ماذا بعد انهيار مفاوضات منظمة التجارة؟

الهند تتشبث بموقفها والمجموعات المعادية للعولمة تصف الانهيار بالانتصار

الهند مصرة على «كل شيء أو لا شيء» لكي تحصل الدول الفقيرة على أفضل صفقة ممكنة عند استئناف المحادثات (أ.ف.ب)
TT

عقب انهيار محادثات منظمة التجارة الدولية أول من أمس في جنيف، والتي وصفت بالكارثة من قبل العديد من المراقبين والمشاركين، قال وزير التجارة الهندي كمال ناث، انه يجب اعتبار هذا الانهيار فترة توقف لا نهاية للمحادثات. وأمس الخميس كررت الهند موقفها بشأن مسألة الحواجز المؤقتة للتعامل مع طوفان الحاصلات الزراعية، والتي كانت احدى قضايا الخلاف بينها وبين الولايات المتحدة. الدول الغنية، خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كانت تسعى لاتفاقيات جانبية مع بعض الدول النامية اذا لم تتمكن من اتفاقية كاملة تحرر التجارة العالمية يوقع عليها 153 من الدول الأعضاء في المنظمة تكون شروطها تميل لصالحها. ومن هنا جاء اتفاق الموز على هامش المؤتمر في جنيف بين دول أميركا الجنوبية والاتحاد الأوروبي الذي هوجم من قبل الدول الافريقية وحوض الكاريبي والآسيوية. وتطالب الولايات المتحدة و27 دولة اوروبية في الاتحاد الأوروبي بظروف استثمارية افضل لصناعاتها وقطاعها المالي وشركات التأمين والاتصالات الدولية مقابل خفض المعونات. وأظهرت الولايات المتحدة بعض المرونة عندما قررت خفض معاوناتها لمزارعيها بمقدار 1.4 بليون دولار، وهذا ما تطالب به الدول الفقيرة لحماية مزارعيها. وقالت سوزان شواب الممثلة التجارية الاميركية في مؤتمر صحافي بعد يوم من انهيار المحادثات، كما جاء في تقرير وكالة رويترز، «أعتقد أن التاريخ لم يشهد قط مفاوضات دولية بمثل هذا التعقيد». وتساءلت «لماذا يتعين التوصل الى اتفاق بشأن كل شيء في نفس الوقت تماما». وأضافت، أن مجالات معينة من محادثات الدوحة واسعة النطاق بدت جاهزة للتوصل الى اتفاق بشأنها حتى رغم أن أعضاء المنظمة أخفقوا في التوصل الى اجماع على اتفاق كلي لخفض الحواجز التجارية أمام تجارة المواد الغذائية والسيارات والمنسوجات والهواتف. وقالت انه من الممكن الخروج من جولة المحادثات المستمرة منذ نحو سبع سنوات باتفاقات جانبية لتعزيز التجارة في السلع البيئية واصلاح قواعد المنافسة في التصدير ومنح الدول الفقيرة مميزات الاعفاء من الجمارك ونظام الحصص.

وأضافت «هناك دائما وسائل للمضي قدما بالاتفاق على أجزاء. واذا كنا سنقول إننا لن ننجز شيئا الا بإنجاز كل شيء فسيستغرق الأمر وقتا أطول».

وقد أخفق وزراء التجارة على مدى تسعة أيام من المفاوضات في الاتفاق على تنازلات تجعل التوصل الى اتفاق لجولة الدوحة أمرا مستساغا للاقتصادات الكبرى، خاصة مع عجز الهند والولايات المتحدة في تسوية خلافاتهما بشأن الحواجز في أسواق المنتجات الزراعية.

لكن وزير التجارة الهندي كمال ناث اصر امس على ضرورة احتفاظ جولة الدوحة باسلوب «كل شيء أو لا شيء» لكي تحصل الدول الفقيرة على أفضل صفقة ممكنة عند استئناف المحادثات.

وقال «منظمة التجارة العالمية ليست مأدبة طعام مفتوحة لكي تنتقي منها ما تريد وتذهب».

ويتفق اورو كينياتا نائب رئيس الوزراء الكيني مع ناث في أن من الخطر تفتيت المفاوضات الى قضايا منفصلة لان ذلك من شأنه اقصاء بعض الدول.

وقال في مؤتمر صحافي «لا يمكننا فصل القضايا عن بعضها البعض. لا بد أن يأتي كل شيء في حزمة واحدة من أجل تلبية احتياجات كل الاعضاء».

وتتوقع الهند ان تستأنف المحادثات مع منتصف العام المقبل. ولم تطرح أي مقترحات جديدة حول كيفية احياء جولة الدوحة التي بدأت قبل نحو سبع سنوات وانهارت في جنيف بعد تسعة ايام بعد ان تشبثت كل من الولايات المتحدة والهند بموقفهما بشأن اقتراح يهدف لمساعدة المزارعين الفقراء في الدول النامية على مواجهة طوفان من الواردات.

وقال ناث عقب عودته من جنيف «امل أن تستأنف العملية قريبا». وأضاف «الهند مستعدة متى تستأنف العملية». وسئل عن الموعد الذي يمكن استئناف المحادثات فيه فقال خلال شهرين أو ثلاثة. لكن مسؤولا اخر هو غوبال بيلاي وزير الدولة للتجارة قال في وقت لاحق لقناة تلفزيونية محلية ان من المرجح أن تستأنف المحادثات نحو منتصف العام المقبل. وأضاف أنها قد تستمر عاما.

أما الجماعات المناهضة للعولمة او لأي اتفاق يميل لصالح الدول الغنية، فقد هللت لانهيار المحادثات ووصفته بأنه نصر للمزارعين والعمال والفقراء في مختلف أرجاء الارض ولطمة لسيطرة رأس المال والاعمال. بل ان منظمات العمال والمزارعين الرئيسية قالت ان الاتفاق الذي كان مطروحا على مائدة التفاوض كان بالغ السوء.

وأعلنت حركة «بابليك سيتيزن» الاميركية التي تشن حملة مناهضة لمنظمة التجارة منذ عشر سنوات «النصر لصغار المزارعين والعمال والمجتمع المدني والدول النامية». وقالت لوري والاش خبيرتها التجارية، في تصريح نقلته وكالة رويترز «كان يجب دفن الجثة المتحللة لجولة الدوحة منذ سنوات».

وقالت جماعة «فوكس أون ذا غلوبال ساوث» ومقرها مانيلا، ان فشل مفاوضات جنيف «راحة وموضع ترحيب للدول الفقيرة» في مواجهة الحملة العدوانية التي شنتها القوى الغنية لمزيد من تحرير التجارة رغم أزمة الغذاء والوقود العالمية.

وقالت جماعة «اكشن ايد» العالمية ان انهيار المحادثات كان «نتيجة لجشع الشركات في أميركا وأوروبا» بتشجيع من الحكومات.

وأضافت أن الاتفاق الذي اقترحه باسكال لامي المدير العام لمنظمة التجارة العالمية زاد المشاكل لملايين الفقراء وعكس «التصلب والافتقار للحساسية من جانب الدول الغنية غير المهتمة ببقاء صغار المزارعين والعمال على قيد الحياة والوظائف في الدول النامية». ورددت جماعة دينية هي هيئة المجالس المسيحية لافريقيا الجنوبية رأيا مماثلا، اذ قالت ان المحادثات التجارية كانت دوافعها السلطة والاهتمام بالمصالح الذاتية.

وفي فرنسا التي عارضت حكومتها تنازلات أوروبية في دعم أسعار الحاصلات الزراعية لتلبية مطالب الدول النامية بفتح الاسواق الاوروبية، أبدت جماعات المزارعين رضاها عن نتيجة مفاوضات جنيف. وقالت حركة «كورديناسيون رورال» وهي تجمع لصغار المزارعين، انها سعيدة لان أعضاءها والعمال في مختلف أنحاء العالم سيرتاحون من خطر فتح الاسواق الزراعية على مصراعيها.

لكن جان ميشيل ليميتيه رئيس اتحاد كبار المزارعين في فرنسا قال ان العقل انتصر لانه اتضح في محادثات جنيف أن الدول الافضل حالا في اسيا واميركا اللاتينية لا تريد فتح أسواقها.

وشبه المدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي السعي لابرام اتفاق في جولة الدوحة ببناء كاتدرائية على الطراز القوطي حيث تمثل قضايا معينة – مثل تخفيضات الدعم والرسوم الجمركية التي تضر بالصادرات - الاعمدة الرئيسية التي يمكن البناء عليها. وأشارت شواب الى هذا التشبيه قائلة: ان التصميم الهندسي لجولة الدوحة ربما يكون السبب في انهيارها. وقالت «ربما يكون... تعقيد الكاتدرائية التي بنيت خصيصا لجولة الدوحة هو ألد اعدائها وسبب انهيارها».