الأجواء القاتمة تخيم على منظمة التجارة العالمية

اتهامات متبادلة بين الدول الصناعية والنامية بعد فشل المفاوضات > ماندلسون: الاقتصاد العالمي فقد «وثيقة تأمين» هو في أشد الحاجة إليها

مزارعان في بوركينا فاسو يجمعان محصول القطن حيث يعتبر منتجوه الأفارقة من الخاسرين نتيجة فشل المفاوضات (ا.ف.ب)
TT

سادت أجواء الخيبة أمس في صفوف الشركاء الرئيسيين بمنظمة التجارة العالمية بعد فشل مفاوضات جنيف في التوصل الى اتفاق حول تحرير المبادلات التجارية. وقال المفوض الأوروبي لشؤون التجارة، بيتر ماندلسون «إنها خطوة الى الوراء بالنسبة لنظام التجارة العالمي، اكبر من خسارة فرص تجارية». وأضاف انه «فشل جماعي (...) لكن عواقبه لن تكون متساوية. وستشعر بها الجهات الأكثر ضعفا في الاقتصاد العالمي بشكل متفاوت». واصطدمت المحادثات أول من أمس بالخلاف بين الولايات المتحدة من ناحية، وكل من الهند والصين ودول أخرى من ناحية أخرى، حول الحل الوسط الذي تم التوصل إليه يوم الجمعة الماضي من أجل إتمام جولة محادثات الدوحة لتحرير التجارة العالمية المستمرة منذ سبع سنوات.

وتصاعد الخلافُ بعد رفض الهند والصين بنحو خاص فتح أسواقهما الزراعية بصورة أكبر، إذ ترفضان التخلي عن آليات دعم المزارعين فيهما.

وردا على هذا الموقف، اتهمت الممثلة التجارية الأميركية سوزان شواب البلدين بنسف الحل الوسط الذي تم التوصل إليه بعد جهد بالغ. وقالت إن الولايات المتحدة قدمت تنازلات كبيرة وبخاصة فيما يتعلق بإلغاء دعم القطن الأميركي.

في الوقت نفسه، أبدى مندوبو بعض الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية تعاطفهم مع الهند والصين، قائلين إنه ما زالت هناك أعداد كبيرة من المزارعين الفقراء في الهند والصين يحتاجون إلى مساندة الدولة لهم وأنه يجب تعزيز الأمن الغذائي والزراعي لمثل هذه الدول وليس إضعافه عن طريق السماح بدخول الواردات الرخيصة إلى أسواقها. ويدعم القطاع الأكبر من الدول النامية والفقيرة في منظمة التجارة العالمية الموقف الهندي الصيني. لكن وسط هذه الأجواء القاتمة، حث ماندلسون منظمة التجارة العالمية أمس على تجديد المحادثات التجارية في وقت لاحق من العام الحالي في أعقاب انهيارها هذا الأسبوع. وقال ماندلسون أمام لجنة التفاوض التجاري بالمنظمة ان الاقتصاد العالمي فقد «وثيقة تأمين»، هو في أشد الحاجة إليها بانهيار المفاوضات المطولة التي كانت ترمي لتحرير التجارة العالمية. وأضاف «لذلك يتعين علينا في الخريف، وبعد فترة من التأمل، في الصيف ان نجدد حوارنا وندعم علاقاتنا ونتحدث كما يتحدث الكبار عن وجهتنا التالية». وقال «نتطلع أنا وفريق العاملين معي للعودة الى جنيف.. لضمان أن ما حققناه لم يضع بالكامل».

من جهته، قال رئيس غرفة التجارة الاميركية توم دونهوي في بيان ان «فشل هذه المفاوضات نبأ سيئ للمؤسسات والعمال والمزارعين، خصوصا الفقراء في العالم». واعتبر رئيس الوزراء الياباني ياسوو فوكودا ان الفشل في التوصل الى اتفاق «أمر مؤسف جدا». وقالت الممثلة الاميركية للتجارة سوزان شواب ان «الولايات المتحدة ما زالت تدعم نظام المفاوضات المتعددة الأطراف ومنظمة التجارة كمؤسسة». وأضافت «آمل ان نلتقي مجددا في إطار مفاوضات أكثر طموحاً، ونتوصل الى نتيجة».

وقال وزير التجارة الصيني شن ديمين في بيان نشر على موقع وزارته الالكتروني «إنني اشعر بخيبة كبيرة». ونسب «الفشل الذريع» للمفاوضات الى «عجز بلدين في تجاوز خلافاتهما» من دون تسميتهما. وأضاف «لا أريد ان القي اللوم على الوزيرين المعنيين. فرضت قيود عليهما بسبب عوامل داخلية معقدة وعميقة» بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

كما ألقت الصين أمس باللوم على الدول الغربية الثرية «الأنانية» في انهيار أحدث جولة من محادثات تحرير التجارة العالمية، في حين وجهت منافستها الآسيوية اليابان اصبع الاتهام الى القوى الاقتصادية الصاعدة بالمنطقة.

وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) ان المفاوضات في مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف انهارت أساساً لان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يكن لديهما أيُّ استعدادٍ لخفض الدعم الهائل الذي يقدمانه للمزارعين المحليين.

وقلل وزير التجارة الهندي، كمال نات، من اهمية هذا الفشل بقوله ان «الثقة التي وضعتها الهند في منظمة التجارة العالمية والنظام التعددي لم تتأثر، وإنني واثق من أننا (...) سنتمكن من تجاوز هذه النكسة للتقدم وبلوغ هدفنا». وقد انهارت المحادثات أول من أمس الثلاثاء بسبب الخلاف حول اقتراح لمساعدة المزارعين الفقراء على مواجهة طوفان الواردات.

وقالت «شينخوا» ان السبب الأساسي هو أن الدول الغنية مهتمة أكثر من اللازم بمصالحها الخاصة بينما لا تلقي بالا لمصالح الدول النامية.

وأضافت ان المسألة ليست فقط أن واشنطن وبروكسل لا ترغبان في مواجهة اللوبي الزراعي لدى كلٍّ منهما، وانما أن الجانبين يفرضان ضغوطاً هائلة على الدول الفقيرة لخفض الرسوم الجمركية على الواردات الصناعية وفتح أسواق الخدمات المالية في تلك الدول على مصراعيها أمام البنوك وشركات التأمين الغربية. وأضافت «هذه الأنانية والسلوك الذي يتسم بقصر النظر أديا بشكل مباشر الى فشل الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية، وهو ما سيكون له عدد من العواقب الوخيمة».

ومضت قائلة إن الفشل في إحياء المحادثات واقتناص اتفاق تجاري سيثير الشكوك في قدرة المجتمع الدولي على التصدي لقضايا أخرى معقدة مثل التغير المناخي وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في إطار عمل عالمي.

بيد أن الحكومة اليابانية قالت إن الصين جانية أكثر منها مجنيٌّ عليها. ونقلت وكالة رويترز عن وزير شؤون مجلس الوزراء الياباني، نوبوتاكا ماتشيمورا، في مؤتمر صحافي «صراحة لا بد لي أن أتساءل عما إذا كانت كل من الصين والهند تقيم بدقة كلماتها وأفعالها في ضوء مسؤوليتها ومدى اهتمامها بالاقتصاد العالمي إجمالا حيث أنهما يركزان أكثر من اللازم على مصالحهما الخاصة». وأضاف الوزير أن الهند والصين تتمتعان بنفوذ اقتصادي أكبر مما كانتا تتمتعان به عند إطلاق جولة محادثات التجارة العالمية في العاصمة القطرية الدوحة عام 2001، موضحاً أن مسؤولية البلدين تنامت أيضاً «نأمل أن تتعامل الصين والهند مع المفاوضات الدولية مثل محادثات منظمة التجارة العالمية على أساس الدور الكبير الذي تضطلعان به الآن في الاقتصاد العالمي».

إلى ذلك، عبرت المجموعة الأفريقية في اجتماع منظمة التجارة العالمية الأربعاء عن خيبة أملها من فشل المفاوضات، ودعت الى استئنافها بأسرع وقت ممكن.

وقال وزير تجارة ليسوتو، بوبان ليبيسا، في مؤتمر صحافي للمجموعة الأفريقية لدى منظمة التجارة، في جنيف، «انه أمر مؤسف ومخيب للآمال ألا تذهب المفاوضات أبعد من حدود مجموعة السبع»، اي القوى التجارية الكبرى (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، اليابان، الصين، الهند، البرازيل واستراليا). وأضاف «ان احد عناصر الازمة الغذائية، اي الدعم، سيستمر في ملاحقتنا»، معتبرا «ان دورة مفاوضات الدوحة يجب استئنافها في اول فرصة ممكنة».