إيران: قطاعا الزراعة والكهرباء يعانيان بسبب موجة الجفاف الشديدة

تعد الأسوأ خلال المائة عام الأخيرة

امرأة تحمل ما جمعته من الزعفران في قرية شاهن اباد في الشمال الشرقي من إيران (أ.ف.ب)
TT

أفاد تقرير اقتصادي بأن موجة الجفاف الحالية، التي تعاني منها إيران، تعتبر الأسوأ خلال المائة عام الأخيرة، وقد أدت إلى أضرار كبيرة في القطاع الزراعي وقطاع الطاقة الكهرومائية، وطالت تأثيراتها جميع أقاليمها الثلاثين، من خلال عمليات الانقطاع الكهربائي، وتراجع الانتاج الزراعي، وتعطيل العديد من النشاطات الاقتصادية من عدة جهات من البلاد.

وقال التقرير الذي أصدرته مؤسسة «غلوبال انسايت» الاقتصادية انه لمواجهة تلك الموجة الشديدة، اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات قصيرة المدى للتخفيف من حدة الأزمة، ومن بين تلك الإجراءات مد خدمة القروض ذات الفوائد القليلة لتشمل المزارعين وزيادة ضرائب الصادرات على السلع الغذائية، والقيام بإطفاء الأنوار في معظم المدن الكبرى في إيران. وأشار التقرير الذي أعدته الباحثة الاقتصادية أليسا راليس، إلى انه على الرغم من أن تلك السياسات قد تعالج بعض القضايا الهيكلية الأساسية لفترة مؤقتة، يُجرى النظر في ضخ استثمارات في مشروعات البنية التحتية وإجراء عملية تعديل في نظام الدعم المطبق في إيران للتخفيف من آثار موجة الجفاف على مستقبل البلاد. وحول أبعاد المشكلة، وصف وزير الطاقة الإيراني برويز فتاح مؤخرا، موجة الجفاف التي تضرب كل المحافظات الإيرانية بأنها واحدة من أسوأ موجات الجفاف، التي ضربت البلاد خلال أكثر من 100 عام. وقال وزير الزراعة الإيراني، إن الإنتاج الزراعي قد تراجع بنسبة 13 مليون طن منذ بداية العام المالي الحالي من إبريل (نيسان) 2008 حتى مارس (آذار) 2009، مما ساهم في رفع أسعار السلع الغذائية المرتفعة بالفعل. وكانت الحكومة قد قامت في بداية السنة المالية (التي تنتهي في مارس) بتقديم مساعدات بلغت 4.8 تريليون ريال (528 مليون دولار أميركي) لـ14 محافظة من أكثر المحافظات المتضررة من موجة الجفاف في إيران في محاولة لتقليل أثر هذه الموجة على المزارعين. ولمعادلة الانخفاض الذي بلغ 13 مليون طن في الإنتاجية الزراعية، قامت إيران بفرض ضرائب على صادرات عدد من السلع الزراعية ومن المتوقع أن تستأنف عمليات استيراد القمح في أغسطس (آب)، بعد أن تراجعت إنتاجية الحبوب أكثر من 20 في المائة. وتقدر الحكومة الإيرانية أنها ستحتاج إلى استيراد 5 ـ 6 ملايين طن من القمح بنهاية العام المالي الحالي 2008 ـ 2009. وتعد الحاجة إلى استيراد القمح تحولا كبيرا بالنسبة لإيران، التي كانت قد حققت اكتفاء ذاتيا في القمح في عام 2004، وبدأت العام الماضي تصدير كميات صغيرة من الحبوب إلى بعض الدول المجاورة بحسب ما ورد في التقرير. وأصدرت الحكومة تعليمات إلى البنوك كي تقوم بتوفير قروض إضافية إلى المزارعين، بالإضافة إلى مد فترات السداد وتخفيض الفوائد. وفي نهاية مايو (أيار)، قدرت وزارة الزراعة أن إيران سوف تحتاج إلى نحو 1.1 مليار دولار أميركي لمواجهة مشكلة الجفاف. ولكن من المتوقع أن تكلف القروض ذات الفوائد المخفضة التي سيتم توفيرها للمزارعين الحكومة الإيرانية، ما يقدر بـ979 مليون دولار. علاوة على ذلك، كشفت الحكومة النقاب عن خطط لاستثمار 1.7 مليار دولار أميركي على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة في بناء نظم ري في كل المحافظات للتخفيف من أثر موجة الجفاف. وبالإضافة إلى الأثر الذي خلفته موجة الجفاف على الإنتاج الزراعي في إيران، قد أدت الموجة إلى انخفاض مستويات مياه إلى مستويات أقل من الطبيعي في المستودعات الطبيعية والصناعية في إيران، مما أدى إلى تقليل إمدادات المياه العذبة وإنتاجية الكهرباء. وحسب ما أوردته وكالة «فارس» الإخبارية، فإن العاصمة الإيرانية تحصل على 25 ـ 30 في المائة من مياهها من مصادر مياه جوفية تعتمد على الأمطار. وأشار وزير الطاقة إلى أن محطات الكهرباء الحرارية في إيران (التي تعتمد في الأغلب على الغاز الطبيعي كوقود) قد زادت من قدرتها الإنتاجية بنسبة 25 ـ 27 في المائة في محاولة لمعادلة النقص في إنتاجية الطاقة الكهرومائية الذي بلغ 75 في المائة.

وقد أدت الزيادة في درجات الحرارة خلال فصل الصيف، ونقص إنتاجية الطاقة الكهرومائية إلى قيام السلطات باتخاذ إجراءات لإطفاء الأنوار غير الأساسية في المدن الكبرى. وفي يونيو (حزيران)، أعلن وزير الطاقة عن خطط لإطفاء الأنوار غير المهمة في العاصمة طهران، طالبا من المستهلكين تخفيض استخدام الكهرباء بنسبة 10 في المائة لتقليل الحاجة إلى اتخاذ إجراءات إطفاء الأنوار من قبل السلطات.

وفي المجمل، تشير التقديرات إلى أن إنتاج الكهرباء في إيران يعاني من نقص قدره 1000 ميغاوات. وتنظر الحكومة في زيادة أسعار الكهرباء قدرها خمسة أضعاف بدءا من سبتمبر (أيلول)، لتقليل استهلاك الطاقة على ضوء النقص في الطاقة الكهرومائية، الأمر الذي يعني أن أسعار الكهرباء سوف تبلغ 0.08 دولار لكل كيلووات/الساعة. ويقول التقرير ان النقص في الطاقة داخل إيران يشير إلى مشكلة أكبر نتجت عن نقص الاستهلاك بمعدلات مرتفعة بسبب الدعم الكبير. وقد اعتاد الإيرانيون على الحصول على الكثير من الخدمات الأساسية مقابل أسعار مخفضة وذلك بفضل عوائد تصدير البترول الكبيرة. وقد أدى الدعم الكبير لوقود السيارات والوقود الذي يستخدم في التدفئة داخل المنازل إلى معدلات استهلاك أكبر من اللازم وتبديد كميات كبيرة، مما جعل الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل تلبية الطلب المتزايد بصورة مضطردة مهمة مستحيلة. ومؤخرا، أشار نائب وزير الطاقة محمد أحمدين، إلى أن معدلات تبديد الطاقة داخل إيران تقدر بـ18 في المائة. وفي ظل غياب أية حوافز للتوفير، ارتفعت معدلات الاستهلاك بصورة كبيرة في ظل الزيادة السكانية المتنامية. وطبقا لما أوردته وزارة البترول، فقد ارتفعت معدلات استهلاك الكهرباء بنسبة 10 في المائة خلال العامين الماليين 2005 ـ 2006 و2006 ـ 2007، كما ارتفعت معدلات استهلاك البنزين وزيت الوقود بنسبة 11% و23% على التوالي خلال العام المالي 2005 ـ 2006، وزادت تلك المعدلات بنسبة 13% و11% إضافية خلال العام المالي 2006 ـ 2007. وفي الوقت الحالي، تكلف الكهرباء المواطنين الإيرانيين 160 ريالا (0.017 دولار أميركي) لكل كيلووات/الساعة، على الرغم من وزارة الطاقة تنظر في زيادة تلك المعدلات إلى 770 ريالا (0.083 دولار أميركي) لكل كيلووات/ساعة بدءا من نهاية سبتمبر (أيلول). ويحظى الغاز الطبيعي على دعم بصورة كبيرة يصل لـ0.02 دولار أميركي لكل متر مكعب مقارنة بـ0.03 لكل متر مكعب في الدول الأخرى، وأسعار أكبر في مناطق أخرى في العالم. وقد أدى قرار الحكومة إلى ترشد استخدام البنزين في يونيو (حزيران) 2007 في محاولة لتخفيف اعتماد إيران على واردات البنزين إلى مظاهرات ضخمة في البلاد. وفي أبريل (نيسان)، قررت إيران السماح ببيع البنزين الذين يزيد على حصة البنزين المدعومة والتي تبلغ 120 لترا بأسعار تزيد على الأسعار المدعمة بأربعة أمثال.

وسوف يباع البنزين الذي يزيد على الكميات المرشدة مقابل 4000 ريال (0.44 دولار أميركي) للتر، مقارنة بـ0.11 دولار أميركي مقابل اللتر المدعوم. وعلى الرغم من أن أسعار الكميات التي تزيد على حصة المواطنين الإيرانيين أعلى بكثير مما اعتاد عليه الإيرانيون، فهي ما زالت أقل مما يدفعه المواطنون في معظم الدول المجاورة لها، مع أن البنزين هناك يحظى بدعم كبير. ومع ذلك، فإن موجة الجفاف الشديدة التي تعاني منها إيران هي بمثابة مذكرا لها بالمشاكل الهيكلية الخطيرة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني والتي تسبب فيها الدعم المبالغ فيه والاستهلاك الزائد عن الحاجة. وقد أدت العقوبات الدولية التي تحد من دخول التقنية إلى إيران إلى تفاقم مشكلة الطلب المتزايد، في الوقت الذي تذهب فيه كميات كبيرة من موارد الدولة في الدعم. وتضخ الحكومة استثمارات كبيرة في عمليات تحسين البنية التحتية لتوسع قدرتها التكريرية وإنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى تحسين نظم الري في المحافظات، ولكن سيصعب حتى على تلك الاستثمارات معادلة الزيادة في الطلب، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الاستهلاك. ولن ينتهي الضغط الكبير على موارد المياه في إيران، حيث يتم استهلاك موارد المياه الجوفية بصورة كبيرة، ولم تتم معالجة هذه المشكلة بسبب غياب التخطيط الجيد للاستفادة من الموارد. أضف إلى ذلك، يهدد الطلب المحلي المتزايد على الطاقة بضياع البترول والغاز الذي تنتجه إيران على الاستهلاك المحلي، مما يعني أن إلحاق الضرر بأكبر مصدر لعوائد البترول. وفي يونيو (حزيران) كشف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن تفاصيل خطته «الجراحية» الاقتصادية، التي من المفترض أن تتضمن إجراءات لتحسين نظام الدعم في إيران، عن طريق التحول إلى تقديم دعم مباشر إلى المحتاجين. ومن الملامح المهمة لمقترح الرئيس الإيراني، هو التخفيض التدريجي لدعم المخصص للطاقة. وسيكون من الصعب على كثير من المواطنين العاديين في إيران تقبل زيادة أسعار الوقود في الوقت الذي تزداد فيه عوائد البترول بصورة كبيرة.