الدعوة الى اتفاقية تمنع الدول من تقييد صادرات الغذاء من طرف واحد

تخزين الدول للغذاء يشعل الأسعار > 29 دولة توقف صادرات الأرز والقمح

شاحنات أرز في طريقها للتصدير من تايلاند (نيويورك تايمز)
TT

منعت 29 دولة على الأقل صادرات الغذاء في الشهور الأخيرة، لضمان حصول شعوبها على قدر كاف من الغذاء بأسعار متاحة. وعندما يتعلق الأمر بالأرز، فقد فرضت الهند وفيتنام والصين و11 دولة أخرى قيودا على صادراتها منه أو حظرتها تماما. كما أوقفت 15 دولة، من بينها باكستان وبوليفيا، صادراتها من القمح. وقيدت أكثر من 12 دولة صادرات الذرة. ومنعت كازاخستان صادرات بذور دوار الشمس.

تزيد هذه القيود من صعوبة حصول الدول المستوردة الفقيرة على الغذاء الذي تحتاج إليه. وتدفع القيود على التصدير بعض الشعوب المعرضة للخطر، وهي تلك التي تعتمد على وكالات الإغاثة، إلى الاستمرار في المجاعات.

ويقول المدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي: «من الواضح أن هذه القيود على الصادرات تزيد اشتعال الأسعار».

وبانتشار إدراك خطورة نقص الغذاء، أدت القيود إلى التخزين الذي يقوم به المزارعون والتجار والمستهلكون حول العالم.

«أصيب الناس بالهلع، لذا يشترون الكثير والكثير، على الأقل الذين يملكون المال يشترون»، هذا ما قالته كونشينغ فاسكيز، وهي بائعة أرز تبلغ من العمر 56 عاما، وهي جالسة في صباح أحد الأيام بين أكوام الأرز في محلها الكبير في لوس بانوس بالفلبين، وهي أكبر دولة مستوردة للأرز في العالم. يشتري زبائنها 8 آلاف رطل من الأرز يوميا، بعد أن كانوا يشترون 5.5 ألف رطل يوميا في العام الماضي.

والقيود الجديدة هي مجرد أحد الأعراض الحادة لحالة مزمنة. فمنذ 1980، حتى بعد أن تضاعفت تجارة الخدمات والسلع ثلاث مرات، تعويضا للتضخم، زادت تجارة الغذاء على نحو بسيط. وعلى مدى عقود، كانت تجارة الغذاء عبارة عن شبكة معقدة من القواعد المقيدة، على شكل تعريفات جمركية وحصص نسبية ومعونات.

والآن، ومع الشلل الذي أصاب قطاع الزراعة بسبب الجفاف، ومعاناة الأرجنتين من مجموعة من الإضرابات واضطرابات أخرى، يزداد اعتماد العالم على مجموعة من الدول مثل تايلاند، والبرازيل، وكندا، والولايات المتحدة التي ما زالت تصدر كميات كبيرة من الغذاء.

في صباح أحد الأيام في بانكوك، كان عمال رصيف الميناء ينتزعون أكياس الأرز من سير النقل ويحملونها على رؤوسهم إلى الروافع التي نقلت الأكياس إلى سفينة الشحن المتجهة إلى الفلبين. ويُتبع نفس الروتين في نقل مليون طن من الأرز الذي يغادر الميناء كل عام.

ويقول سوشارت وذيواروباس، مساعد مدير الميناء: «أعمل هنا منذ 28 عاما، وهذا المكان من أكثر الأماكن نشاطا على الإطلاق».

وتوفر الجماعات القوية في الدول الغنية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، من اليابان إلى أوروبا الغربية إلى الولايات المتحدة، الحماية للمزارعين منذ وقت طويل، وهي الحماية التي لا يسع عمال المصانع في ديترويت إلا أن يحلموا بها.

فيحمي اليابانيون صناعة الأرز لديهم بما يجعل منافسة الأرز الوارد لهم مستحيلة. ويضع الاتحاد الأوروبي قيودا صارمة على استيراد لحوم الأبقار والدواجن، وتزيد بولندا على ذلك منع استيراد فول الصويا أيضا.

يعمل المفاوضون منذ أعوام عديدة على تحرير تجارة المنتجات الزراعية، ولكن جعلت الأزمة الحالية الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم. فقد اقتنعت دول عديدة، بعد رؤية المظاهرات بسبب الغذاء في أماكن مثل هايتي وإندونيسيا التي تعتمد على الغذاء المستورد، بأن زراعة الغذاء الذي يفي باحتياجات شعوبها والحفاظ عليه أصبح أكثر أهمية من قبل. «يجب على كل دولة أن تضمن أمنها الغذائي»، هذا ما قاله كمال ناث وزير التجارة والصناعة في الهند، التي منعت تصدير الزيوت النباتية وجميع أنواع الأرز ما عدا أغلى أنواع الأرز ثمنا. ولكن كما وزيرة التجارة الأميركية، سوزان شواب، في حديث هاتفي: «إن تصرف أية دولة من أجل تحقيق الأمن الغذائي يسبب عدم الأمن الغذائي في دولة أخرى».

وتحاول وكالات الإغاثة العالمية مساعدة الشعوب التي لم تعد تستطيع شراء الغذاء بالأسعار المرتفعة الحالية، ولكن هذا ليس سهلا. تقول جوزيت شيران، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي في روما: «إننا نواجه صعوبات في شراء مخزون البضائع التي نحتاج إليها في عمليات الطوارئ».

وقد أخرت القيود من زيادة الجهود المبذولة في برامج الغذاء في الصومال وأفغانستان. وكان برنامج الأغذية قد اشترى حبوبا من تجار باكستانيين أو من المخزون القومي الباكستاني. وعندما فرضت باكستان حظرا على تصدير القمح هذا الربيع، كان على برنامج الأغذية البحث عن مورد آخر، مما تسبب في تأخيره لعدة شهور.

يقول راميرو لوبيز دا سيلفا، مدير قسم النقل والتوريد: « كان علينا أن نقلل من حجم عملياتنا لأنه كان علينا إعادة تخطيط خطوط إمدادنا».

ويضيف: «يعني هذا أنه كان هناك مستفيدون لم يحصلوا على أي من أنصبتهم أو لم يحصلوا عليها كاملة لفترة من الوقت. وفي حالة أفغانستان، لم يشترك البعض في البرنامج».

ويؤكد الخلاف الدائر حاليا حول صادرات الغذاء الخيارات التي واجهتها الشعوب على مدى قرون.

أحد هذه الخيارات له علاقة مباشرة بالتجارة: هل من الأفضل التخصص في أي نوع من الغذاء يمكن زراعته في تربة البلاد، ويتم بيعه في مقابل شراء جميع الاحتياجات الغذائية الأخرى، أو التخصص في تقديم خدمات أو تصنيع منتجات في مقابل هذه الأغذية؟

أو أنه من الأفضل السعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع أنواع الأغذية التي يمكن زراعتها، حسبما يسمح المناخ، داخل حدود الدولة؟ الإجابة المعتادة من خبراء الاقتصاد، وهو موقف الولايات المتحدة على مدى عقود، هو أن العالم يحقق استفادة قصوى إذا تخصصت كل دولة في زراعة (أو تقديم خدمة أو صناعة) ما يمكنها من تحقيق أقصى فعالية فيه، وتبيعه لبقية الدول. ويجعل هطول الأمطار والقيود الأخرى من الصعب تماما على بعض الدول أن تزرع جميع أنواع غذائها. يعلق لامي في حديث تليفوني: «إذا كان على مصر أن تكتفي ذاتيا بغذائها، فلن يتبقي ماء في النيل».

وتقول شواب: «إذا قررت كل دولة في العالم أنها تحتاج إلى إنتاج الغذاء الذي يكفي استهلاكها، سيقل الغذاء في العالم وسيعاني كثير من الشعوب من الجوع».

ولكن يصبح الاعتماد على استيراد الغذاء مغامرة إذا استعدت دول أخرى لوقف إمداداتها.

ويتطلب أحد الأدوار التي تقوم بها منظمة التجارة العالمية أن تخطر الدول الأعضاء المنظمة عندما تضع قيودا على تصدير الغذاء، ولكن لا توجد عقوبات على تجاهل هذه القاعدة، ولم تلتزم أية دولة فرضت هذه القيود في العام الماضي بذلك، وفقا لمنظمة التجارة العالمية.

وتتزعم كل من اليابان وسويسرا مجموعة من الدول المستوردة للغذاء التي أصابها الفزع من هذه القيود، لذلك تسعى إلى الوصول إلى اتفاق دولي يمنع الدول من تقييد صادرات الغذاء من طرف واحد. وقد تكون هذه الاتفاقية جزءا من جولة المباحثات التجارية في الدوحة، المنعقدة حاليا وتواجه مشاكل بالفعل.

ولكن يواجه الاقتراح عقبة إجرائية؛ فالقيود المفروضة على الصادرات الغذائية قضية جديدة ذكرت عرضا فقط في جدول أعمال جولة الدوحة، ولايمكن تغييره بسهولة.

وفي بعض الدول التي يساورها القلق بشأن نقص الغذاء، كانت السياسات الماضية تعوق الزراعة. فمن إندونسيا إلى غرب أفريقيا إلى الكاريبي وأميركا الوسطى، كانت الدول الفقيرة تخفض من برامج مساعدة المزارعين وتقلل من التعريفات الجمركية لتحقيق توازن الميزانية، وتجنب فرض أسعار عالية على المستهلكين في المدن. ولكنهم وجدوا أن مزارعيهم غير قادرين على منافسة واردات الدول الغنية، وكانت هذه الواردات حاصلة على دعم كبير.

وكانت النتيجة هي عدم اتخاذ الخطوات التي كان واجب اتخاذها منذ عدة عقود، لزيادة إنتاج الغذاء في العالم اليوم. ومن بينها القيام بتغييرات مثل أساليب الري ومجموعة جديدة من المحاصيل المتنوعة.

يقول ناث: «أدت المعونات التي تقدمها الدول المتقدمة إلى مزارعيها إلى نقص الاستثمار الزراعي في الدول النامية» في أفريقيا وجميع الأنحاء.

والشيء الذي جعل الأمور تسير إلى الأسوأ هو أن كلا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كانا يضغطان على الدول الفقيرة في الثمانينات والتسعينات لخفض التعريفات الجمركية وبرامج دعم الزراعة، لتقليل عجز الميزانية.

وفي الحقيقة، توصل البنك الدولي عام 2006 إلى أنه لم يوجه الاهتمام الكافي للتأثيرات السلبية لتوجيهاته السياسية على المزارعين في الدول النامية.

والقيود المفروضة حاليا على التصدير، التي ساعدت بشكل أساسي مستهلكي المدن في الدول الفقيرة، هي آخر ضربة توجه للمزارعين في العالم النامي.

يشعر عرفة طنطاوي محمد، وهو يزرع الأرز في ثلاثة أرباع فدان خارج مدينة أجا في شمال مصر، بالإحباط بسبب منع تصديره من مصر، وهو ما يقلل أسعار الأرز.

يقول محمد، 50 عاما: «بالتأكيد هذا له أثر سلبي»، وكان يدخن سيجارة ماركة كليوبترا أثناء فترة الراحة من العمل في حقله، بينما يعمل 18 فردا من عائلته الكبيرة في الجوار.

تعارض بعض الدول فكرة أن وضع قيود على الصادرات يرفع الأسعار في السوق العالمية، وتشير إلى أن السبب هو ارتفاع أسعار السماد والديزل وتكاليف الزراعة الأخرى. وتتخذ الهند هذا الموقف، وكذلك تايلاند، دفاعا عن الارتفاع الحاد في الأسعار التي حددتها جمعية مصدري الأرز. يقول سورابونغ سوبونغلي، وزير مالية تايلاند، أكبر دولة مصدرة للأرز: «إن السبب الرئيسي في زيادة أسعار الأرز هو زيادة تكاليف زراعته».

وكانت الهند والدول أخرى، وكذلك جمعيات لا تستهدف الربح، سريعة في الإشارة إلى أن الحجج الاقتصادية، حول تخصص كل دولة في إنتاج ما تبرع فيه، غير مقنعة ما دامت الدول الغنية تقدم دعما كبيرا لمزارعيها.

في الحقيقة، يجد المفاوضون إطارا عريضا للتوصل إلى حل ممكن في قضية الزراعة في جولة مباحثات الدوحة، ومن بينها تخفيضات كبيرة في دعم عملية الزراعة.

وقد يكون أحد الحلول الممكنة التي لا تناقش في جولة الدوحة هو استمرار الدول في الاعتماد على التبادل التجاري في مقابل استيراد معظم الأغذية، ولكن مع الاحتفاظ بمخزون احتياطي أكبر في وقت الأزمات. فعلى سبيل المثال، انخفض المخزون الاحتياطي إلى كمية تكفي لاستهلاك 9 أسابيع بعد أن كانت كميته تكفي استهلاك 19 أسبوعا عام 2001.

ولكن يتوخى مسؤولو الأمم المتحدة الحذر.

ويقول أمين عام مؤتمر الأمم المتحدة التجارة والتنمية سوباتشـــي بانيتشباكـدي: «أنا لن أعارض زيادة المخزون الاحتياطي، ولكن كما يحدث مع احتياطي العملات الأجنبية، فإن بعض الدول تفرط بشدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»