كوريا الجنوبية: قطاع العقار يعاني أزمة الائتمان

30 مليار دولار لمشاريع التطوير واستقطاب المستثمرين من الشرق الأوسط

رغم معاناة القطاع العقاري في كوريا هناك توقعات بانتعاشه في القريب العاجل (خدمة كليب آرت)
TT

قليلا ما نسمع عن عقارات كوريا الجنوبية التي تعتبر من اهم الدول الفاعلة اقتصاديا وصناعيا في آسيا، رغم ان كوريا على علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة باوروبا والعالم العربي منذ سنوات طويلة وخصوصا في العقدين الماضيين اللذين شهدا طفرة تقنية لم يسبق لها مثيل. بأية حال فإن الاسواق العقارية في كوريا الجنوبية كما يبدو قد تأثرت كثيرا بازمة الائتمان الدولية التي لا تزال تعاني منها الولايات المتحدة واوروبا عبر ارتفاع معدلات الفائدة.

الاقتصاد الكوري الجنوبي ينمو سنويا ومنذ العام 2004 بنسة لا تقل عن 4.3 في المائة، في حين تزداد العملة الوطنية الـ«وان» قوة بسبب الطلب المتزايد من الصين على قطاعي الاتصالات والمعلومات والتقنيات في السنوات القليلة الماضية. وبالرغم من تراجع الاقتصادات حول العالم، لا يزال الاقتصاد الكوري الجنوبي صحيا ومدعوما من عدد من الصناعات المهمة التي تساهم في نموه هذا العام. ومن هذه الصناعات صناعة الهواتف الجوالة والسفن والحديد والصلب والروبوتات وشبكة الإنترنت اللاسلكية والكريستال السائل الذي يستخدم لشاشات التلفزيون وغيرها من الصناعات الحديثة. وفي هذا المجال فقد وصلت قيمة الصادرات العام الماضي الى حوالي 370 مليار دولار اميركي ويتوقع ان ترتفع هذه القيمة هذا العام الى حوالي 400 مليار دولار. بأية حال، فإن المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، تشير الى ان ارتفاع معدلات الفائدة على القروض العقارية بالإضافة الى الشروط والضرائب الحكومية الجديدة، والتخمينات حول تراجع الاسعار، أدت الى تباطؤ في الطلب على العقارات وبالتالي الى حصول فائض في العرض خصوصا ما تعلق بسوق عقارات الشقق السكنية. ومن شأن ذلك وضع ضغوط جديدة على سوق العقار السكني في البلاد. كما أضافت شركات البناء ضغوطا أخرى على هذا السوق بعد ان قررت تأخير بعض المشاريع وتجميد بعضها تحاشيا لبيعها ضمن الشروط الحكومية الجديدة الخاصة بالأسعار (سقف الاسعار الجديد).

وفي الوقت ذاته فإن تزايد العرض سيؤدي أيضا الى إفلاس بعض هذه الشركات.

وتؤكد مؤسسة «كوليارز» الخاصة بالأسواق العقارية الدولية، ان احد أسباب تراجع الطلب هذه الأيام على العقارات السكنية هو معدلات الفائدة المرتفعة على القروض من قبل المؤسسات المالية والبنوك.

وطبقا لأحدث تقرير للمؤسسة فقد تراوح معدل الفائدة على القروض في الفترة الأخيرة بين 6 و8 في المائة، ويتوقع ان تتواصل الارتفاعات على هذا الصعيد في ظل تواصل أزمة الائتمان الدولية التي سببتها الرهون العقارية العالية المخاطر في الولايات المتحدة في أغسطس (آب) الماضي. وإضافة الى ارتفاع معدلات الفائدة وغلاء القروض ارتفعت نسبة المبالغ التي تدفع مقدما للحصول على القروض لتصل الى 5.75 في المائة. ولان الزبائن او المشترين ينتظرون ان تتراجع الاسعار أكثر للدخول في السوق، فإن عدد الشقق الشاغرة المتوفرة حاليا في السوق يصل الى 100 الف شقة وهو أعلى رقم منذ أزمة آسيا المالية عام 1997 بحسب التقرير. ففي نوفمبر الماضي (2007) تراجعت اسعار الشقق التي تصل أسعارها الى مليار وان (955 الف دولار تقريبا ) لأول مرة منذ عشر سنوات. كما تراجع عدد الشقق المتوفرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بنسبة 3 في المائة.

وتشير الأرقام التي نشرتها « كوليارز«، ان عدد الشقق على المتوفرة على أنواعها هذا العام قد انخفض بنسبة 28 في المائة عما كانت عليه العام الماضي، مبينة ان حي «بانغيو» (Pangyo ) الجديد في (سيونغنام Seongnam )، ويبعد 15 كلم عن العاصمة سيول، يعتبر واحد من أهم الأسواق لقطاع التطوير العقاري السكني بسبب نجاح فكرة حي «بوندانغ» السكني وشحة المتوفر حاليا من الشقق. ويتوقع ان يتم بناء ما لا يقل عن 10 آلاف وحدة سكنية بين العام الحالي ونهاية العام المقبل. إلا ان الحاجة تصل الى 30 الف وحدة سكنية سواء كانت منازل صغيرة ام شقق عادية بالإضافة الى الشقق السكنية الفاخرة ربما تدفع السوق الى الانتعاش مجددا. لذا يتوقع أيضا ان ترتفع عائدات الاستثمار التطوري السكني.

أما على صعيد قطاع المكاتب، فيبدو ان المساحات المتوفرة في السوق من المكاتب في تراجع رغم الطلب القوي والمتزايد على المكاتب الممتازة من الدرجة الأولى ( A). وقد تزايدت إيرادات الأرباح من إيجار المكاتب في العاصمة سيول بنسبة 4.5 في المائة هذا العام. في حين ارتفعت هذه العائدات بنسب أعلى تصل الى 9 في المائة و10 في المائة و20 في المائة في بعض المراكز التجارية مثل «مركز سيول المالي» ومبنى شركة سامسونغ ومبنى شركة التأمين «هانهوا».

ويجري العمل حاليا على إنهاء العمل بمبنى «كومهو» الجديد الذي ينتشر على مساحة 9 الاف متر مربع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وسجلت الكثير من المباني والمراكز، على الأقل 25 مركزا ارتفاعا في عائدات إيجار المكاتب بنسبة 6 في المائة على الأقل. أما على صعيد القطاع العقاري الصناعي، فقد أكدت تقرير «كوليارز»، ان الاستثمارات الأجنبية تتركز في المناطق الصناعية في العاصمة وحولها، وخصوصا مطار وميناء «انشيون» ومنطقة «نامدونغ» (Namdong )، بسبب توفر المواصلات والبنية التحية الممتازة والحديثة.

وتنتشر المنطقة التي تم تطويرها وفرزها للإنشاءات الصناعية عام 1984، على مساحة 9.5 مليون متر مربع تضم الكثير من المنشئات مثل مصانع الآلات والالكترونيات والمواد الكيميائية وغيرها. ويصل سعر المتر المربع في هذه المنطقة حوالي 2.2 مليون وان (2000 دولار تقريبا).

ويبلغ سعر إيجار المتر المربع شهريا حوالي 9 الاف وان (9 دولارات تقريبا). ورغم عدم توفر المساحات الكثيرة فإن الطلب والعرض على حد سواء في وضع مستقر. ويجري حاليا تقسيم الأراضي الكبيرة المتوفرة الى قطع صغيرة لتلبية حاجة الزبائن والمستثمرين الصغار. وفي منطقة «شيهوا» (Shihwa ) الصناعية الحرة التي أطلقتها الحكومة في الثمانينات، التي تعتبر ارخص نسبيا، ترتفع اسعار الأراضي المفروزة يوميا بسبب ارتفاع الطلب. وينشط في المنطقتين الصناعيون والمستثمرون الفيتناميون والصينيون أكثر من غيرهم. وعلى صعيد الاستثمار العقاري في البلاد، وبالرغم من المخاوف من ركود اقتصادي عالمي، فإن الاستثمارات الأجنبية ( الضخمة والمتوسطة الحجم ) في البلاد ارتفعت في ابريل (نيسان) الماضي بنسبة 70 في المائة عما كانت عليه نفس الفترة من العام الماضي. وقد استقطبت كوريا الجنوبية في الربع الأول من هذا العام، ما لا يقل عن 2.7 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية. ولم يتعدى هذا الرقم 1.6 مليار في نفس الفترة من العام الماضي. وهذه التطور لم يحصل منذ العام 2005 إذ ان العامين الماضيين ( 2007 و2008 ) شهدا تراجعا في الاستثمارات بنسبة 30 في المائة. ويبدو ان بعض لاستثمارات بدأت تتجه من سوق العقار باتجاه الأسواق الصناعية والمناطق الاقتصادية الحرة في جزيرة « تشجو»(Jeju )، و«انشيون»(Incheon) و« غوانغ يانغ « (Gwangyang ) و« بوسان» (Busan). وتتوقع الحكومة الكورية ان ترتفع قيمة الاستثمارات الأجنبية هذا العام بشكل اكبر، بعد ان تأخذ الخطوات الحكومية الهادفة الى تشجيع المستثمرين الأجانب من الشرق الأوسط والدول العربية، مفعولها في النصف الثاني. وتهدف الخطة الحكومية الى استقطاب ما لا يقل عن 12 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية هذا العام. وتستقطب الأسواق العقارية عادة جزءا كبيرا منها وخصوصا من اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ووصلت حصة اليابان من هذه الاستثمارات الى 250 مليون دولار بينما وصلت حصة الولايات المتحدة الى 450 مليون دولار وكانت حصة الأسد للإتحاد الأوروبي حيث وصلت الى 1.5 مليار دولار.

ويبدو ان جزيرة «تشيجو» وفقا لـ«كوليارز» التي تعتبر اكبر جزر البلاد، وتتمتع بصفة المنطقة الحرة، تستقطب معظم المستثمرين المحليين والأجانب خصوصا في القطاعين السياحي والعقاري، حيث يتوقع ان يصل حجم الاستثمارات في الجزيرة وحدها هذا العام الى ملياري دولار.

وتخطط مجموعة «بيرجايا» (Berjaya ) الماليزية، الى استثمار 800 مليون دولار في قطاع المنتجعات السياحية والتجمعات السكنية والمراكز التجارية. ولأن الجزيرة أصبحت أيضا سوقا معروفا للسياحة الطبية والمؤتمرات فإن الاستثمارات الإنشائية من اليابان والصين يتوقع ان تتزايد خلال السنوات المقبلة. وحول المشاريع العقارية الكبرى في البلاد، هناك خطة لبناء حي «يونغسان« (Yongsan) في العاصمة سيول من جديد وتحويله من منطقة اميركية عسكرية الى أحدث الأحياء. وتهدف الخطة التي ستكلف 30 مليار دولار وتنتهي عند العام 2016 الى بناء « يونغسان»(550 الف متر مربع)، 150 برجا سكنيا، و12 عمارة للمكاتب وفندقين من فئة 6 نجوم.