دعوات لإيجاد «جيل جديد» من الوقود الحيوي

مع تصاعد الانتقادات لاستخدام الغذاء في إنتاجه

تنامت الدعوات في أوساط المستثمرين والسياسيين للاتجاه إلى «جيل جديد» من الوقود الحيوي مستخرج من محاصيل زراعية غير غذائية، مثل العشب البري (خدمة كليب آرت)
TT

خلال العام الماضي، عانى العالم من وطأة التداعيات غير المقصودة لاستغلال المحاصيل الغذائية، مثل الذرة والنخيل، في إنتاج الوقود الحيوي. وقد شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً هائلا، في الوقت الذي تتراجع فيه مخزونات المواد الغذائية بسرعة، الأمر الذي يمكن إيعازه بصورة جزئية إلى الإقبال على إنتاج الوقود الحيوي. في الوقت ذاته، يجري اقتطاع مساحات من الغابات المطيرة لصالح زراعة أنماط الوقود «الأخضر».

ومع ظهور هذه المشكلات، تنامت الدعوات في أوساط المستثمرين والسياسيين للاتجاه إلى «جيل جديد» من الوقود الحيوي مستخرج من محاصيل زراعية غير غذائية، مثل العشب البري، باعتباره قادر على توفير طاقة «خضراء» دون التأثير بالسلب على الموارد الغذائية.

وبالفعل، بدأت زراعات الجيل الثاني من مصادر الوقود الحيوي في الانتشار بمختلف أنحاء القارة الأفريقية. إلى جانب ذلك، تتوافر لدى الولايات المتحدة وأوروبا الكثير من الخطط لزراعة محاصيل مثل العشب والقصب العملاق لاستغلالها في إنتاج الوقود الحيوي.

والآن، تصاعدت التحذيرات من جانب البيولوجيين وعلماء النبات من أن الجيل الثاني من أنماط الوقود الحيوي ربما ينطوي هو الآخر على تداعيات سلبية غير مقصودة، ذلك أن غالبية المحاصيل الجديدة المقترحة تنتمي لما يطلق عليه العلماء أنواع «اجتياحية» بمعنى أنها تحمل وراءها احتمالات كبيرة لأن تتجاوز نطاق المزارع المخصصة لها لتتعدى على المزارع والأراضي الطبيعية المتاخمة، ما سيخلق بدوره فوضى اقتصادية وبيئية عارمة.

وأثناء اجتماع للأمم المتحدة في بون أخيرا، أصدر علماء تابعون لـ« برنامج الأنواع الاجتياحية العالمية» و«منظمة حماية الطبيعة» و«الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة»، علاوة على كيانات أخرى، تحذيراً قوياً بهذا الشأن. وشدد البيان على أن «بعض الأنواع المرشحة على نطاق واسع لإنتاج الوقود الحيوي تعد كذلك أنواع غريبة اجتياحية كبرى»، مضيفاً أن مثل هذه المحاصيل ينبغي إخضاعها للمزيد من الدراسة قبل الإقدام على زراعتها بمناطق جديدة كمصدر للوقود الحيوي.وحذر الخبراء من أنه قد يكون من الصعب السيطرة على انتشار مثل هذه النباتات، الأمر الذي سيسفر عن «خسائر مالية أكبر مما يسببه الاعتماد على الحبوب». ولخص «الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة» الأمر برفعه شعار: «لا تدع المحاصيل الاجتياحية الخاصة بالوقود الحيوي تهاجم بلادك». وقد توصل العلماء إلى هذه النتائج من خلال مقارنة قائمة أكثر محاصيل الجيل الثاني من الوقود الحيوي التي تحظى بالتأييد بأخرى تضم الأنواع النباتية الاجتياحية وتوصلوا إلى وجود درجة من التداخل بينها تبعث على القلق. وأشار العلماء إلى أنه لم يتم توجيه جهود مناسبة لتقييم مستوى المخاطرة قبل الإقدام على زراعة هذه النباتات.

من ناحيته، علق «جيفري هوارد»، الخبير بالأنواع النباتية الاجتياحية لدى «الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة»، على الأمر بقوله: «عندما يتعلق الأمر بالوقود الحيوي، دائماً ما يكون هناك تسرع. لقد بدأ المستثمرون بالفعل، الذين ينتمون في الغالب إلى الولايات المتحدة أو أوروبا، في إقامة المزارع، ويبدون رغبة شديدة لاستخراج الوقود الحيوي في غضون عامين، وأيضاً بإمكانك تخمين أنهم لا يريدون ظهور تقييمات سلبية» لهذه المشروعات. في المقابل، يرى المعنيون بصناعة الوقود الحيوي أن التحذيرات من خلق المحاصيل الجديدة لإنتاج الوقود الحيوي مشكلات في صورة انتشار هائل للأعشاب الضارة تنطوي على قدر كبير من المبالغة، مشيرين إلى أنه رغم احتمالات تولد أعشاب ضارة عن بعض المحاصيل المقترحة، إلا أنها ليست اجتياحية بالضرورة.

وأوضح ويلي دي جريف، الأمين العام القادم لمجموعة «وروبا بيو» الصناعية، أن «عددا ضئيلا للغاية من النباتات يعد أعشابا ضارة فحسب. عليك النظر إلى الخصائص البيولوجية للنبات والبيئة التي تزرعه بها وتسأل هل هناك ما يثير القلق بشأنه؟».

وأضاف أن مزارعي محاصيل الوقود الحيوي سيعمدون بالتأكيد للتحلي بالحرص في زراعتهم لمحاصيل جديدة، لأنهم لا يرغبون في خروج تنامي المحاصيل عن نطاق السيطرة.

جدير بالذكر أن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أقرتا أهدافاً فيما يتعلق بإنتاج الوقود الحيوي كوسيلة للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. ويعد الهدف الذي أقره الاتحاد بالاعتماد على الوقود الحيوي لتغطية 10% من احتياجات الوقود بقطاع النقل بحلول عام 2020 ملزماً للدول الأعضاء. وعليه، ينتظر السياسيون بشغف إنجاز الإنتاج التجاري للجيل الثاني من صور الوقود الحيوي.

علاوة على ذلك، يمول الاتحاد الأوروبي مشروعاً لإقرار نباتات القصب العملاقة غير الغذائية المنتجة للوقود الحيوي كجزء من المنظومة الزراعية للاتحاد. وينص مقترح المشروع على أن هذا القصب «غير ضار بالبيئة» ومناسب من حيث تكلفة إنتاج الوقود منه ومهيأ لأن يصبح على رأس المحاصيل المنتجة لأنماط الوقود الحيوي. وبالمثل، قوبل مقترح بإقامة مزرعة لإنتاج الوقود الحيوي بفلوريدا تستخدم كذلك القصب العملاق، بحماس من جانب المستثمرين، وبدأ بالفعل بيع الطاقة المتوقعة منها قبل بناء المنشأة. إلا أن المشروع واجه معارضة من قبل «جمعية فلوريدا للنباتات المحلية»، إضافة إلى عدد من العلماء الذين حذروا من أن زراعة القصب العملاق قد تهدد النباتات الواقعة بالجوار، منوهين بأن هذا النبات، الذي اقتصر استخدامه في الغالب فيما مضى في التزيين وصنع الآلات الموسيقية، سريع النمو ويحتاج إلى كميات كبيرة من المياه بدرجة تجعله قادرا على تجفيف الأهوار وإعاقة أنظمة الصرف بالمناطق التي تُزرع بها. إلى جانب ذلك، يتسم النبات بقابلية كبيرة للاشتعال، ما يزيد مخاطرة اندلاع الحرائق. من المنظور التجاري، يتمثل الجانب الإيجابي في محاصيل الجيل الثاني من صور الوقود الحيوي في سهولة زراعتها وحاجتها إلى مستوى ضئيل من الرعاية. بيد أن هذه الميزات تحديداً تخلق إمكاناتها الاجتياحية. في هذا السياق، أوضح هوارد أن «هذه النباتات تتمتع بقدرة كبيرة على البقاء، ما يعني أنها منتج جيد للوقود الحيوي لأنها تنمو جيداً بأراض هامشية لا نستخدمها في إنتاج الغذاء، لكن لدينا خبرة على امتداد 100 عام في مجال زراعة هذه المحاصيل التي اتضح أنها تأتي بنتائج كارثية على البيئة والبشر والصحة».

من جانبه، أوضح ستاس برجيل، أحد العلماء العاملين لدى «منظمة حماية الطبيعة» أن تكلفة السيطرة على الأنواع الاجتياحية «هائلة» وعادة لا يتحملها من تسببوا في خلق المشكلة.

ومع ذلك، أكد برجيل وعدد من الخبراء الآخرين أنه لا تزال هناك إمكانية تحقيق استخدام آمن لبعض محاصيل الجيل الثاني من الوقود الحيوي إذا ما زُرعت في الأماكن والظروف الصحيحة. وشرح برجيل الأمر بقوله: «فيما يتعلق بالوقود الحيوي، نحتاج إلى إجراء تقييمات مناسبة واتخاذ الإجراءات الملائمة، حتى لا يخرج الأمر عن نطاق السيطرة»، مضيفاً أن التقييم ينبغي أن يستوعب منظور جغرافي واسع، نظراً لأن الأنواع الاجتياحية من النباتات لا تأبه بالحدود. وقال: «إذا ما رفضت فلوريدا، وذهب المستثمر إلى ولاية مجاورة، ستبقى المشكلة على كل الأحوال». جدير بالذكر أن «برنامج الأنواع الاجتياحية العالمية» قدر التكلفة التي يتكبدها العالم بالفعل بسبب الأضرار الناجمة عن النباتات الاجتياحية بما يتجاوز 1.4 تريليون دولار سنوياً، ما يعادل 5% من الاقتصاد العالمي. وتعج صفحات التاريخ بأحداث مدمرة نجمت عن نوايا حسنة، وحالات تمت فيها زراعة نباتات منقولة من مكان إلى آخر، وانتهى الأمر بخروج نمو النباتات داخل المنطقة الجديدة عن السيطرة لاختفاء العوامل الطبيعية التي كانت تكبح جماحها. في هذا الصدد، أشار هوارد إلى أنه منذ عقود ماضية، تم إدخال نبات المسكيت لأستراليا وأفريقيا بهدف إنتاج الفحم النباتي، علاوة على توفير الظل. وبعد عقود، «تحول إلى وحش كاسر»، حيث غزا ملايين الهكتارات من المراعي في أستراليا وإثيوبيا وقضى على إمكانية الاستفادة منها. وأضاف هوارد: «لقد غطت شجيرات شائكة المناطق بأسرها بحيث لم تجد الحيوانات ما تأكله. ونود التأكد من أن ذلك لن يحدث مجدداً بسبب الوقود الحيوي».

* خدمة «نيويورك تايمز»