نمو السكان في الهند يسبق زيادة الإنتاج الزراعي

انخفاض الاستثمار الزراعي بنسبة الثلث

الاجيال الجديدة لا ترغب في العمل في الزراعة (نيويورك تايمز)
TT

مع التقنية المناسبة والسياسات الصائبة، يمكن للهند أن تساعد في حل أزمة الغذاء العالمية، ولكن بدلا من ذلك، فإنها تكفي بالكاد غذاء سكانها. وتعتبر مساحة الأراضي الزراعية هي الثانية من حيث المساحة بعد الولايات المتحدة على مستوى العالم، كما أن الاقتصاد الهندي يعتبر واحدا من أسرع الاقتصادات نموا بين اقتصادات العالم، وكذلك فإن الهند تشهد ثورة صناعية كبرى. ولكن عندما يتعلق الأمر بالزراعة، فإن النتائج تأتي أقل كثيرا من المتوقع. وبالنسبة لبعض المحاصيل، فإن الهند سوف يكون لزاما عليها الاتجاه نحو الأسواق الدولية التي تعاني بالفعل من أزمة غذائية، ومن شأن ذلك أن يعمل على تفاقم أزمة الغذاء العالمية. وليس من المفترض أن تكون الأمور على هذه الحال، فمنذ أربعين سنة، كانت هناك جهود كبيرة تعرف بالثورة الخضراء، استطاعت إخراج الهند التي كانت تشتهر بالجوع والفقر من أزمتها. والآن، وبعد عقد من الإهمال، فإن هذا البلد ينمو بسرعة أكبر من قدرته على تقديم الأرز والقمح لشعبه. وقد تفاقمت هذه الأزمة إلى الحد الذي جعل رئيس الوزراء مانموهان سينغ ينادي بضرورة القيام بثورة خضراء ثانية «حتى يتم التغلب على شبح نقص الغذاء مرة أخرى».

وفي الوقت الذي يشعر فيه سينغ بالقلق من عدم القدرة على إطعام الفقراء، فإن الزيادة السكانية في الهند لا تطلب الطعام فقط، بل الكثير من المنتجات الأخرى. وتشهد الزراعة في الهند حاليا مأساة كبرى. ويقول سواميناثان الاختصاصي في علم الوراثة والذي أسهم في الثورة الخضراء في الهند: «إن لدى الهند مخزونا كبيرا من الأرز والقمح، وبإمكان الهند أن تسهم بصورة فعالة في حل أزمة الغذاء العالمي».

ولكن الشعب الهندي يعاني من هذه الأزمة، فالمزارعون الذين يمتلكون مساحات صغيرة من الأرض تعتمد على الري بالأمطار، كما أن معدل التضخم قد ارتفع إلى 11 في المائة وهو الأعلى خلال السنوات الـ13 الماضية. ويرجع الخبراء تباطؤ النمو الزراعي في الهند للعديد من الأسباب، فالثورة الخضراء قد أنتجت أنواعا مختلفة من الأرز والقمح، كما عملت على توسيع استخدام طرق الري والمبيدات الزراعية والأسمدة، كما حولت السهول الشمالية الغربية إلى سلة مزروعات تنتج الحبوب في الهند. ولكن منذ حقبة الثمانينات من القرن الماضي، لم تقم الحكومة بالتوسع في طرق الري وإقراض المزارعين ولم يكن هناك أي تقدم في مجال البحث الزراعي. ويفيد معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، بأن التغييرات المناخية وقلة الأمطار في الهند تمكنان أن تعملا على تدمير الناتج الزراعي الهندي بنسبة 30 في المائة بحلول الثمانينات من القرن الحالي. وقد انخفض عدد المزارع الاسرية، وقد أدت الديون المرتفعة منذ عدة أعوام قليلة إلى انتحار العديد من المزارعين. ويجد العديد من المزارعين الآن ربحا في بيع أراضيهم الزراعية لمقاولي البناء لإقامة مشروعات سكنية عليها. وربما يربح المزارعون الذين يقومون بزراعة الفواكه والخضار غالية الثمن للأثرياء من الهنود لكنهم يواجهون مشكلات تتعلق بقلة عدد الشاحنات ونقل إنتاجهم إلى المحلات الكبيرة. ويعني امتداد سلسلة التوريد وعدم كفاءتها أن يحصل المزارع العادي على أقل من خمس سعر المنتج الذي يدفعه المستهلك، وذلك حسب دراسة قام بها البنك الدولي، مما يعني حصول هؤلاء المزارعين على دخل أقل بكثير من نظرائهم في الولايات المتحدة وتايلاند. وقد شهد شورندر سينغ شاولا الذي يبلغ من العمر 62 عاما كيف بدأت الثورة الخضراء وكيف انتهت. وقد كانت عائلته تقوم بزراعة القمح والبطاطا على مساحة 20 فدانا. وكانوا ينظرون إلى السماء في انتظار المطر. وكانوا يستخدمون سماد الأبقار في تسميد الأرض. ثم عرفت الهند زراعة القمح المكسيكي القصير. وازداد إنتاج شاولا من القمح. وبعد ذلك ببضع سنوات، حدث الشيء نفسه مع الأرز. وبعد ازدهار إنتاج شاولا، استطاع شراء أول محراث له عام 1980. لكن انطفأت بعد ذلك شعلة الثورة الخضراء، وأصبح من المتعذر ري الأرض كما كان الحال في السابق. وانخفضت استثمارات الحكومة في مجال شق الأنهار خلال الثمانيات من القرن الماضي، وأصبحت الآبار هي المصدر الرئيسي للري. وهنا في البنجاب، فإن أكثر من ثلاثة أرباع المناطق الزراعية تروى بالمياه الجوفية بنسبة أكبر من نسبة الأمطار التي تعوض كميات مياه الري التي يحصل عليها المزارعون. وبين عامي 1980 و2002 استمرت الحكومة في دعم الأسمدة والحبوب الغذائية للفقراء، لكن استثماراتها في الزراعة قد انخفضت. وانخفض الإنفاق العام على الزراعة بمقدار الثلث حسبما أفاد أحد محللي البيانات الحكومية في مركز بدائل السياسة في نيودلهي. واليوم، فإن 40 في المائة فقط من المزارع الهندية يتم ريها. ويقول شاولا: «عندما لا يكون هناك ماء، فلن يكون هناك شيء». وهو يرى أن هناك المزيد من المشاكل في الطريق. فدرجة الحرارة في الصيف ترتفع عن المعدلات التي يذكرها. كما أن الأمطار أقل مما كانت عليه وتتميز بعدم ثبات كمياتها. وفي الصيف الماضي، أراد أن يتوقف عن زراعة الأرز حيث إنه يستهلك كميات كبيرة من المياه. ويفيد الخبراء بأن المكاسب التي حققتها الثورة الخضراء قد بدأت في الانحسار في بلاد مثل إندونيسيا والفلبين. لكن أثر ذلك الانحسار في الهند أكثر وضوحا وتأثيرا نظرا لحجمها ومساحتها الهائلة. وقد وجهت الهند تحذيرات منذ عاملين حول مدى تأثير حاجة سكانها للغذاء على أسعار الغذاء العالمي. ولأول مرة خلال عدة سنوات، اضطرت الهند إلى استيراد القمح لسد النقص في مخزونها، ففي خلال سنتين، قامت بشراء نحو 7 ملايين طن. وتقوم الهند اليوم باستيراد الحبوب لأن المزارعين لا يستطيعون تلبية الطلب المتزايد عليها من السكان، حيث تستورد العدس والفول وهما مصدران أساسيان للبروتين والسعرات الحرارية لمعظم الشعب الهندي. يقول أدوفلو بريزي وهو مدير برنامج زراعة جنوب آسيا في البنك الدولي بواشنطن: «إن الهند يمكن أن تكون لاعبا كبيرا في توفير الغذاء لبقية العالم إذا أمكن سد فجوة الإنتاج الزراعي الموجودة. فعندما تتجه الهند إلى الاستيراد، فلا شك أن ذلك من شأنه أن يشكل ضغطا على أسعار السوق العالمية. والعكس صحيح، فإذا اتجهت الهند للتصدير، فإن زيادة العرض سوف تعمل على خفض الأسعار».

وفي شهر إبريل (نيسان) وفي قرية تسمى أودوبور، ليست بعيدة من هنا، قام مزارع يدعى هارميل سينغ وهو يبلغ من العمر 60 عاما بالتساؤل بصوت عال كيف يمكن للمزارعين زراعة المزيد من الحبوب. ويقول أثناء إشرافه على حصاد القمح: «إن الأراضي الزراعية تنكمش كما أن السياسات الحكومية ليست في صالح المزارعين. فالأجيال الجديدة لا ترغب في العمل في الزراعة. إنهم يقولون إنها ليست مجالا مربحا». ويستفيد المزارعون أصحاب الحظ من بيع أراضيهم مقابل المال الذي يدفعه المقاولون الذين يقومون ببنائها. وقد قام غورميت سينغ باسي الذي يبلغ من العمر 33 عاما ويمتلك مزرعة على أطراف مدينة في إقليم البنجاب، ببيع معظم أراضيه التي ورثها. وقد زادت قيمتها أكثر من خمسة أضعاف خلال السنتين الأخيرتين. وقد حصل على ما يكفي من المال لشراء قطعة أبعد من الأرض ويقوم باستئجار العمال ليقوموا بحرثها. وفي الوقت نفسه، فإن بعض جيران شاولا قد هاجروا إلى أميركا الشمالية. وكانوا سعداء بتأجير أراضيهم له، حيث إنه من السذاجة لدرجة أنه يبقى هناك ويعمل بها، واليوم، فإنه يقوم بزراعة ما يزيد على 100 فدان. وفي العام الماضي، قام بزراعة الذرة التي كانت تدر عليه ربحا يزيد على الربح الذي يجنيه من زراعة القمح وبيعه للحكومة. وقد كان من الشائع في فترة الثورة الزراعية أن يبيع المزارعون محاصيلهم إلى الحكومة بدلا من بيعها للقطاع الخاص. ولسنوات عديدة، ظلت هذه الأسعار منخفضة بشكل كبير، حتى إن المزارعين والمؤيدين لهم كانوا يشتكون من انخفاض هذه الأسعار. ويقول سواميناثان الاختصاصي في علم الوراثة والذي أسهم في الثورة الخضراء في الهند: «إن السعر المعقول هو أفضل سماد». وقد ثبتت صحة مقولة سواميناثان خلال العام الجاري، فبعد سنتين من الاضطرار إلى استيراد القمح، قامت الحكومة بتقديم أسعار أعلى للمزارعين: ولم يقم المزارعون بزراعة المزيد من القمح، بل إنهم قاموا ببيع المزيد منه للحكومة، ونتيجة لذلك، وصلت المخزونات الحكومية إلى أعلى معدلاتها. وربما تساعد السوق الهند على القيام بذلك. فالسيد شاولا على سبيل المثال قد استبدل دوار الشمس بالذرة حيث ارتفعت أسعار زيت دوار الشمس في الأسواق. وللسبب نفسه، فإنه يفكر في زراعة المزيد من القمح.

شارك في هذا التقرير هاري كومار.

* خدمة «نيويورك تايمز»