هل وصل العالم إلى نهاية مصادر البترول السهلة؟

مصادر غير تقليدية مثل الرمال الزيتية أو الزيوت الحجرية ربما تحل الأزمة

وسائل التكنولوجيا تزيد من الإنتاجية كما أنها تمهد الطريق للحفر في أعماق البحار («لوس أنجليس تايمز»)
TT

مع الزيادة التي لم تكن واردة في أسعار البنزين والبترول، تنتشر المخاوف من تحول الوضع إلى الأسوأ في عالم أصبح مدمنا للبترول.

وقد تسببت المخاوف في ارتفاع سعر برميل البترول إلى 131.04 دولار في أسعار البيع الآجل في نيويورك يوم الاثنين، وذلك بزيادة 2.16 دولار بعد انخفاضه 16 دولارا خلال الأسبوع الماضي. وجاءت المخاوف، حيث يسود القلق السوق من احتمال إضرار الاعصار الاستوائي «دولي» بعمليات إنتاج البترول في خليج المكسيك. ولكن يقف خلف الاضطراب الحالي أمر أكثر رهبة: وهو أن العالم قد عثر على جميع مصادر البترول التي يسهل الوصول إليها، وأن الإمداد اليومي من البترول سينخفض كثيرا عن الطلب العالمي المتزايد. وصرح الخبير البترولي روبرت هيرش في اجتماع لأصحاب القرار والمدافعين عن البيئة في سانتا باربارا، «إنكم تشعرون الآن بعدم الراحة بسبب أسعار البترول الحالية، ولكن ستكون هذه أيام الماضي الجميل.. نحن نتحدث عن معاناة لا يمكن تخيلها».

وتعكس التكاليف اليومية للبترول ضعفا حادا في قيمة الدولار، وتكهنات في الأسواق، وأحداث سياسية طبيعية مثل التوترات في نيجيريا ودول أخرى مصدرة للبترول. وفي الوقت نفسه، لايزال المنتجون يلبون الاحتياج العالمي من الطاقة، ويزداد تركيز السوق على تصور كيف يكون الإمداد على المدى الطويل. ومما يضيف إلى القلق السائد، تحترس العديد من الشركات الصناعية الكبرى أن قضايا مثل عدم الاستقرار في الدول المنتجة للبترول ونقص معدات الحفر والمهندسين تفرض وصول إنتاج البترول إلى «ذروة عملية»، مما يسبب تحولا إلى الأسوأ مثل «الذروة الجيولوجية» التي يتوقعها هيرش وآخرون.

«هناك المزيد من الأشخاص الذين يعتقدون أن توقعات إمداد البترول لا تدعو إلى التفاؤل»، هذا ما قاله فاتح بيرول كبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة لحماية الدول الصناعية ومقرها في باريس.

ويقول البعض إن الحفر في المناطق خارج الحدود ستمنح الولايات المتحدة سبقا في الوصول إلى بدائل في البترول وتخفيض الواردات وتخفيف الضرر الاقتصادي. وفي سبيل ذلك، رفع الرئيس بوش حظرا رئاسيا على أعمال الحفر الجديدة في البحر للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي، وقد حث المشرعين على رفع حظر الكونغرس أيضا.

ويضع بريول نفسه في مصاف الذين يعتقدون أن العالم قد وصل إلى «أقصى مصادر البترول التي يسهل الوصول إليها». وهذا وحده يسبب القلق، لأن الكثير من الاقتصادات تعتمد على الافتراض بأن البترول سيظل منخفضا السعر ومتوفرا. ويعد بريول تقريرا يعيد فيه تقييم المنظور العالمي لإمدادات البترول والاستثمار والإنتاج؛ ويعتقد الكثيرون أنه سيحتوي على أخبار سيئة عند إصداره في نوفمبر (تشرين الثاني).

ويقول بريول: «نشعر بالقلق حيال إمدادات البترول الآجلة... وربما نواجه أياما عصيبة في أسواق البترول في المستقبل». في خلال خمسة أعوام، قد يزيد الطلب على البترول عن 94 مليون برميل في اليوم، وسيستمر في الزيادة، بسبب النمو في الصين والهند، وذلك وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. ويقول الخبراء إن الإنتاج العالمي اليومي ما بين 82 مليونا و86 مليون برميل. ولا يمكن لأكثر هيئات البترول تفاؤلا أن تجعل الإنتاج يكفي الطلب بدون دفعة كبيرة من مصادر غير تقليدية مثل رمال كندا الزيتية أو زيوت الولايات المتحدة الحجرية. إن الحصول على البترول الخام من هذه المصادر أكثر صعوبة وتكلفة وضررا بالبيئة.

«من مصادر البترول غير التقليدية كل هذه الأشياء مثل رمال القطران... ويعتبر بعض الأشخاص كل هذه الأشياء بترولا»، هذا ما قاله المستثمر في مجال البترول في تكساس جيم بالدوف، الذي ساعد على تأسيس فرع الولايات المتحدة لجمعية دراسة البترول والغاز، التي تنضم إليها 22 دولة. «إذا فعلت هذا، فستصبح لديك صورة وردية». وصرح الاستشاري دانيال يرغين، رئيس مجلس إدارة مجموعة كمبريدج لأبحاث الطاقة في ماساتشوستس، وهو مؤلف كتاب «الجائزة» الفائز بجائزة بوليتزر عن تاريخ البترول إن البيانات التي جمعتها شركته لا تؤيد المخاوف من عدم كفاية إنتاج البترول للطلب عليه أو من بداية انخفاض كبير في الإنتاج. ولكنه صرح أن القلق من الإمداد طويل المدى «ساهم في حدوث هذه الحالة المضطربة في سوق البترول».

ويعترف الباحثون في كمبريدج أن إنتاج البترول سيصل إلى ذروته في النهاية. ولكن صرح مدير مجموعة كمبريدج لأبحاث الطاقة بيتر جاكسون أن هذه النهاية تتأخر باستمرار حيث يكتشف احتياطي بترول كبير، وتزيد وسائل التكنولوجيا من الإنتاجية كما أنها تمهد الطريق للحفر في أعماق البحار وخيارات أخرى لم تكن محل دراسة في السابق.

وعلى سبيل المثال، كان حقل بترول كيرن ريفر البالغ عمره 108 أعوام في كاليفورنيا على وشك أن ينضب عدة مرات على مدى أعوام الماضية. ولكنه أنتج مؤخرا البرميل رقم مليارين ومازال مستمرا في الإنتاج، بفضل وسائل التقنية دائمة التطور. وكان تعليق جاكسون: لا داعي للذعر.

وهو يتوقع أن يستمر الإنتاج العالمي، بما فيه الطرق غير التقليدية، في الزيادة وتحقيق الكفاية للطلب حتى عام 2020 على الأقل. وبمجرد أن يصل الإنتاج إلى ذروته، يعتقد أنه سيستقر في «مستوى ثابت» قبل أن يبدأ انخفاض من غير الممكن تعويضه.

ويضيف جاكسون: «مازالت المعادلة صارمة بعض الشيء، ولكن يخف الطلب الآن... وكل ما علينا هو الانتظار ومشاهدة تأثير هذه العوامل».

أما بالنسبة لهيرش، وهو صاحب تقرير وزارة الطاقة عام 2005 حول وصول إنتاج البترول إلى ذروته، فهو يرى الموقف أكثر إلحاحا. عندما تحدّث في قمة الطاقة في الشهر الماضي، قال هيرش إن حقول البترول الكبيرة تنضب أسرع مما هو متوقع، وهناك مبالغة في تقدير الاحتياطي المتبقي، ويمكن لوسائل التكنولوجيا أن تضيف زيادات قليلة. وأضاف هيرش، الذي يعمل مستشارا كبيرا للطاقة في شركة خدمات معلومات الإدارة، وهي شركة استشارية في الكسندريا بولاية فيرجينيا: «لا أشك في أنه من المحتمل أن نشهد انخفاضا في إنتاج البترول ما بين عامي 2010 و2012».

وتعكس آراؤه مبدأ «ذروة إنتاج البترول»، وهو المذهب القديم الذي يعتقد في وصول إنتاج البترول الخام إلى ذروته أسرع مما هو متوقع، ثم يبدأ في انخفاض شديد. وتختلف التوقعات حول توقيت حدوث ذلك: فالبعض يقول إننا وصلنا إلى هذه الذروة بالفعل، بينما يفترض آخرون أنها لن تأتي قبل عقد أو أكثر.

إن إصدار التكهنات عمل محفوف بالمخاطر. فقد أخطأت التوقعات بالوصول المبكر إلى ذروة الإنتاج، ومن بينها توقعات تعود إلى أزمة الإمداد في السبعينات. كما لم يفلح غير المؤيدين لفكرة «ذروة الإنتاج» في تقدير الإنتاج. فقد فشل الجميع تقريبا في توقع قفزة أسعار البترول على مدار العام الماضي.

ويختلف الجيولوجيون وآخرون في صناعة البترول حول التكهنات بوصول إنتاج البترول إلى ذروته، وقد زاد هذا الخلاف مع دخول العامة المنزعجة من الأزمة فيه. تنتشر المواقع الإلكترونية التي تتناول هذا الموضوع، مثل oil drum. فيمكنك أن تشتري ملابس ملاكمة «لذروة البترول» من أحد المواقع، وتقرأ نكات عن «ذروة البترول» على موقع آخر.

يقول الاستشاري ماثيو سيمونز، المعروف في بعض الأوساط بالسيد «ذروة البترول»، إنه يتلقى الكثير من الأسئلة وما يصل إلى 30 رسالة تنبيه على موقع غوغل عندما يظهر اسمه في خبر جديد.

ويمتلئ الخلاف المشتعل، الذي ينتقد فيه أنصار مذهب «ذروة البترول» وناقدوهم بعضهم بقسوة، بمصطلحات غير دقيقة وبيانات مشكوك في صحتها أو غير كاملة عن حقول البترول. وتختلف وجهات النظر بشكل غريب حول كمية البترول المتبقي في السعودية، وتلك معلومات مهمة جدا لوضع تصور لإمدادات البترول في العالم.

ويأمل بريول أن يحرك تقريره الصادر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) «هذا الجدال من كونه عراك على الإنترنت والبريد الإلكتروني، أي من نطاق شخصي، إلى أساس موضوعي به بيانات دقيقة».

ولا يهتم تايسون سلوكم، وهو مدير برنامج الطاقة في مجموعة بابليك سيتيزن لحماية المستهلك في واشنطن، بموعد وصول إنتاج البترول إلى ذروته.

«يجب أن نخطط وكأننا وصلنا إليها بالفعل.. لأن من وجهة نظر المصلحة القومية، ومن وجهات نظر اقتصادية وبيئية، لا يمكن استمرار اعتمادنا على البترول، سواء كان من كاليفورنيا أو السعودية».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الاوسط»