مستثمرون من الشرق الأوسط يستحوذون على المزيد من الأصول الأميركية

إلى جانب رجال أعمال أوكرانيين وروس

تبقى نيويورك احدى أهم مناطق جذب الاستثمارات في أميركا («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت محاولات مستثمرين أجانب جدد للحصول على الأصول الأميركية الكبرى، في حين أطلق ارتفاع أسعار السلع العالمية وهبوط سعر الدولار العنان لموجة من عمليات الشراء ذات تكاليف باهظة للأصول الأميركية الثمينة. فمن قصور يبلغ ثمنها 100 مليون دولار في «بالم بيتشش بفلوريدا، إلى أعمال الفن الحديث بتكلفة 23 مليون دولار، إلى أسهم تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات في بنوك وول ستريت، تتزايد أعداد عمليات الاستحواذ التي يقوم بها أقطاب رأس المال الروس والأوكرانيون، والشيوخ القطريون، والصناديق التي ترعاها الحكومات في الشرق الأوسط. والآن تزيد أبو ظبي، التي تملك بالفعل 4.9 في المائة من أسهم (سيتي غروب)، من أوراقها المالية باختيار أصول أميركية تتضمن مبنى «كرايسلر»، الذي يعتبر أحد المعالم في سماء نيويورك بقمته العالية الرفيعة وتصميمه على طراز «آرت ديكو».

وقد اشترت حكومة أبو ظبي حصة بلغت 75 في المائة من المبنى المميز يوم الثلاثاء بمبلغ 800 مليون دولار من صندوق عقارات ألماني تديره (بريدينشيال ريل إستيت إنفستورز) (Prudential Real Estate Investors). وصمم هذا البرج الذي يبلغ طوله 1.046 قدم (319 مترا) ويليام فان ألن، وتم الانتهاء منه عام 1930 لصالح مؤسسة كرايسلر ومؤسسها والتر كرايسلر.

تعيد عمليات الشراء الأجنبية، وخاصة عملية استثمار كرايسلر ودخول الشرق الأوسط في عملية بيع مبنى «جنرال موتورز» الأخيرة في نيويورك، إلى الأذهان الاندفاع المالي المشابه الذي قام به مستثمرون يابانيون في شراء مركز «روكفيلر» وملاعب الغولف في «بيبل بيتش» في أوائل التسعينات.

وقد انتهى هذا الغزو على نحو سيئ، فلم تدر الكثير من هذه الاستثمارات أرباحا، وتعاملت معها أميركا، التي أصبحت أكثر تعصبا، بارتياب، لبدئها في القلق حول مكانتها كقوة اقتصادية عظمى. والآن بعد أن انخفض سعر الدولار بنسبة أكثر من 40 في المائة أمام اليورو، وتقيد الاقتصاد بأزمة الرهن العقاري، أصبحت أميركا الأقل اطمئنانا وتعتمد بشكل أكبر على رأس المال الأجنبي.

وبينما تخضع هذه الاستثمارات لفحص الكونغرس، فإن هناك اعترافا بأن هذه الصناديق، التي تحتفظ بمواقع سلبية في الاستثمار، ستؤدي وظيفة مهمة بإعادة تدوير أموال تصدير البترول.

«هذه هي النتيجة الطبيعية لتصديرنا مبالغ كبيرة من الدولارات في مقابل شراء سلع غالية الثمن لدول ينبغي عليها أن تعيد استثمار هذه الأموال في مكان ما».. هذا ما قاله دوغلاس ريديكر، وهو خبير الصناديق السيادية في مؤسسة «نيو أميركا» للأبحاث. ويضيف: «على هذه الدول أن توسع من نشاطها إلى ما وراء أذون الخزانة، وهذا يعني شراء الأسهم والعقارات».

وتستفيد أبو ظبي والكويت ودول أخرى في الخليج ذات عائدات بترول كبيرة من هبوط الأسعار للاستثمار في الشركات العقارية والمالية حول العالم. وقد أنفق مستثمرون من الشرق الأوسط 1.8 مليار دولار هذا العام على عقارات تجارية أميركية، وفقا لشركة أبحاث العقارات (ريل كابيتال أناليتكس) (Real Capital Analytics) في نيويورك.

وكما حدث مع اليابانيين فإن الكثير يقال عن الخسائر التي تكبدتها هذه الصناديق حتى الآن. وقد استثمر أهم صندوق في أبوظبي وهو جهاز أبوظبي للاستثمار 7.9 مليار دولار في (سيتي غروب) العام الماضي عندما كان سعر السهم 31 دولارا، وبلغ سعر هذا السهم الآن 17 دولارا. وبينما ما زال أمام الصندوق أكثر من عامين لتتحول سنداته إلى أسهم، إلا أن أزمات (سيتي غروب) تثير الشكوك حول جدوى هذا الاستثمار.

وعلى خلاف صناديق المعاشات، أو صناديق التحوط، أو الصناديق التعاونية، فإن صناديق الثروة السيادية، وبخاصة في أبوظبي، لا تواجه أي دعاوى على أصولها في صورة التزامات أو استردادات أو متطلبات استثمار محلي، ولهذا فإن نظرتها الاستثمارية طويلة المدى بطبيعتها. ومع ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما فوق 140 دولارا، يتوقع المحللون أن تحصل دول الخليج على فائض نقدي سنوي يبلغ 300 مليار دولار، ويقال إن حصة أبو ظبي تبلغ 50 مليارا، حيث يتوقع أن يصل حجم الصناديق السيادية إلى 15 تريليون دولار بحلول عام 2020.

ويمكن أن تستثمر أبوظبي، وهي منتجة للبترول، القليل من هذا الفائض فقط في اقتصادها الضئيل الذي يعاني بالفعل من التضخم الناتج عن الإنفاق الحكومي المغامر، ولذلك تم إنشاء مجموعة من صناديق الاستثمار لإعادة توزيع هذه الأصول في الخارج.

وكالعادة فإن المحرك الرئيس لهذه الاستثمارات هو جهاز الاستثمار، وهو صندوق يبلغ عمره 30 عاما ويبلغ حجمه من 600 مليار إلى 700 مليار دولار.

ومن أجل التعامل مع هذا الفائض أقامت أبوظبي صندوقي استثمار صغيرين، شركة «مبادلة» للتنمية و«مجلس أبوظبي للاستثمار» الذي اشترى حصة مبنى كرايسلر.

وكما هو الحال مع جهاز الاستثمار، يعمل المجلس في نطاق من السرية. وهو لا يعلن عن المبالغ التي يديرها ويعطي تفاصيل قليلة عن ممتلكاته الاستثمارية. ويقول الأشخاص المتابعون للصندوق إن حجمه من الممكن أن يبلغ ما بين 5 إلى 15 مليار دولار. وبعد أن أسسه مدير الجهاز السابق خليفة الكندي، يتبع الصندوق منهجا استثماريا أكثر فطنة. وبينما يمثل مبنى كرايسلر والأصول الأخرى أعمالا فنية يمكنها إضفاء نوع من المكانة، إلا أنها تبدو أكثر قدرة على الاحتفاظ بقيمتها أكثر من المؤسسات المالية وسوق الأوراق المالية الواسعة. وفي سوق الأعمال الفنية ترتبط القوة النسبية لهذه الأصول بالشراء الأجنبي. فقد اشترى أخيرا رجل صناعة الصلب الأوكراني، فيكتور بينشوك، منحوتة «القلب المعلق» للفنان جيف كونز بمبلغ 23 مليون دولار. وفي عملية شراء أخرى كبرى، اشترى الملياردير الروسي الذي يعمل في مجال الأسمدة، ديمتري ريبولوفليف، منزل دونالد ترامب على شاطئ «بالم بيتش» بحوالي 100 مليون دولار.

ربما تكون هناك نظرة استثمارية أكثر اتزانا وراء استثمار أبوظبي في مبنى كرايسلر، ولكن ما زال لهذه الخطوة دويها. وربما يشير هذا الاستثمار إلى رغبة عائلة آل نهيان الحاكمة، التي طالما عملت في الظل، في الظهور أخيرا.

ويقول براد سيتسير، وهو محلل الصناديق السيادية في مجلس العلاقات الدولية «هذا يناسب النموذج الذي يبحث عن ظهور أكبر، فشراء مبنى مميز هو أكثر الأشياء ظهورا».

* خدمة «نيويورك تايمز»