الأسعار خلال فترة التمرير

سـعود الأحمد

TT

عندما يتحدث البعض من حملة الأقلام عن توقعاته المستقبلية بارتفاع أو انخفاض قادم للأسعار ويحدث ما توقع، هناك من يعتقد بأن الكاتب لديه مصادره الخاصة للحصول على معلومات أتيحت له دون غيره، مما مكنه من استباق الأحداث. والبعض الآخر يعتقد أن الأمر لا يعدو مجرد ضربة حظ!. لكن الحقيقة أن هناك قواعد اقتصادية نظرية، يمكن تطبيقها على الواقع العملي للوصول إلى قناعات يمكن تعميمها. من ذلك أن سعر المنتج النهائي للسلعة لا بد أن يتأثر بتغير أسعار المواد الخام التي تدخل في تصنيعها. لكن الذي يحصل أن سعر السلعة في السوق لا يتغير مباشرة بمجرد ارتفاع تكلفة الإنتاج، لأن السوق (عادة) لا يخلو من المعروض من المنتج، وأن تجار التجزئة يكون لديهم مخزون بتكلفة منخفضة (بالأسعار القديمة). وما يحدث من تفاوت في الأسعار خلال تلك الفترة، يحدث لأن هناك تاجرا متسامحا يقبل بهامش الربح المعتاد ويبيع بضاعته القديمة بالأسعار القديمة حتى تنتهي، وإذا انتهت واستورد بضاعة بالسعر المرتفع ليبيعها بالسعر الجديد (المرتفع) وهو ما يسمى مالياً تسعيرة الوارد أولاً صادر أولاً First In First Out (FIFO). أما النوع الثاني من تجار التجزئة فينتهزون الفرصة لصالحهم على حساب المستهلك، ويبيعون البضائع القديمة بأسعار السوق الجديدة، وهم يتبعون تسعيرة الوارد أخيراً صادر أولاً Last In First Out (LIFO). ومن الطبيعي مع اتباع هذين المبدأين أن يحصل تفاوت في الأسعار (وفوضى) إلى أن تستقر الأسعار بعد فترة. وسعر المنتج في الفترة منذ بداية ارتفاع الأسعار الأولية للمنتج إلى أن يرتفع ويستقر مرتفعاً في الأسواق، يسمى سعر فترة التمرير، وهي فترة يكثر فيها التلاعب بالأسعار ويستغلها البعض بأنانية بغيضة، والتاريخ يعيد نفسه في كل زمان ومكان. فهناك من يتعمد رفع السعر بمجرد سماع أخبار أولية عن توجه لارتفاع السعر. والبعض من التجار المنتجين والمستورين له من العلاقات ما يستطيع معها معرفة الأخبار قبل غيره. ويشتري السلعة بكميات كبيرة من السوق أو يؤخر تصريفه لها في فروع التوزيع. ويحبسها في مستودعاته ويتظاهر بانخفاض المعروض منها، حتى تبدأ الأسعار في الارتفاع ليحقق من ذلك أعلى قدر ممكن من الثراء. وهناك من يتصرف بخبث، فيقلل من المعروض قدر الإمكان، ويؤجل البت في السعر أو يرتبط بمبيعات تسلم لاحقاً، ويبقى صاحب الموقف ولو ماطل في التسليم بحجة كاذبة بأن المنتج غير متوفر لديه، وهو في الحقيقة يريد أن يكسب مشترياً (مضمونا) فيما لو لم يرتفع السعر، إضافة إلى حصوله على سيولة. وإذا لم يجد له مصلحة من البيع بالسعر الذي التزم به، فما عليه إلا أن يعتذر متى شاء ويعيد ما تسلمه من مبلغ! والأمثلة عديدة على مثل هذه الممارسات الممقوتة وتحدث باستمرار ما لم تتخذ إجراءات رادعة تكفل مواجهتها. وآخر هذه الممارسات في السوق السعودي ما حصل من ارتفاع مفاجئ في حديد البناء، وما يتوقع أن يحصل خلال الأشهر القادمة للرز الهندي. ومن الطبيعي لهذه المشكلة أن تتعاظم إذا كانت السلعة ضرورية وليست لها بدائل بنفس القدر من مرونة الطلب.

وختاماً.. السلع جميعها في مختلف الأسواق المحلية والعالمية تمر بمرحلة تسعير فترة تمرير، وهو أمر مشاهد منذ عدة سنوات بسبب التضخم العالمي والقفزات المتتالية لأسعار النفط. والنفط كما هو معروف يدخل في تكلفة جميع السلع والخدمات. وهذا الأمر فيه إعطاء فرصة لضعاف النفوس من التجار لاحتكار السلع واستغلال مقدرات المجتمع بغية الثراء الفاحش، على حساب مختلف شرائح المجتمع. ومدخل لحصول الطبقية في المجتمع ليصبح لدينا فئة بالغة الثراء وأخرى فقيرة كادحة، وهو ما بدأت ملامحه تظهر!

* كاتب ومحلل مالي [email protected]