صندوق النقد يخمد آمال الانتعاش الاقتصادي للحكومة البريطانية

توقع نسبة أكبر من التضخم وتباطؤ النمو.. وتصحيح القطاع المالي يستمر سنوات

البنك المركزي البريطاني يقرر إبقاء سعر الفائدة بدون تغيير على 5 في المائة (ا.ف.ب)
TT

قد تواجه بريطانيا خلال العام الحالي والمقبل اوضاعاً اقتصادية صعبة، يعكسها تباطؤ نموها الاقتصادي مع ارتفاع في نسبة التضخم، جاء ذلك في تقييم حول بريطانيا أعده صندوق النقد الدولي في تقريره للسنتين المقبلتين. جاء هذا التحذير بعد ان تلقى القطاع المالي البريطاني ضرباتٍ موجعة مع تراجع ارباح العديد من البنوك التجارية وتدهور حالة السوق العقاري وقطاع البناء بشكل عام. وحسب توقعات صندوق النقد، كما جاء في تقرير الـ«بي.بي.سي»، فان نمو الاقتصاد البريطاني سيكون 1.4 في المائة لعام 2008 و1.1 في المائة للعام المقبل 2009، بدلا من 1.8 في المائة و1.7 في المائة للعامين على التوالي. وقال الصندوق ان نسبة التضخم التي قدرت بـ3.8 في المائة كانت اعلى من المتوقع، وانها في ازدياد مستمر مع تباطؤ الاقتصاد بشكل عام. ومن اجل السيطرة على نسبة التضخم فقد يبقي البنك المركزي (بنك انجلترا) سعر الفائدة كما هي، أي 5 في المائة من دون تغيير. إلا ان بعض المحللين الاقتصاديين يعتقدون ان خفض سعر الفائدة سينعش القطاع العقاري لأهميته في الاقتصاد البريطاني بشكل عام ويعطي ثقة للمستهلك وقطاع البناء. وقال بنك هاليفاكس العقاري، في تقريره أمس ان اسعار البيوت تراجعت بمقدار 1.7 في المائة في يوليو (تموز) الماضي، وبذلك ازدادت نسبة التراجع السنوية من 6.1 في المائة لتصل الى 8.8 في المائة سنوياً. وأصبح معدل سعر البيت في بريطانيا الى ما يقارب 177 الف جنيه استرليني، وهذا يوازي معدل سعر البيت قبل عامين، أي سنة 2006. وقال هاليفاكس ان الطلب على شراء البيوت تقلص بشكل كبير وكان سبب ذلك عدم استعداد البنوك العقارية تقديم القروض للراغبين في الشراء، وكذلك فقدان الثقة بالسوق التي شجعت الناس على التأني والانتظار قبل القدوم على خطوات الشراء. وقررت لجنة السياسات النقدية في بنك (إنجلترا) المركزي أمس الخميس الإبقاء على سعر الفائدة عند مستواه الحالي؛ وقدره 5% دون تغيير في محاولة من جانب اللجنة لتحقيق التوازن بين الرغبة في كبح جماح التضخم والحاجة لتعزيز نمو الاقتصاد المتباطئ.

جاء قرار بنك إنجلترا في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الطاقة وتراجعت أسعار المساكن، مما أدى إلى تقليص توقعات نمو الاقتصاد البريطاني خلال العام الحالي، كما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي. ويعكس القرار قلق البنك المركزي من معدل التضخم 3.8 مع احتمالات وصوله إلى 5 في المائة بنهاية العام الحالي قبل أن يبدأ التراجع العام المقبل.

قرار البنك المركزي البريطاني جاء متناسقا مع القرار الذي اتخذه أمس الخميس ايضا البنك المركزي الأوروبي وهو الإبقاء على سعر الفائدة الأوروبية عند مستوى 4.25 في المائة بدون تغيير، كما ذكرت الوكالة الألمانية في تقريرها من فرانكفورت. ورغم ارتفاع معدل التضخم في منطقة اليورو التي تضم 15 دولة أوروبية تبدو مساحة المناورة أمام البنك المركزي الأوروبي ضيقة للغاية في ظل تباطؤ اقتصادات المنطقة مما يحد من قدرة البنك على زيادة سعر الفائدة لكبح جماح التضخم الذي تجاوز معدله 4 في المائة، في حين أن المستوى المستهدف من جانب البنك هو 2 في المائة فقط. كما جاءت نتائج أرباح قطاع البنوك البريطانية النصف سنوية غير مرضية بالنسبة للعديد من المصارف التجارية والعقارية. وأعلن بنك باركليز، ثالث أكبر بنوك بريطانيا أمس انخفاض أرباح النصف الأول من العام الجاري بنسبة 33 في المائة. وقرر خفض قيمة أصول عالية المخاطر بملياري جنيه استرليني (نحو أربعة مليارات دولار). إلا أن انخفاض الارباح جاء أقل من المتوقع. وقال البنك، كما جاء في وكالة رويترز، ان أرباحه قبل الضرائب في الاشهر الستة الاولى من العام بلغت 2.75 مليار جنيه استرليني (5.4 مليار دولار) انخفاضا من 4.1 مليار جنيه. وبلغ متوسط توقعات المحللين للارباح في استطلاع أجرته رويترز 2.63 مليار جنيه. وانخفضت الارباح نصف السنوية لدى وحدة باركليز كابيتال بنسبة 68 في المائة الى 524 مليون جنيه بعد استيعاب شطب أصول بقيمة 1.98 مليار جنيه عن استثمارات في أسواق الائتمان.

كما أعلن هذا الأسبوع بنك «نورثرن روك» العقاري البريطاني، أول ضحية مصرفية لأزمة الائتمان التي اطاحت بعدد من البنوك العالمية وفتحت اعين العالم على المشكلة المستمرة، تسجيل خسائر قدرها 592 مليون جنيه استرليني (2.1 مليار دولار) خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي. وتدخلت الحكومة البريطانية قبل عام ووضعت يدها على البنك ادارياً بعد ان ضخت مليارات الجنيهات من خلال البنك المركزي لطمأنة المستثمرين وحماية البنك من الانهيار الكامل. وبعد ان فشلت في ايجاد مشترٍ من القطاع الخاص، قررت الحكومة في فبراير (شباط) الماضي تأميمه، كـ«إجراء مؤقت» لمساعدته في تجاوز تداعيات أزمة خسائر القروض عالية المخاطر في قطاع التمويل العقاري بالولايات المتحدة. وقال وزير الخزانة أليستر كامبل في مقابلة مع اذاعة «بي.بي.سي» (راديو 4)» لو لم نتدخل لحماية البنك من السقوط في سبتمبر (ايلول) الماضي، لكانت هناك مخاطر كبيرة على القطاع المصرفي بشكل عام وطالت تداعيات الأزمة ليس فقط «نورثن روك» بل مصارف أخرى». وقال صندوق النقد الدولي ان الحكومة البريطانية قد تنتهك القوانين المالية التي وضعتها بنفسها مع تخطيها نقطة 3.5 في المائة في عجز ميزانيتها للعام الحالي والعام المقبل. ولذا، فقد حذر الصندوق من ان الحكومة ستفقد الثقة اذا قررت التخلي عن الشروط المالية التي وضعتها بنفسها عند تقديمها الميزانية المقبلة. وطالب الحكومة بان تلتزم بسقف 40 في المائة للديون وتحاول تخفيضها الى اقل من ذلك في اقرب فرصة ممكنة. وحذر الصندوق في تقريره من ان الحكومة ستحتاج الى سنوات من التصحيح المالي، وذلك من خلال التقليل في ميزان المصروفات مع زيادة الضريبة بنسبة 1 في المائة من الناتج الاجمالي المحلي من الآن وحتى عام 2013، وذلك من اجل ارجاع الميزانية الى وضعها الطبيعي المستقر. واتفق الصندوق مع التوجه العام للحكومة بخصوص الترتيبات التي ترغب في تثبيتها بخصوص القطاع المالي البريطاني حتى لا تواجه في المستقبل حالة شبيهة بحالة البنك العقاري «نورثرن روك» الذي اضطرت لتأميمه لحمايته من الانهيار.

لكن يصر الصندوق ان تبقي الحكومة على علاقتها مع البنك المركزي البريطاني، أي اعطائه السلطة الكافية لاتخاذ القرارات المناسبة في حالة الأزمات الاقتصادية والمالية. ويعتقد الصندوق ان هناك عدة عوامل اقتصادية بدأت تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي البريطاني، منها السوق العقاري وتباطؤ الصادرات، اضافة الى ان نسبة البطالة بدأت هي الأخرى في الارتفاع.