بريطانيا: رجال أعمال يتلقون العلاج النفسي سراً.. وآخرون يفكرون في الانتحار

حوالي 40 ألف شخص يعملون في القطاع المالي داخل بريطانيا ربما يفقدون وظائفهم خلال السنوات الثلاث المقبلة
TT

في إحدى الجزر الخاصة التي تبعد 20 دقيقة بالطائرة الهليكوبتر من وسط لندن، تجثم إحدى الطوافات على عشب أحد المنازل الفخمة وتحلق حولها الطيور. وتصطف الأشجار والنباتات البرية على جانبي الطريق المؤدي إلى مجموعة من المباني التي تتوسطها بركة للسباحة وسينما تحتوي على 12 مقعدا واستوديو للفنون. كما يرسو أحد اليخوت في مكان قريب. وليست هذه الجزيرة ملهًى ريفياً، لكنها مركز عناية للصحة النفسية والعلاج من الإدمان، وتتكلف الإقامة به نحو 10 آلاف جنيه إسترليني (20 ألف دولار أميركي) في الأسبوع للعلاج بعيداً عن أعين المتطفلين وعدسات الإعلام. وهناك قائمة انتظار لهذا المركز الذي يتكون من 15 غرفة. ويقول بريندان كوين، وهو المدير التنفيذي: «لدينا الكثير من المديرين التنفيذيين للشركات، والتجار ورجال الأعمال ذوي المكانة المرموقة. وكلهم يريدون العلاج ولكنهم يرغبون في أن يكون ذلك سراً» طبقا لما نقله عنه موقع بلومبيرغ المالي. وترغب شركات الخدمات المالية في المملكة المتحدة في محو وصمة العار التي تلحق بأولئك الذين يتلقون العلاج النفسي حيث يزداد الأفراد المقبلون على ذلك. وقامت شركتا جاي بي مورغان كازانوفا وهيربرت سميث إل إل بي برعاية مؤتمر، حيث تم حث أصحاب الأعمال على فعل المزيد لمساعدة العمال الذين يعانون من مشكلات نفسية، وأن يدركوا أن هؤلاء يمكنهم أن يكونوا منتجين. وتعتبر الصحة النفسية مشكلة مؤرقة مع تزايد أزمة الائتمان العقاري واحتدام الأزمة المالية في المملكة المتحدة. وازدادت نسبة الراغبين في البحث عن مساعدة لعلاج الضغط والاكتئاب بنسبة 47 في المائة عن العام السابق خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حسبما أعلنت مؤسسة «يونايتد بروفيدانت» البريطانية، وهي أكبر شركة تأمين صحي خاصة في المملكة المتحدة. وحسبما أعلنت مجموعة «إكسبريان» المحدودة، فإن نحو 40 ألف شخص في القطاع المالي داخل المملكة المتحدة سيفقدون وظائفهم خلال السنوات الثلاث المقبلة، وستشهد لندن أكبرَ نسبة من هذا العدد. ويقول بينديكت كانون، وهو معالج نفسي يعيش في لندن: «لقد تضاعف عدد العملاء ثلاث مرات عما كان عليه منذ عام واحد، لا سيما من قطاع الشركات، ويرجع ذلك في معظمه إلى الأزمة المالية. لقد كان هذا الصيف هو أكثر المواسم عملا منذ 10 سنوات». من جهته يقول لـ«بلومبيرغ»، دون سيرات، وهو المسؤول التنفيذي عن مركز «لايف وركس»، وهو مركز علاج خاص جنوب غربي لندن، إنه شهد زيادة بنسبة 20 في المائة في أعداد المتقدمين للعلاج خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها عام 2007. ويقول سيرات: «ما يحدث في بيئات العمل هذه لا يحتمل عندما تسوء الأمور، حيث يشعر الجميع بالذعر بسبب ما قد يحدث بعد ذلك، كما يشعر الكثير بالخوف من فقدان وظائفهم». وكان سيرات يعمل في لندن كرئيس لقسم الدمج والاستحواذ في أوروبا، في بنك كريدتانستالت حتى عام 1998. وترك العمل بعد معركة مع الإدمان والعناية الصحية المركزة، والتي يقول إنها كانت لازمة بسبب بيئة العصر الحديث التي كان يعيش فيها. وحتى في عالم الرواتب التي تصل إلى ستة أرقام، فإن المصرفيين يعبرون عن عدم سعادتهم بحياتهم. وأفاد 58 في المائة من الأفراد الذين يعملون في مجالات الصرافة والمالية بأنهم رأوا أحد الأشخاص، وهو يبكي نتيجة لضغط العمل، حسبما أفاد تقرير «إن اف بي سينرجي»، وهي خط مساعدة يتلقى أكثر من 13 مكالمة هاتفية يوميا، وتصل نسبة المقبلين على الانتحار من أصحاب هذه المكالمات إلى 20 في المائة. واحتلت الصناعة المالية المركز الأخير في مؤشر السعادة سيتي آند غايد، والذي شمل 2000 شخص في 20 مهنة. وجاء اختصاصيو التجميل في المركز الأول. ويقول سين كيلي من «إن اف بي سينرجي» بلندن: «إن ثقافة معالجة الضغط مفقودة تماما بالحي المالي. وفكرة أنه يمكن النظر إليك على أنك ضعيف تعكس البيئة الصعبة التي نعيش فيها». وفي أي وقت، فإن واحدا من بين ستة موظفين في بريطانيا يمكن أن يتأثر بسبب الضغط والقلق أو غير ذلك من الظروف الصحية النفسية، حسبما ورد في دراسة أعدها مركز «سينسبري» للصحة النفسية في لندن. وفي مؤتمر عقد أخيرا في العاصمة البريطانية، أفاد دينيس ستيفنسن، وهو رئيس مجلس إدارة شركة «اتش بي أو اس»، وهي أكبر شركة إقراض عقاري في بريطانيا، بأن معركته استمرت 20 عاما مع القلق أنه من الممكن أن يعاني المرء بسبب مشكلات الصحة النفسية، ويكون ناجحا في عمله رغم ذلك». وعبر ستيفن، 62 عاما، عن أن إصابته بالقلق كانت أشد صعوبة عليه من إصابته عندما كسرت قدمه أثناء التزحلق على الجليد. وأمام جمهور من 150 فرداً؛ بينهم ممثلون من مجموعة «كريدت سويس ولينكلاترز» ومجموعة «لويدز تي اس بي» قال «إن القلق أسوأ تجربة مررت بها في حياتي، ومع ذلك، استطعت الاستمرار في العمل. إنها مسؤولية الأفراد الذين يشغلون المناصب القيادية في العمل، أن يخلقوا الثقافة والبيئة التي يدرك فيها الأفراد أنه يمكن أن يكونوا صرحاء دون الخوف من فقدان وظائفهم».

وأفاد لـ«بلومبيرغ» أيضا مايك ماكفيليبس، وهو معالج نفسي يقيم بلندن وتتضمن قائمة عملائه رؤساء تنفيذيين ورؤساء مجالس إدارة وعائلاتهم بأن إنكار المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية يعتبر أمراً شائعاً في بريطانيا لاسيما في الصناعة المالية. ويقول: «إن الشعب الإنجليزي يتقبل ببطء فكرة قبول وجود المشكلات النفسية. ويعترف الأفراد بذلك متأخرين جدا عندما يكون قد وقع العديد من المشاكل بالفعل، لهم ولعائلاتهم وعلاقاتهم مع أبنائهم». وقام جوناثن نايس بتنظيم المؤتمر وتأسيس مؤسسة خيرية تسمى «ستاند تو ريزون»، وتهدف إلى كسر الحاجز الذي يعوق مناقشة مشكلات الصحة النفسية، بعد عودته إلى العمل كشريك في رأسمال شركة «نابارو ويلز» ومشاركيه، بعد وقوع أزمة مالية لشركته. وترك مكتبه في لندن بعد أحد الأيام لتناول القهوة، وبعد أقل من ساعة، تم إيقافه من قبل ستة من ضباط الشرطة وتم اقتياده إلى مستشفى نفسي. واستدعى أحد موظفي المحلات الشرطة حيث كان يشك في سلوكه. ويقول نايس، 40 عاما، والذي طلب عدم ذكر تاريخ هذه الحادثة: «كنت مذعورا وظننت أنني دخلت إلى مكان ليس فيه فائدة. لكنني اكتشفت بعد ذلك أنه كان أفضل مكان بالنسبة لي». وعمل زملاؤه على عودته تدريجيا إلى العمل، حيث بدأوا في إسناد بعض المهام المحدودة إليه. وبعد ذلك بقليل، كان يسجل أرباحاً للشركة تفوق ما كان يسجله قبل الأزمة. وهناك صناعة متنامية تساعد المهنيين على الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها بينما يظلون يمارسون أعمالهم، حيث يتم تقديم العلاج لهم في المساء وأثناء العطلات الأسبوعية.