واشنطن: مبان فخمة قيمتها بالملايين.. ومهجورة

انزعاج الجيران في شارع السفارات

إحدى السفارات الأفريقية في واشنطن («نيويورك تايمز»)
TT

إذا ذهبت إلى واحد من أرقى المنازل في واشنطن، وهو مبنى من أربعة طوابق تقدر قيمته بـ 3.9 مليون دولار، ستجد بابه الأمامي مغلقا بقفل ومغطى بالخشب. وستجد على اللوحة النحاسية المعلقة فوق المدخل عبارة: «سفارة جمهورية مالاوي».

وبجواره يوجد مبنى فارغ مكون من تسعة غرف تبلغ قيمته 6 ملايين دولار، حتى مع سارية العلم الفارغة، والأعشاب الضارة في الممر، والأعمدة ذات الطلاء البالي، والنوافذ المقفلة. والمالك هو: الإمارات العربية المتحدة.

وعلى الجانب الآخر من الطريق، على طول جادة ماساتشوستس المعروف بشارع السفارات، وصلت الحشائش خارج المنزل الذي يبلغ عمره قرنا من الزمان إلى ارتفاع عال، وتلتف ستائر نوافذه في عدم انتظام، ولا يوجد مقبض في الباب الأمامي. فقد انتقل مالك المنزل، وهو الحكومة الباكستانية، منه عام 2004.

وعلى مدار العام الماضي، كافح الحي من أجل القضاء على آلاف من المباني الخالية، بفرض زيادة كبيرة في الضرائب على العقارات لدفع الملاك إلى بيع عقاراتهم أو تأجيرها أو السكن فيها. ولكن لا يستطيع المسؤولون أن يمارسوا مثل هذه الضغوط على أكثر من عشرة عقارات مهجورة، والتي زادت من معاناة بعض أكبر أحياء واشنطن.

فهذه المباني كانت تستخدم كمقر لسفارة أو سكن دبلوماسي لدول من بينها ليبيريا وماليزيا والفلبين وجمهورية توغو. ولأن كل هذه الحالات تقريبا تعتبر قانونا أرضا أجنبية، فهذه المباني معفاة من الضرائب العقارية. وفي بعض الحالات، تصبح هذه العقارات خالية بسبب انتقال سفارات الدول إلى مكان فخم في المنطقة الدبلوماسية المتفرعة من شارع فان نيس. وفي أحوال أخرى، تكون حاجة العقار إلى الترميم إشارة إلى الأزمة التي يمر بها البلد المالك له، حيث تجد البلاد صعوبات في تمويل تلك التجديدات. وهناك أيضا المنزل الخالي في شارع كوينسي في الشمال الغربي؛ تتجمع أمام بابه الأمامي كومة من أوراق الشجر الذابلة، وتملأ حديقته الخلفية غابة بشعة، وتوجد بقايا منهارة لما كان يوما سقفا لمرآب السيارات.

ويصفه الأطفال في الحي بـ « المنزل المسكون».

وتوضح سجلات العقارات بأن المالك هو سفارة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية. وقد تفككت يوغوسلافيا عام 1991. وفي عام 2006، تم تقسيم مباني الجمهورية الدبلوماسية على ست دول مستقلة عنها. وعلى الرغم من تسليم هذا المنزل إلى البوسنة، مبدئيا، إلا أن ذلك لم يحدث بالفعل، كما يقول سفيتوزار ميليتش، مستشار السفير في سفارة البوسنة والهرسك.

ويقول ميليتش: «ليس لدي المفتاح، وصدقني أنا لا أعرف من الذي لديه المفتاح». وفي الشهر الماضي، أصدرت رابطة الحفاظ على العقارات في واشنطن العاصمة قائمتها السنوية التي تشمل العقارات المعرضة للخطر. وكان مبنى سفارة جمهورية الكونغو الديمقراطية القديم الآيل للسقوط في بؤرة الاهتمام. فالمنزل ذو الطلاء البالي والنوافذ المتهالكة والسقف المتساقط « نموذج تقليدي للتدمير الناتج عن الإهمال« ، كما كتبت الرابطة. ويشتكي الجيران من محتلي المكان بوضع اليد. وكتب روب هاليغان، وهو ناشط في حي دوبونت سيركل، رسائل وحضر اجتماعات عن العقارات، وكلها أسفرت عن نتيجة واحدة جيدة، على حد قوله: لوح من الخشب فوق نافذة في الدور الثاني. ويضيف: « إن هذا المبنى سوف ينهار». وتظل سفارة باكستان القديمة في جادة ماساتشوستس خالية منذ أربعة أعوام، وأيضا مكاتبها الدبلوماسية السابقة في شارع R في الشمال الغربي، حيث يتدلى الإنتركوم متصلا بأحد الأسلاك في الردهة المغطاة بالرخام، وتتكوم فيها الجرائد القديمة، ويعود تاريخ إحداها إلى 26 أغسطس (آب) عام 2006. ويقول جون سكونيك من كالوراما، وهو ينظر إلى أكوام من الشجيرات التي تكسو ساحة الدار: «هل من الممكن تصديق ذلك؟» «إن ذلك المنظر بشع وفيه عدم احترام للحي». وذكر أن يوغوسلافيا تملك أيضا منزلا مهجورا على بعد منزلين من هنا. وعلى الناصية البعيدة، بجوار سفارة بلغاريا وأمام سفارة البرازيل، تمتلك الأرجنتين منزلا يقول أحد الجيران انه مهجور منذ أعوام.

ويقول رايموند سابا، وهو مالك لنزل أمام المنزل اليوغوسلافي، انه يتحمل عبء تقليم الأشجار وري الزهور، لتحسين المنظر الذي يطل عليه مدخل نزله. «قد تحب أن يضاء المنزل في الليل، وأن تأتي في الصباح لتلقي التحية، ولكن المكان مظلم. فأنت تنظر إلى هذه المباني وهي تبدو على وشك الانهيار». ولكن الملاك لديهم أسبابهم.

فقد بنت الحكومة الفلبينية سفارة جديدة بالقرب من شارع 16 وجادة ماساتشوستس، وتفكر في مستقبل المقر الذي أخلته منذ أكثر من عشرة أعوام، وهو مكون من أربعة طوابق. ولكن هذا التفكير مكلف. ففي عام 2006، سحبت وزارة الخارجية الوضع الدبلوماسي للسفارة القديمة، وفقا لمسؤولي الحي، وأرسلت للفلبينيين فاتورة ضريبية. وطلبت المدينة من الفلبينيين أن يدفعوا أعلى رسم ضريبي مفروض على العقارات الخالية، على الرغم من أنه من الممكن للدول الأجنبية أن تحصل على إعفاء إذا طلبوا ذلك. وتوضح التقارير أنه في الأسبوع الماضي كانت حكومة الفلبين مدينة للحي بمبلغ 961.138 دولارا.

لا تواجه باكستان مثل هذه المشاكل المالية، حيث حددت ما ستفعله بمقر سفارتها القديم في شارع السفارات، وهو المقر الذي أصبح خاليا منذ نقل السفارة إلى مبنى جديد في شارع فان نيس. وعلى الرغم من تصريح مسؤولين في السفارة بأن هناك عمالا يعملون في صيانة المنزل ـ الذي صور في مجلة تنشرها لجنة الفنون الجميلة الأميركية – إلا أنه في زيارة إلى المنزل أخيرا، وجدت الحشائش غير مقلمة ودرجات السلم بالية والنوافذ مفتوحة، مما يسمح بنفاذ الأمطار إلى داخل المنزل. وقد قال نديم حيدر كياني، المتحدث الرسمي باسم السفارة، إن الحكومة قد تبيع المبنى أو تحوله إلى مركز ثقافي.

وتخطط دول أخرى لإصلاح مبانيها. ومن ضمن هذه الدول مالاوي، التي تركت مبنى شارع السفارات بعد نشوب حريق فيه عام 2003. وأخلت الكونغو سفارتها في جادة نيوهامبشاير عام 2004 بسبب حاجة المبنى إلى الترميم. وقد خططت لأعمال التجديد، ولكن الحرب التي أودت بحياة حوالي أربعة ملايين شخص، أخرت من هذا الأمر. وتفيد السفارة الآن بأنها مستعدة للاتفاق مع مقاول. وتقول السفيرة فايدا ميتيفو: « هذه ليست مجرد نية، ولكنها حقيقة». وتجمع حكومة ليبيريا 200.000 دولار على الأقل لتجديد مقر إقامة دبلوماسية. وقد توقف مشروع ترميم سابق، ولكن يأمل الليبيريون في بدء أعمال التجديد في المبنى الواقع في جادة كولورادو، على مقربة من سفارتهم، بحلول نهاية العام، وفقا لما قاله إيدوين سيلي، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية. وقال سيلي إنه يخطط أن ينتقل إلى المبنى بعد أن ينتهي العمل فيه. ويقول: «أستطيع أن أراه من نافذة مكتبي». وعلى بعد مبنيين، في شارع كريتيندين في الشمال الغربي، كان يعيش سفير توغو السابق في منزل من ثلاثة طوابق حتى عام 2005، عندما غادر إلى وطنه في أفريقيا في إجازة. ولكنه لم يعد عندما توفي رئيس الدولة، وعينه رئيس توغو الجديد رئيسا للأركان، وفقا لما ذكره جوزيف سالا المسؤول بالسفارة.

ومع كل هذه التغييرات، فقدت الكثير من التفاصيل. فلم يخطر السفير مكتب البريد بانتقاله، فتكومت الرسائل الواردة إليه. وغمرت مياه ماسورة مكسورة الدور الأرضي من المبنى. وبعد شكوى الجيران، ذهب موظفو السفارة لترتيب المكان. ويقول سالا إنه لا يفضل أن يترك الأمر هكذا، «فإنها تعكس صورة دولة توغو». وعلى الرغم من القلة النسبية في عدد المباني الخالية التي تملكها دول أجنبية، إلا أنها تلفت الأنظار في بعض الأحيان لوجودها في مناطق الأثرياء. ويتقدم مسؤولو الحي وقادة المجتمع بالشكوى إلى سلطة عليا في مثل هذه الأمور، وهي وزارة الخارجية، التي «تعمل على حل قضايا الصيانة من خلال القنوات الدبلوماسية»، كما كتب داربي هولاداي في رسالة إلكترونية.

وأضاف في رسالته ان الولايات المتحدة يمكنها سحب الوضع الدبلوماسي للعقار، وهي العقوبة التي وصفها بأنها نادرة الحدوث. ولكنه رفض ذكر متى تفرض هذه العقوبة.

وعلى الرغم من تصريح مسؤولي الحي بأن وزارة الخارجية سريعة الاستجابة، إلا أن الاتصال بها لا يسفر دوما عن نتائج مرضية، وذلك ما اكتشفته أندريا غيبس بعد شكواها من المبنى الليبيري. وقالت غيبس، التي تسكن في الناحية المقابلة للمبنى، إن هناك من نصحها بالاتصال بليبيريا مباشرة.

ووجد ستيف غيفورد جانبا مشرقا في السكن بجوار منظر يؤذي العين، وبجواره مبنى سفارة الكونغو القديم. ففي مقابل إنفاق غيفورد وشريكه 200 دولار شهريا من أجل تقليم العشب وتنظيفه، منحته الكونغو حق الانتفاع بإيقاف سيارته في ممر السفارة. ويقول غيفورد: « الجميع يكسب هنا». تنفق النيجر 500.000 دولار على تجديد مقرها الدبلوماسي، وهو خال منذ العام الماضي، ويحتاج إلى ترميم منذ مدة طويلة. ومن الأشياء التي تزعج الجيران، مخلفات البناء الملقاة على العشب أمام المنزل. وهناك أيضا حمام السباحة المغطى بغطاء بلاستيكي يجذب أسراب الناموس في الفناء الخلفي، كما تقول أليس سيشينز، التي تعيش في المنزل المجاور مع زوجها بيل، وهو مدير سابق في مكتب المباحث الفيدرالية.

ولكن أشد ما يزعجها هو شكل السقف الجديد أعلى المدخل ومجموعة من الأعمدة الاسمنتية بطول طابقين. وتتحرر بعض الدول الأخرى من أعباء مبانيها. فقد اشترى وكيل العقارات جيم أبدو المبنى الدبلوماسي الغاني ـ وكانت الأمطار تتساقط من السقف عندما زار المكان، على حد قوله ـ ولكنه حوله إلى منزل له. وقد استعان بمستشار للسفر إلى نيجيريا وإقناع قادة الحكومة ببيع المنزل الذي يملكونه في ماساوتشوستس هايتس.

ودفع أبدو 3.2 مليون دولار لشراء العقار، الذي يحتوي على عائلة من حيوان الراكون تعيش في طوابقه الأربعة. وبعد تجديدات هائلة شملت حمام سباحة جديدا، يعرض أبدو المنزل للبيع بمبلغ 6.95 مليون دولار. وقد أخرج منه حيوان الراكون.

* خدمة «نيويورك تايمز»