الخلاف بين أغنى شقيقين في العالم يأخذ بعدا «تراجيديا».. واتصالاتهما تتم عبر المحامين

«الأخوان العدوان» الهنديان موكيش وأنيل أمباني تبلغ ثروتهما المشتركة 85 مليار دولار

موكيش أمباني (يمين) وانيل أمباني في لقاء مشترك عام 2004 (رويترز)
TT

تعيش الهند في السنوات الأخيرة وقائع مسلسل قد يكون أنسب عنوان له الأخوان العداوان، وتشبه أحداثه الى حد كبير دراما من انتاج استديوهات الانتاج السينمائي في الهند (بوليوود). غير أن الامر يتعلق بمسلسل واقعي وحقيقي وأحداثه ووقائعه تتناقلها، وبشكل يومي تقريبا، وسائل الاعلام الهندية وحتى العالمية. بطلا المسلسل شقيقان ثريان، وأحداثه تدور حول التنافس والصراع الحاصل بينهما. وان كان سجل الهند مليئا سواء في الواقع أو في الخيال عبر أفلام بوليوود بأحداث مماثلة وصراعات عائلية طاحنة بين الأشقاء، فان الامر هذه المرة يتعلق بالمليارديرين أنيل وموكيش أمباني، أغنى شقيقين ليس في الهند فقط بل وفي العالم بثروة مشتركة تبلغ 85 مليار دولار، وبكل التبعات التي قد تترتب عن أي صراع بينها على الأسواق الهندية والعالمية.

وقد أخذ الخلاف بين الشقيقين، الذي ظهر للعلن عام 2004، بعدا «مريرًا» مؤخرا بعد تحرك «موكيش» لإفشال ما كانت تعتبر صفقة العمر بنسبة لشقيقه الأصغر«أنيل»، حيث فشلت صفقة الأخير المقدرة بـ50 مليار دولار لاندماج شركته للاتصالات ريلاينس مع شركة الاتصالات الجنوب افريقية (ام.تي.أن) لتشكيل رابع أكبر شركة اتصالات في العالم، وذلك في آخر لحظة، بعد تدخل الأخ الاكبر والأغنى موكيش وتهديده باتخاذ اجراءات قانونية في الموضوع، بحجة ان لديه الحق في أن تكون له كلمته في الصفقة بحسب اتفاق سابق تم توقيعه عام 2006 عندما اقتسم الشقيقان تركة والدهما دهيروبهاي، مؤسس شركة ريلاينس. وهناك العديد من النظريات المفسرة للأسباب الحقيقية لاصرار موكيش على منع الصفقة، عير أن صحيفة صانداي تايمز نقلت عن مقربين من الشقيقين أن السبب الحقيقي هو أن الشقيقين ُربيا من قبل والدهما ليكونا قائدين وكل منهما يريد أن يكون الأول. ونقلت عن صديق قوله ان موكيش هو اغنى رجل في الهند ولا يريد أن يتقدم عليه شقيقه الأصغر... أنيل لا يريد فقط أن يتقدم على شقيقه، انه يريد أن يكون اغنى رجل في العالم.

وبلغة الأرقام فانه في حال أن صفقة اندماج ريلاينس مع شركة الاتصالات الجنوب افريقية (ام.تي.أن) كانت قد نجحت فانها كانت سترفع ثروة أنيل ـ المقدرة حاليا بـ42 مليار دولار ـ الى نحو 55 مليار دولار، ليكون قد تقدم بذلك على شقيقه الأكبر موكيش، الذي تقدر تروثه بـ43 مليار دولار. وبحسب الصحيفة البريطانية فقد اعتبر البعض تحرك موكيش ضد صفقة أخيه بمثابة اهانة علنية لوالدتهما كوكيلابين، وهو ما يعتبر واحدة من القضايا الحساسة ومن المحرمات في الثقافة الهندية. وقد ذكرت الصحيفة أن مقربين من موكيش نفوا بغضب هذه الاتهامات. وكانت كوكيلابين قد ساعدت، في الشهر الماضي، ابنها الأصغر أنيل في تنظيم حفل عشاء على شرف بهوتهوما نهيليكو رئيس شركة (ام.تي.أن) الجنوب افريقية، وجلست جنبه مما فُسر على أنه مباركة منها لصفقة أنيل. ويُعتقد أن ل أنيل علاقة خاصة مع الأم، وهو ما دفعها للطلب من أصدقاء العائلة من الخبراء البنكيين الهنود الى اقتسام امبراطورية العائلة بعد أن ظهر الصراع بين ابنيها للعلن عام 2004.

ولا تتم الاتصالات بين الشقيقين اليوم الا عبر المحامين وشركات العلاقات العامة وان حصل أي لقاء بينها فسيكون مقيدا بمجاملات واجبة اثناء لقاءات عائلية لتناول وجبات الافطار مع والدتهما. وبحسب صحيفة الفاينانشل تايمز فقد أثار فشل صفقة (ام.تي.أن) مخاوف داخل قطاع المال والأعمال الهندي حول قدرة شركة ريلاينس للاتصالات أو أي شركة أخرى يديرها الشقيقان أمباني على عقد صفقات كبيرة في المستقبل. ونقلت الصحيفة عن خبير بنكي عمل من الشقيقين انه لأمر مؤسف (...) هذان الاثنان من المفروض أن يكونا نموذجين يحتذى بهما لطريقة تفكيرهما وقدرتهما على التنفيذ.

واعتبر متتبعون أن آخر فصل، ويبدو أنه لن يكون الأخير، من الصراع بين الشقيقين أمباني يمكن أن يشكل إضافة أخرى لمادة ثرية لسيناريو قصة مناسبة لجزء ثان من الفيلم الهندي الناجح غورو (GURU)، المقتبس من حياة والدهما دهيروبهاي العصامي ذي الاصول المتواضعة، الذي بدأ حياته العملية في محطة للوقود ليتمكن من بناء مجموعة ريلاينس، التي تعتبر واحدة من أكبر الأمبراطوريات الاقتصادية في الهند والعالم. وفي الفصول السابقة من قصة الشقيقين أمباني يظهر موكيش على أنه رجل الأعمال الجدي والمثابر والناجح. ويرفض أنصار موكيش ما يتردد من أن الأخير لم يكن ليحقق النجاح الذي قاده ليكون أغنى رجل في الهند إلا لأن حصته من عملية اقتسام التركة العائلية، كانت أكبر، وان قيمة الشركات التي آلت اليه تفوق بثلاث مرات قيمة الشركات التي آلت لشقيقه الأصغر أنيل. واعتبر أنصاره أن القسمة عادلة لأن موكيش من بين الشقيقين هو القائد المعروف، وأن أنيل ليس الا مستهترا او منغمسا في الملذات (PLAY BOY) واخباره تظهر ضمن صفحات الشائعات حول نجوم السينما، ولم يثبت أنه قائد أعمال حقيقي.

ويبدو ان قصة الشقيقين أخذت بعدها منعطفا مثيرا ليُفتح فصل جديد تنقلب في الأدوار، يظهر فيه أنيل في صورة رجل الأعمال الجدي والمثابر، حيث زادت ثروته الشخصية منذ 2006 الى أقل بمليار دولار فقط عن ثروة شقيقه الأكبر موكيش المقدرة بـ43 مليار دولار. وقام أنيل بتوسيع نشاطه عبر ريلاينس للتسلية، ليجعل منها لاعبا كبيرا ليس في الهند فقط بل وفي العالم، حيث وقع على مجموعة من الانتاجات الضخمة في هوليوود يشارك فيها ألمع نجومها من أمثل توم هانكس، براد بيت وجورج كلوني.

وفيما نأى أنيل بنفسه عن الأضواء، دخل موكيش تحتها عبر سلسلة من القصص عن حياة البذخ التي يعيشها، من بينها شراء طائرة بوينغ خاصة لزوجته بمناسبة عيد ميلادها، وبناء ما يعتبر أغنى منزل في العالم، والذي ستبلغ تكلفته 1 مليار دولار. وسيطل المنزل على البحر في مومباي الهندية وسيتكون من 27 طابقا، وسيضم قاعة للسينما وموقفا خاصا بطائرات الهليكوبتر.

وفي مقابل حياة البذخ التي يعيشها موكيش، يقول أنصار أنيل أن الأخير معروف بأسلوب حياته التقشفي والصحي، حيث ينزل في غرفة فردية عادية اثناء اسفار العمل التي يقوم بها، ويركض 18 كيلومترا يوميا. و يرى كثيرون في الهند انه من المؤسف ان يصل الصراع بين الشقيقين أمباني الى هذه الدرجة وان انفصالهما كان بمثابة تراجيديا لأنهم يكملان بعضهما وكانا يمكن ان يوسعا من الامبراطورية الصناعية المالية والتجارية التي تركها والدهما لجعلها أكبر امبراطورية اقتصادية خاصة في العالم. وكان الوالد دهيروبهاي اثناء حياته أعطى دورين مكملين للشقيقين، حيث شجع موكيش على متابعة مشاريع البنية التحتية الكبرى وخلق شركات جديدة، بينما بعث انيل لدراسة الشؤون المالية في جامعة هارفارد والتحول الى ممثل ووجه الشركة لدى الرأي العام، وربط علاقات برجال السياسة والنافذين في قطاع البنوك. ان مسلسل الصراع بين الشقيقين أمباني يبدو انه سيتواصل وسيجعل عالم الأعمال الهندي والعالمي عامة وصانعة قصص الدراما المثيرة «بوليوود» خاصة في حالة انتظار وترقب.. لفصول أخرى أكثر تراجيدية!