السعودية: «الرهن العقاري» تحرك عملي لصناعة تمويلية «متخصصة» وخلق آلية «منضبطة» لتوفير المساكن

عقاريون سعوديون لـ «الشرق الأوسط» : ننتظر تسمية الجهة التي ستعنى بتنفيذ القوانين

ينتظر إقرار نظام الرهن العقاري من مجلس الوزراء السعودي قريبا بعد تصويت مجلس الشورى («الشرق الأوسط»)
TT

ينتظر من نظام الرهن العقاري المنتظر صدوره قريبا من مجلس الوزراء السعودي الذي تم رفعه مؤخرا من قبل مجلس الشورى، أن يدفع بخلق قطاع جديد مهتم بالصناعة التمويلية والتقسيط إضافة إلى ترشيح زيادة عدد الشركات العقارية الضخمة نتيجة الفرصة السانحة التي ستقدمها أنظمة الرهن العقاري التي استغرق بحثها في أروقة مجلس الشورى 3 أشهر. وقدر مسؤولون استفادت شريحة متوسطي الدخل أكثر من غيرهم مع صدور الأنظمة الجديدة إذ سيكون بمقدورهم تقديم الرهونات ومن ثم الحصول على التمويل وبناء المساكن والمنازل، في حين تتقلص فرصة استفادة ذوي الدخل الأقل من المتوسط نتيجة عدم قدرتهم على استيفاء قدرة الرهن.

وكانت دراسة ومناقشة وبحث ملف نظام الرهن العقاري والتصويت على كافة بنوده وحيثياته من أسرع الأنظمة التي تم اعتمادها من قبل مجلس الشورى السعودي، في خطوة اعتبرت دلالة واضحة على اهتمام أعلى سلطات الدولة بإنهاء هذا النظام للرفع به أمام مجلس الوزراء السعودي ليتم الموافقة عليه والبدء عمليا في تطبيقه، لما يمثلة من نموذج يحتذى به وخطوة عملية لصناعة قطاع تمويلي متخصص قادر على خلق آليات منضبطة لتوفير المساكن.

وينتظر أن تشكل كعكة التمويل العقاري في السوق السعودية فرصة مغرية للجهات التمويلية حيث من المرجح أن يقتسمها 11 بنكا سعوديا كانت إلى وقت قريب هي الجهات الوحيدة إلى جانب صندوق التنمية العقارية (مؤسسة حكومية)، وهي الجهات الوحيدة التي تتعاطى شأن إقراض الأفراد لتملك المنازل، إلى جانب عشرات شركات التقسيط والمؤسسات العقارية الكبرى السعودية والخليجية التي بدأت بالدخول إلى السوق السعودية منذ العام 2006. وآخرها 6 شركات كبرى بتمويل سعودي وإماراتي مشترك، تقدر حجم رساميلها مجتمعة بمليارات الدولارات.

وأسدل الستار مؤخرا عن وضع ملف نظام الرهن العقاري الذي طال انتظاره لأكثر من عقد من زمان بإعلان مجلس الشورى الاثنين الماضي عن الانتهاء من التصويت على نظام الرهن العقاري حيث استبشر المجلس خيرا بأن صدوره سيساعد على توفير المساكن لذوي الدخول المتوسطة خاصة مع شح آليات التمويل العقاري الحالية وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء.

وجاءت تأكيدات مجلس الشورى بمراعاة عدم وجود عوائق تقف عند تطبيق الأنظمة على أرض الواقع وسط دعوة الجهات الحكومية إلى الإسهام في تطبيق الأنظمة بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد المحلي بشكل عام والقطاع العقاري بشكل خاص.

وبرز من أهم تطلعات الشورى فور إعلان عن رفع ملف النظام إلى مقام مجلس الوزراء بأن يسهم تطبيق هذه الأنظمة في حل الكثير من العقبات التي تعترض نمو السوق العقارية، والحد من ارتفاع أسعار العقارات، وتوافر المساكن بشكل كبير ما يؤدي إلى خفض نسبة التضخم التي سجلت ارتفاعا خلال الفترة الماضية كما ستسهم هذه الأنظمة في انطلاق شركات وصناديق تمويل عقارية ما يسهم في فتح قنوات عدة للتمويل تنعكس إيجابيا على حركة السوق عموما.

ورأى مجلس الشورى أن صدور هذه الأنظمة من شأنه تنشيط الاستثمارات بما يساعد في توازن العرض والطلب وبالتالي توازن الأسعار واصفاً تحرك المجلس نحو مناقشة الأنظمة العقارية وإصدارها بأنه يأتي منسجما مع الأهداف والغايات التي تهدف لها الحكومة في حل الأزمة الإسكانية، ولمساعدة في دخول شركات إقليمية كبرى في سوق العقار السعودي.

وركز الشورى على أن الأنظمة استحدثت قطاعا ماليا جديدا هو شركات التمويل غير البنكية، لترفع تنافسية القطاع التمويلي والمصرفي، مما سيحقق مصلحة كبيرة للمواطنين، إضافة إلى استحداثه أنظمة معالجة لقواعد عقد الرهن المسجل، الذي سيحمي استثمارات المواطنين، وسيتيح لهم فرصة تحسين استغلالهم لمدخراتهم من خلال رهون استثمارية على عقاراتهم.

وأكد المجلس أن الأنظمة جاءت بأحكام تفادت مشاكل الرهون العقارية التي تنشأ عن عدم وعي الممولين الكامل بأخطار الإقراض غير المدروس، مشيرا إلى أن المجلس سيستكمل التصويت على مواد الأنظمة في جلسة مقبلة.

قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الرحمن الزامل عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الشورى أن النظام سيفيد شريحة السعوديين القادرين على تقديم الضمانات المطلوبة ولديهم الدخل الكافي لضمان الرهانات بكافة أشكالها، بينما تتضاءل فرصة الشريحة أقل من متوسط الدخل، الاستفادة من النظام المرتقب.

وذكر الزامل أن النظام المنتظر الموافقة عليه من المقام السامي قريبا، سيستفيد منه الأفراد من متوسطي الدخل وما فوق إضافة إلى الشركات التمويلية التي ستبدأ حقبة جديدة بتخصصها في العملية التمويلية وبالتالي ينتظر أن تواجه منافسة قوية جدا مع البنوك المحلية.

وزاد الزامل هجومه على البنوك المحلية حيث وصفها بأنها بالغت في استغلال المواطن بالفوائد خلال الفترة الماضية، مشيرا إلى أن ظهور شركات التقسيط والتمويل ستحد من ذلك نتيجة أنها ستتجه إلى تقديم خدمات تمويلية منافسة مما سيتيح توسع قاعدة فرص التمويل للمواطنين. ولفت الزامل إلى أن النظام الذي يأتي مكملا لمنظومة الأنظمة الاقتصادية ومتكاملا في حيثياته وتفاصيله المتعلقة بالتمويل العقاري، أن نظام الرهن الجديد اعتنى بجانب التنفيذ ووضع له أنظمة واضحة مركزة على الجانب العملي منها، مشيرا إلى أن البنوك سابقا كانت تدعي أن الأنظمة والقوانين لا تنفذ ودائما ما تشتت المهام بين المحاكم، أما الآن فالنظام الجديد يعطي القاضي اتخاذ القرار دون العودة إلى مرجعيات أخرى.

ودعا الزامل هيئة الإسكان المنشأة حديثا لتحرك سريع بتبني مشاريع إسكانية عملاقة وبناء آلاف الوحدات السكنية الصغيرة التي توفر مجانا للفقراء، مفيدا أن هناك شرائح كانت لن تستفيد من نظام الرهن العقاري لطبيعة الظروف ولشمولية النظام وعموميته، متوقعا زيادة حجم المعروض من الإسكان جنبا إلى جنب مع تراجع نسب الفائدة التي تأخذها الشركات والبنوك التمويلية.

وكان سعيد الشيخ كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي السعودي أكد لـ «الشرق الأوسط» توقع استحواذ البنوك على حصة كبيرة من حجم سوق الرهن العقاري دون الإشارة إلى إحصاء أو رقم معين، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة إدراك أن عملية الاستجابة والتفاعل مع الأنظمة الجديدة ستكون تدريجية وستأخذ حيزا من الوقت للتأقلم معها. ويرى الشيخ أن مستقبل أنشطة صناعية وتجارية سيزدهر قريبا مع بدء العمل في نظام الرهن وابتكار المنتجات المتخصصة فيه مشيرا إلى أن نشاطات العقار والمصانع ومحال التجزئة في مواد البناء بكافة أشكالها وأنواع أنشطتها ستتزايد أعمالها بوتيرة أسرع خلال السنوات المقبلة.

ويرى الشيخ ضرورة الوعي بأن التفاعل مع نظام الرهن العقاري سيأخذ وقتا من الزمن للبدء في التطبيق العملي إذ سيتم العمل به بشكل تدريجي حتى تنسجم معه الأطراف التي ستستفيد منه وتتكيف الأسواق والجهات العاملة فيه.

مع بدء العد التنازلي للمصادقة على منظومة الأنظمة التمويلية العقارية الجديدة التي أقرها مجلس الشورى السعودي الأسبوع الماضي من قبل مجلس الوزراء السعودي، والتي تهدف في مجملها إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة الإسكان وسن قوانين ملائمة لتسهيل تملك المواطنين لمساكن خاصة بهم، بدأ القطاع العقاري في السعودية يتأهب للتطورات الجديدة والدفعة الإيجابية التي ستأتي بها هذه القوانين، وهو ما بعث الراحة والأمل في قلوب الراغبين في تملك العقار، وفي نفوس العقاريين الذين انتقلوا من المطالبة بسن القوانين إلى التساؤل بجدية عن الجهة التي ستقوم بمتابعة وتنفيذ هذه القرارات.

و أكد لـ «الشرق الأوسط» عبد العزيز بن محمد العجلان رئيس اللجنة العقارية بغرفة الرياض، ورئيس اللجنة الوطنية للعقار أن وضع القوانين العقارية وإقرارها هو خطوة أكثر أهمية من إنشاء هيئة عليا للعقارات على سلم الأولويات، ويلي هذه الخطوة إنشاء هيئة عليا للعقار لتنظيم شؤونه، ولتكون الجهة المعنية بمتابعة وتقييم وتنفيذ ودراسة الأنظمة العقارية.

وقال العجلان «لا نعتقد أن إنشاء الهيئة أمر سهل، أو سريع التحقيق بالشكل الذي نأمله ونطمح إليه، وحتى لو لم توجد هيئة عليا فهناك غرف تجارية ولجان عقارية تتابع المسألة، ونتمنى أن تكون لديها المقدرة على أن تكون فاعلة في تنظيم هذه العقارات، لكن وجود هيئة عليا للعقار أفضل لأنها ستصبح المنسق بين كل القطاعات».

وأشار رئيس اللجنة العقارية بغرفة الرياض، ورئيس اللجنة الوطنية للعقار إلى أن سن القوانين العقارية الجديدة يأتي في مرحلة تحتاج فيها السوق السعودية إلى عدد من الأنظمة المالية والعقارية التي يتطلبها في مرحلته الحالية والتي يمكن أن توصف بـ الغير مسبوقة.

وأضاف العجلان «القطاع العقاري السعودي حالياً يمر بمرحلة غير مسبوقة، وهناك تطورات كثيرة تبعاً للمتغيرات الاقتصادية التي تعيشها المملكة، الجانب الإيجابي فيها هو الثقة التي ترسخت لدى المستثمر السعودي أو الخليجي بهذه السوق، وهناك تدفقات كبيرة من الأموال الخليجية دخلت إلى السوق السعودية، والقطاع العقاري يتحول إلى صناعة عقارية لها خطوط إنتاج وبالتالي فهناك حاجة ماسة إلى أنظمة وقوانين تنظمها وعلى رأسها نظام السجل العيني، الذي سيدشن الأحد القادم من قبل الأمير متعب بن عبد العزيز».

وحول كفاءة القوانين وجدواها من وجهة نظر العقاريين والمتخصصين في المجال ذكر العجلان في حديثه لـ «الشرق الأوسط»: «القوانين الجديدة تتناول أنظمة الرهن العقاري، والتمويل العقاري، ونظام المستأجر والمؤجر الذي يؤطر العلاقة بينهما، وكلها أنظمة يجب أن ترى النور قريباً، وهي بالمجل ضرورية وتأتي في الوقت والمكان المناسبين، إلا أنني أتوقع بأن الثغرات التي يمكن أن توجد فيها ستتبين من خلال تطبيقها على الواقع في الفترة المقبلة، وأتمنى أن تكون الاستجابة لتعديل هذه الأنظمة وسد الثغرات حينها سريعة ومرنة، لأن إيقاع السوق العقاري في هذه المرحلة اختلف تماماً عن إيقاعه خلال السنوات الماضية حيث يتسم بالسرعة والديناميكية وكبر حجمه».

من جهة أخرى، أكد لـ «الشرق الأوسط» المهندس عيدروس البار عضو لجنة العقار بغرفة جدة،من جانبه بأن قفزة كبرى ستحدث في قطاع التمويل العقاري، حيث ستحفز القوانين الجديدة الكثير من الشركات والبنوك والمؤسسات المصرفية للدخول في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه يجب التأكيد على الشروط التي تعطى بها القروض والتسهيلات، وتناسب القروض مع دخل المواطن لأن هذه التفاصيل الواقعية هي العنصر الأساسي في تقييم القوانين الجديدة وجدواها.

ويتطرق النظام لحالة ما إذا نقصت قيمة المرهون أو طرأ عليه مانع يمنع المرتهن من استيفاء حقه منه لهلاك أو عيب أو استحقاق وكان ذلك بتعد أو تفريط أو تدليس ممن بيده الرهن، وحالة إذا ما وقعت أعمال من شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو العيب، أو تجعله غير كاف للضمان.