المدير التنفيذي لمشروع مدينة المعرفة: لا نفكر في الدخول إلى سوق الأسهم حالياً.. ولا نحتاج إلى استثمارات داعمة

طاهر باوزير لـ «الشرق الأوسط» : تنفيذ البنية التحتية بداية العام المقبل.. ومازلنا نتلقى العروض من المقاولين

المهندس طاهر محمد باوزير (تصوير: غازي مهدي)
TT

على الرغم من كونها الأقل مساحة بين جميع المدن الاقتصادية المزمع إنشاؤها بمساحة لا تتجاوز الـ5 ملايين متر مربع، إلا أن حجم رأس المال المستثمر فيها، الذي يبلغ 30 مليار ريال سعودي، لا يقل عما هو مستثمر في بقية المدن، وهي مصممة لاستيعاب 150 ألف نسمة، و30 ألف زائر، لتجتذب أهم العقول البشرية في المدينة المصممة لتكون إحدى أكبر المدن المعرفية المتطورة تكنولوجيا والصديقة للبيئة في العالم.

«الشرق الأوسط» حاورت المهندس طاهر باوزير، المدير التنفيذي للمشروع، ووقفت معه على آخر المستجدات فيه، وعن موقف المدينة من الدخول لسوق الأسهم، وتأثير المتغيرات في الاقتصاد العالمي على المشروع، وفي ما يلي نص الحوار:

> بدايةً إلى أين وصل مشروع مدينة المعرفة، وما الذي تحقق على أرض الواقع حتى الآن؟

ـ المشروع خلال العامين المنصرمين لم يكن ظاهراً للعيان، إلا أن الكثير من العمل تم استكماله، وخاصة المخطط العام للمشروع، المرحلة السابقة عملنا فيها بالتعاون مع شركة إتش أو كي الكندية وهي واحدة من أفضل شركات التخطيط العمراني في العالم، ضمن عقد كلفته تبلغ 9 ملايين ريال سعودي، وهي التي قامت باستكمال المخططات العامة للمشروع، متضمنة الدراسات البيئية والعمرانية، ودراسات عن تأثير الحركة المرورية وغيرها من العوامل، وقد تم اعتماد هذه المخططات الأولية قبل 4 أشهر، من قبل الهيئة العامة للاستثمار، والآن بدأنا بأعمال التصميم التفصيلي، أو ما يسمى الأعمال الهندسية التفصيلية لكامل البنية التحتية، وستستغــرق فترة 6 أشهر، ونعمل عليها حالياً منذ شهـــرين مع شركة دار الهندســة، وسننتهي منها مع نهاية العام، لنصبح جاهزين لتلقي عروض تنفيذ أعمال البنية التحتية والإنشائية للمشروع.

أما في الموقع، فقد أعطى الأمير عبد العزيز بن ماجد إشارة البدء في تجهيزه، وقد انهينا معظم العمل، لأن الموقع يحوي مخلفات بركانية كثيرة، وبمجرد الانتهاء من التنظيف في الموقع سنبدأ بعمل المسح الطبوغرافي لنعرف مستويات الأرض، وسنجري فحصاً للتربة يستغرق شهرين، ومن ثم سنعيد ترتيب مستويات الأرض لتتناسب مع متطلبات المشروع، وهي المرحلة المتقدمة من تسوية الموقع.

> هل أثرت عوامل غلاء أسعار مواد البناء وشح الأيدي العاملة في سير المشروع، وكيف تتعاملون مع هذه المؤثرات الخارجية؟

ـ برنامجنا يسير من دون تأخير، وفق جدوله الزمني المحدد له أصلاً، وسنبدأ بتنفيذ المرحلة الأولى من المناطق السكنية، وهي تحتوي على 200 فيلا سكنية، وجزء من الأسواق، بداية العام المقبل، إن شاء الله، كما أسلفت، ومرحلة تنفيذ البنية التحتية ستستغرق من سنتين الى 4 سنوات، وفي هذه الفترة ستكون المرحلة الأولى من المشروع قد انتهت بالفعل، وفي الوقت نفسه نحن نقوم دورياً بعمل تحديث للبيانات، بما فيها التكاليف، وتأثير التضخم وارتفاع الأسعار، وهي عوامل عامة بالمناسبة ولا تطال فقط مدينة المعرفة وتؤثر أيضاً على الحركة العمرانية بالمملكة والمنطقة بالكامل، لأن ظاهرة ارتفاع الحديد في النهاية ظاهرة عالمية، ومع هذا أستطيع القول إن وجود انتاج محلي للمواد الأولية من سابك مثلا يساعد على التخفيف من تقلب الأسعار، ونعتقد أن التكاليف ما زالت ضمن الخطة المالية الموضوعة ولن نواجه إرباكا، من المؤكد أن هناك ارتفاعا وستكون هناك زيادة في المستقبل، ولكنه يظل ضمن الحدود المعقولة، والسوق الآن أفضل من الفترة السابقة لأن الارتفاع أصبح منطقياً بعض الشيء مقارنة بما حدث العام الماضي.

> ما صحة التقارير التي تحدثت عن تأثير لأعمال الحفر وإزالة الطبقات البركانية على الطبيعة الجيولوجية للمنطقة؟

ـ من الأعمال التي قمنا بها بشكل دقيق وانتهينا منها هي دراسات تأثير المشروع على البيئة المحيطة، وعلى المحيط الاجتماعي، وأعمال فحص التربة لأعماق تصل إلى 30 أو 40 مترا، طبيعة التربة التي ستتموضع عليها مدينة المعرفة هي طبيعة صخرية، والمدينة المنورة كانت منطقة براكين في السابق، لكن تقاريرنا وفحوصنا المعمقة كلها تؤكد أن ليس هناك أي تأثير سلبي للمشروع، سواء كان بيئيا أو اجتماعيا، وهو سيعطي دفعة إيجابية للمدينة، لأنه يأتي ضمن المخطط العمراني للمدينة المنورة، كذلك أود أن ألفت إلى أن الصناعات التي ستوجد في المدينة هي ذات طابع معرفي، وتعتمد بالدرجة الأولى على العقول البشرية، وبالتالي لن يكون هناك تأثير بيئي سلبي من ناحية التلوث.

> تركزون كثيراً على الجوانب البيئية، رغم نزوع المشروع إلى نواحي التكنولوجيا المتقدمة وهندسة المباني الذكية، لماذا؟

ـ نحاول فعلا أن ننشر مفهوم المباني صديقة البيئة، وأن نكون أنموذجاً في هذا السياق، من ضمن معاييرنا وأهدافنا الأساسية قيم واستراتيجيات، مثل إعادة استخدام المياه للزراعة واستخدامات أخرى، وتوفير الطاقة، وترشيد استخدام المياه، ونحن نتبع المعايير العالمية في هذا السياق إلى أقصى حد ممكن، ونعمل مع سيسكو ونقوم بزيارات، وأخيراً زرنا بعض المباني القليلة في دبي والمصنفة عالمياً كمبان صديقة للبيئة، للاستفادة من تجربتهم، وفي الوقت نفسه لدينا التزامنا الأساسي بتصميم وتنفيذ مدينة ذكية تتوفر فيها أكثر التكنولوجيات تطورا على مستوى العالم، وبالمناسبة كلفة المبنى من هذا النوع لا تزيد عن كلفة المبنى العادي سوى بـ3 أو 4 بالمائة كحد أقصى، تبعاً لدراساتنا وتقارير في هذا المجال، لكن المسألة تكمن في كيفية استخدام المواد، ونوعيتها، والتصميم وتوظيف هذه الأمور للتوفير في الطاقة.

> تعني أنكم ستبدأون بتنفيذ مشروعات صديقة للبيئة منذ مرحلة تأسيس البنية التحتية؟

ـ حالياً نتلقى عروضاً بشأن التبريد المركزي للمدينة بالكامل لتوفير الطاقة، والمياه المبردة بسعر أقل، يمكن أن يبلغ بحسب حسابتنا أكثر من 40 بالمائة من الكلفة الحالية، ونحن نحاول الجمع بين المفهومين حتى لا يكون هناك عبء على المستثمر من الناحية الاقتصادية، وألا يؤثر التوجه إلى المباني التي تجمع بين الحرص على مراعاة الشروط البيئية، والبنية التحتية الذكية على قدرة المباني على المنافسة، لأن جزءاً كبيراً من المشروع يتم بالشراكة مع المطورين العقاريين والمستثمرين، ويهمهم كثيراً أن تكون تكاليف المشروع في حدود معقولة قادرة على المنافسة في السوق.

> ما نصيب الشركات الوطنية والشركات التي تتمركز في المدينة بصورة خاصة من صفقاتكم وشراكاتكم؟

ـ نعمل مع مكاتب في المدينة تقوم بالمسح الطبوغرافي، ومسح التربة، وأينما وجدت الكفاءة في المدينة فنحن نلجأ إليها أولاً، وأهل المدينة هم أكثر من يدعمنا لأن مشروعنا في النهاية منهم وإليهم.

> كان هناك حديث عن أرقام مبالغ فيها بالنسبة لعقد المدينة مع شركة سيسكو للأنظمة، هل يمكنك إطلاعنا على حقيقة العقد المبرم بينكما؟

ـ سيسكو تقوم حالياً بعمل تصميم نهائي للشبكة الذكية الأساسية للمدينة بالكامل، بعد أن استكملنا معها دراسة الخدمات التي ستتوفر في المدينة، وهي ستكون على مدى 10 سنوات قادمة، ولكن فكرتنا أن تكون المدينة قادرة على توفير أي خدمات تكنولوجية قادمة لمدة 30 سنة قادمة، وفكرتنا أن نوفر سرعة غير محدودة، خاصة أن الجامعات ستحتاج إلى المزيد، وبالعودة إلى سؤالك عقدنا الحالي مع سيسكو ليس كبيراً ولا يتجاوز عدة ملايين، لأنه فقط عبارة عن عقد لإجراء دراسات وتصاميم فقط، أما في ما يتعلق بتكلفة الشبكة الذكية أعتقد مع نهاية العام سيكون لدينا تصور أوضح، وإنشاؤها لن تتجاوز كلفته الـ 7 بالمائة، إضافة إلى الكلفة الإنشائية الأصلية، وحينما نصل إلى هذه النقطة نهاية العام وتكون لدينا رسومات ونبدأ الأعمال الإنشائية سنطلب عروضاً للتنفيذ من سيسكو ومن غيرها من الشركات العالمية الأخرى الرائدة في هذا المجال، ونحن مستفيدين من أن المنافسة تدفع التكنولوجيا الحديثة إلى التطور بسرعة فائقة وتقلل من قيمتها وتكلفتها في الوقت نفسه وهي ظاهرة عالمية لافتة برأيي.

> ستبدأون تسويق المرحلة الأولى من الوحدات السكنية في الربع الأول من 2009، هل تلقيتم طلبات مبدئية تدفعكم إلى الإسراع في عملية التسويق؟

ـ الحقيقة لدينا طلبات كثيرة من كل أنحاء العالم للاستثمار وتملك مساكن في المدينة، ومن أميركا بشكل خاص، قبل شهر عقدنا منتدى ضم أكثر من 180 من علماء المسلمين وعباقرتهم في العالم، وكان يركز على تقنية المعلومات والخدمات الطبية من جامعات عالمية مرموقة مثل ستانفورد وهارفرد وغيرها، أبدوا اهتمامهم بالمشروع وأرادوا الاطلاع عليه عن كثب وكلهم جاءوا فقط كون المنتدى عقد في المدينة، وهذه نقطة جذب تخدم المشروع الذي يسعى لاجتذاب العقول الإسلامية.

> ما هي الكلفة التي ستطلبونها مقابل الوحدات السكنية التي ستسوقونها وفقاً لدراسات الجدوى لديكم؟

ـ نقوم حالياً بدراسة السوق، وأسعارنا ستعتمد أيضا على تكاليف إنشاء المشروع، وأؤكد أن المعايير العالمية الراقية جداً التي نتبعها حالياً مكلفة، وهي تجعل من وحداتنا أرقى وأفضل ما هو موجود في المملكة والعالم ككل، وعلى الرغم من هذا سنلتزم بأسعار السوق ونسعى لأن نكون منافسين أقوياء على سبيل المثال سنقدم أسعاراً أقل من رابغ، نظراً لأن اعتمادنا على الطاقة الكهربية والمياه يعتمد على الشبكة القائمة بالفعل في المدينة.

> جزء من فلسفة ورؤية المشروع هو اجتذاب العقول المسلمة إلى المدينة، لتكوين حركة علمية نشيطة في قلب العالم الإسلامي، ما هي سياستكم لاجتذابهم؟

ـ أعتقد أن هذه نقطة شديدة الأهمية، فلا بد أن تكون لدينا قوانين تسمح للعالم أو المهاجر بتملك سكنه في المدينة، وهذا سيربطه بها نفسياً ومادياً، وهذه إحدى العوامل التي ستستقطب العلماء، كذلك إيجاد المزيد من التسهيلات من ناحية الخدمات والقوانين، وأنظمة التملك والإقامة، أسوة بما يقدم في الخليج والدول الغربية، أعتقد أنه ستكون هناك استثناءات وتتم حالياً دراسة إيجاد مثل هذه التسهيلات والقوانين من قبل هيئة الاستثمار.

> في تقارير أولية نشرت مع بداية انطلاقة المشروع، قدرتم عدد فرص العمل التي سيتيحها بأكثر من 20 ألف وظيفة، ما هو حجم استثماراتكم في التدريب والتأهيل لشاغلي هذه الوظائف المحتملين؟

ـ جزء كبير لا يتجزأ من الصناعات المعرفية هو التعليم، ولدينا برنامج لتطوير القاعدة التعليمية بشكل عام نفاوض مع مايكروسوفت، ومع سيسكو والمؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني، ووقعنا اتفاقيات مبدئية بالفعل في هذا السياق، سننشئ كلية للشبكات وتقنية المعلومات، فتقديرات سيسكو تقول إننا سنحتاج لأكثر من 50 ألف مهندس في الشبكات فقط، لمواكبة حجم الطلب في السوق السعودية، وهناك شح في عدد المؤهلين لشغل مثل هذه الوظائف.

وفي خطتنا أيضاً إنشاء 9 مدارس ذكية سعتها 18 ألف طالب وطالبة، وبرنامجها التعليمي يشمل البرامج العالمية، على الرغم من تركيزنا على قطاعات محددة، مثل قطاع السياحة في الإدارة العليا، المصرفية الإسلامية، والبرامج القيادية، والتعليم جزء أساسي من المشروع وهو أحد الصناعات القوية ذات الدخل والمردود القوي، وهدفنا أن نصل إلى أكثر من 24 ألف طالب وطالبة، ليكونوا من خيرة الكوادر المؤهلة والمدربة وفق المعايير العالمية.

> هل تسعى مدينة المعرفة لتكون ذات مزايا إضافية تعطيها قيمة أكبر من المدن الاقتصادية الأخرى أم أنها تسعى للتكامل معها؟

ـ هناك مجلس للمدن الاقتصادية نجتمع فيه جميعاً نقوم بتبادل الأفكار ونقدم رؤانا واقتراحاتنا ضمنه، ليس هناك تنافس بين المدن، ولكن هناك تكاملا في ما بينها، المشاريع الأخرى لديها قاعدة تصنيعية أكبر ويمكن أن يكون جزء من التدريب في مشروعنا لخدمة بقية المدن الاقتصادية والقطاعات الأخرى في المملكة.

> هل لديكم نية لدخول سوق الأسهم في المرحلة المقبلة، أو إنشاء استثمارات خاصة لتدعيم المشروع؟

ـ ليست لدينا نية في الخوض في هذا المجال، لأن الشركة تأسست على قاعدة رأسمالية قوية، وشركاؤنا هم مجموعات قوية كصافولا وبن لادن وطيبة وهي شركات عريقة وأدؤها المالي ممتاز، ولديهم التزام قوي تجاه المشروع، ورأسمال المدينة يغطي التكاليف بالكامل، ونستقطب كذلك مستثمرين لتطوير عناصر المشروع، وهو مشروع جذاب في حد ذاته بسبب موقع المدينة على بعد أقل من 5 دقائق من الحرم النبوي الشريف.