثة أرباع سفن الحفر تحت الإنشاء تعاقدت عليها شركات بترول تطمح إلى الاستفادة من أسعار البترول المرتفعة.

ومن المتوقع أن تحقق شركة بتروبراس، وهذا الاسم اختصار لبتروليو برازليرو، نموا أكبر في هذه السوق الجديدة المنتعشة. وقد وضعت الشركة برنامجا قويا لزيادة قدرتها على الحفر، وهي تخطط للتعاقد على 69 سفينة حفر أو لبنائها بحلول عام 2017.

وقد فاجأت البرازيل عالم البترول بإعلانها عن اكتشاف حقل بترول ضخم يبعد عن ريو دي جانيرو بـ200 ميل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مما حول مياه البرازيل العميقة إلى أهم حقل بترول في العالم. وقال خبراء الطاقة إن هذا الحقل قد يكون مجرد جزء صغير من أكبر اكتشاف للبترول منذ 30 عام.

ولكن بعد سبعة أشهر، مازالت المشكلة هي كيفية الوصول إلى هذا الحقل، حيث تملك بتروباس ثلاث سفن فقط يمكنها الحفر إلى أكثر من 6500 قدم تحت الماء، كما هو الحال مع مواقع الحقول الجديدة.

ولكن القيود على الحفر ليست هي المشلكة الوحيدة التي تواجه شركات البترول العالمية، التي تسعى إلى التوسع بسرعة أكبر، بعد مرور عقد من الأداء السيئ في التسعينات. وعليها أيضا أن تكافح مع تضاعف تكاليف التطوير الصناعي في الأعوام الخمسة الماضية، والمنافسة الحادة على موارد الطاقة، ونقص القدرات الهندسية والتصنيعية، والضغوط التي يشكلها كبر سن القوى العاملة.

كما أن الوصول إلى الدول التي لديها مخزون من البترول أصبح أكثر صعوبة، حيث ترى الكثير من الدول الغنية بالبترول حوافز أقل في زيادة الإنتاج، لأنها تجني ثمار الأسعار المرتفعة.

ونتيجة لذلك، يبحث المستكشفون في الأجزاء البعيدة من باطن الأرض، في محاولة للوصول إلى البترول. وقد تم اكتشاف مخزون من البترول على مقربة من سواحل أفريقيا والبرازيل، كما تم فتح مناطق للاستكشاف في بحر الصين الجنوبي، وعلى مقربة من السواحل الهندية، وحول الساحل الأسترالي. ولكن تظل هذه المواقع غير ذات جدوى حتى تصل سفن الحفر الجديدة. وتأتي معظم الطلبات الجديدة على سفن الحفر من أحواض بناء السفن الآسيوية. وتستفيد الشركات في سنغافورة والصين من هذه السفن، ولكن الجزء الأكبر من الطلبات من نصيب أكبر ثلاث شركات تصنيع سفن في كوريا الجنوبية وهي سامسونغ للصناعات الثقيلة ودايوو لبناء السفن وهندسة البحر وهيونداي للصناعات الثقيلة. ويقول لي جاي كيو، وهو محلل مختص بمجال صناعة السفن في بالعاصمة سيول: «تعد سوق التنقيب البحري أكثر القطاعات ازدهارا في مجال بناء السفن عالميا».

ويتم استخدام الأوناش والأحواض الجافة في حوض بناء السفن التابع لشركة سامسونغ الذي يقع في جزيرة جيوجي بجنوب كوريا الجنوبية ببناء سفن حفر لها أشكال جديدة مثل سفينة «ويست بولاريز»، التي تبلغ حمولتها 62 الف طن، وهي أكبر من السفن حاملات الطائرات التي كانت تستخدم خلال الحرب العالمية الثانية. ومن المقرر تسليم «ويست بولاريز» هذا الشهر. ويعمل في حوض بناء السفن التابع لسامسونغ 25 الف عامل. ويقول هاريس لي، نائب الرئيس المسؤول عن نشاط الحفر البحري بشركة «سامسونغ»: «ينفد احتياطي البترول الذي يسهل الوصول إليه، ونعول في المستقبل على البحث عن البترول في المياه العميقة التي تحيطها ظروف صعبة».

ويكمن التحدي الأكبر لعمليات الحفر في أعماق البحار في البقاء بنفس البقعة في قاع البحر بينما تعاني السفن من ويلات الرياح القوية وتيارات المياه الجارفة والأمواج الشديدة. ولأن عمق المياه يمكن ان يصل الى 10 الاف قدم. وتعد هذه أعماقا كبيرة جدا بالنسبة للحفارات التقليدية، تعتمد السفن، مثل «ويست بولريز» على كومبيوترات ذات سرعات عالية تستخدم تقنية «تحديد المواقع» باستخدام الأقمار الصناعية. وستذهب السفينة إلى شركة «سي دريل»، وهي شركة تنقيب بحري في برمودا، مقابل 453 مليون دولار. وفي الشهر الماضي، أعلنت سامسونغ أنها حصلت على عقد قيمته 942 مليون دولار لبناء نوع أكثر صلابة من سفن الحفر يناسب الظروف الجوية بالقطب الشمالي، ويأتي العقد من شركة «ستينا أوفشور» السويدية، وسيكون جسم السفينة مصمما بحيث يمكنه اختراق الثلوج وتتحمل أمواجا تصل لـ50 قدما وبحيث يعزل الطاقم الموجود على متنها والآلات داخلها عن درجات الحرارة المنخفضة التي تصل لـ40 درجة تحت الصفر. وقد ارتفعت مبيعات «سامسونغ» من الأنواع المختلفة لسفن الحفر البحرية من 1.5 مليار دولار خلال 2005 إلى 7.8 مليار دولار العام الماضي. وعلى الرغم من التسارع في عمليات بناء السفن، فمن المحتمل أن تستمر القيود على سوق الحفر لعدة أعوام أخرى. وكانت آخر زيادة مماثلة في الطلبات على سفن الحفر في نهاية السبعينات وبداية الثمانيات من القرن الماضي، عندما ارتفعت عمليات البحث بعد الصدمات التي شهدها قطاع البترول في السبعينات من القرن الماضي. وقد خفضت شركات البترول من عمليات البحث في التسعينات بشكل كبير بسبب انخفاض أسعار البترول والزيادة الكبيرة في إمداداته. ويقول توم كيلوك، وهو رئيس قسم الاستشارات والبحث في «أو دي إس بتروداتا»: «بالتأكيد، سيعني هذا المزيد من عمليات الحفر والمزيد من الاكتشافات في المياه العميقة».

*خدمة «نيويورك تايمز»