هل تنهار أسعار النفط؟

بعد أن فقدت 22% من قيمتها أو أكثر من 32 دولارا في شهر وتفاؤل رئيس وكالة الطاقة الدولية

تراجع سعر برميل النفط أكثر من 32 دولارا في اقل من شهر (رويترز)
TT

مع ختام تداولات الأسبوع انخفضت أسعار النفط خمسة دولارات الى أدنى مستويات لها في ثلاثة اشهر إذ ارتفع الدولار الاميركي وأثرت المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي على التوقعات الخاصة بالطلب على الطاقة.

تراجع سعر برميل النفط أكثر من 32 دولارا في اقل من شهر بعدما توقع البعض ان يصل الى مائتي دولار بحلول نهاية السنة، لكن المحللين يحذرون من احتمال ارتفاعه مجددا في ضوء اية مستجدات قد تطرأ في العالم مثل نشوب أزمة مع إيران.

وجاء الهبوط على الرغم من ان روسيا أرسلت قوات الى جورجيا ـ وهي منطقة هامة لعبور إمدادات الطاقة الى اوروبا ـ لصد هجوم جورجي على منطقة اوسيتيا الجنوبية المنشقة.

وانخفض سعر عقود النفط الخام الاميركي الخفيف لتسليم سبتمبر (أيلول) عند التسوية في إغلاق بورصة نايمكس 4.82 دولار الى 115.20 دولار للبرميل قبل أن يهوي الى 114.90 في تعاملات ما بعد التسوية أدنى مستوى له منذ أوائل مايو (أيار).

وفقد سعر النفط نحو 32 دولارا او قرابة 22 في المائة منذ ان سجل ذروة 147.27 دولار في 11 من يوليو (تموز). وهبط سعر عقود مزيج النفط الخام برنت عند التسوية في لندن 4.53 دولار الى 113.33 دولار للبرميل.

وفي هذا السياق قال رئيس وكالة الطاقة الدولية أمس ان التوتر في أسواق النفط العالمية سيخف خلال العامين القادمين لكنه سيزيد على الأرجح مرة أخرى بعد ذلك.

ونقلت مجلة دير شبيغل الألمانية عن نوبو تاناكا المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس «نتوقع أن تهدأ السوق خلال العام او العامين القادمين لكن بعد ذلك سيصبح الوضع على الأرجح متوترا مرة أخرى» طبقا لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال تاناكا للمجلة انه لتفادي أزمات في المستقبل يجب على الدول المنتجة ان «تؤدي واجبها» وان تزيد طاقتها الإنتاجية زيادة كبيرة. وأضاف قوله «دول أوبك وحدها هي القادرة على زيادة الطاقة الإنتاجية زيادة كبيرة».

ولاحظ تاناكا ان الطلب على الوقود في الولايات المتحدة يتراجع وان السعودية تريد زيادة إنتاجها اليومي 2.5 مليون برميل يوميا، وقال «مثل هذه الإشارات تؤثر في السعر».

من ناحيته قال لرويترز بيتر بيوتل رئيس الشركة الاستشارية كاميرون هانوفر «يبدو انه كان هناك الكثير من عمليات البيع بسبب صعود الدولار»، وأضاف قوله «تحالف تراجع الطلب على الطاقة وانتعاش الدولار في هدوء للهبوط بسوق النفط واليوم كان اشد الأمرين أثرا هو الدولار».

وكان طلب قوي من دول ذات اقتصاديات صاعدة مثل الصين قد وضع النفط على طريق انتعاشة مضى عليها ستة أعوام ارتفعت خلالها الاسعار سبعة أمثال. ولاقى النفط مزيدا من الدعم من مستثمرين تزاحموا على شراء السلع الأولية كوسيلة للتحوط من التضخم وضعف الدولار لكن المشكلات الاقتصادية العالمية المتزايدة وارتفاع اسعار الوقود بدأت تنال من الطلب وتؤثر على الاسعار.

وارتفع الدولار الى أعلى مستوى له في سبعة اشهر مقابل الين يوم الجمعة مدعوما بهبوط اسعار النفط الذي عزز المخزونات الاميركية، وأدى ذلك الى تراجع اسعار معظم المواد الأولية التي كانت قد ارتفعت بموازاة النفط فتراجع سعر اونصة الذهب من الف الى 800 دولار فيما تراجعت اسعار المنتجات الزراعية ما بين 25 و40% وتراجع سعر ليتر البنزين في محطات الوقود بحوالى 6%.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية ايليس ايكلاند المحلل المستقل في شيكاغو «وصل النفط الى منعطف. من المبالغ به التحدث عن انهيار الاسعار، بل يمكن القول إننا نشهد استراحة».

واعتبر جيمس وليامز من شركة «دبليو تي ار جي إنرجي» ان قواعد العرض والطلب غلبت مجددا، معتبرا ان «المستثمرين باتوا أخيرا يأخذون في الاعتبار تباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي» متوقعا «تواصل انخفاض الاسعار». ويشير المحللون الى ان تراجع النمو الاقتصادي ينعكس الى حد بعيد على استهلاك الطاقة في الدول الصناعية. وعلى سبيل المثال، تراجع استهلاك البنزين في الولايات المتحدة المعروفة باستهلاك السائقين الكبير للوقود، في مايو (أيار) الى ثلث ما كان عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي. ومن المتوقع ان يتسع هذا التوجه ليمتد الى الدول الناشئة حيث سترغم إعادة النظر في الدعم الحكومي لأسعار الوقود على الحد من استهلاك البنزين.

في المقابل، تعيد الدول تشكيل مخزوناتها النفطية التي انخفضت في مطلع السنة وسجلت منذ بضعة أسابيع زيادة في المخزون النفطي في الولايات المتحدة اكبر مستهلكي النفط في العالم.

من جهته قال دانيال كاتنبرغ من مؤسسة اوبنهايمر ان «المستثمرين كانوا قد بالغوا في رد فعلهم حين أيقنوا ان الطلب ازداد وان التضخم ارتفع. وحين رأى المضاربون ان الاسعار ارتفعت، تحركوا بدورهم بشكل مبالغ أيضا. والآن بعدما سجل النمو العالمي تباطؤا، ترد السوق بشكل مبالغ أيضا في الاتجاه المعاكس» بحسب ما نقلت عنه (ا.ف.ب).

وكان المحللون قد فوجئوا بالارتفاع التاريخي في اسعار النفط فراجعوا على عجل توقعاتهم للأسعار في عام 2008 لرفعها ووصلوا الى حد ذكر مائتي دولار للبرميل خلال الأشهر الستة المقبلة.

وأسقطت فيما بعد هذه الاحتمالات التي كانت ستشكل كارثة على الاقتصاد العالمي في حال تحققت، لتحل محلها توقعات أكثر اعتدالا تتراوح بين ثمانين دولارا و110 دولارات للبرميل في نهاية السنة.

غير ان المحللين يحذرون من ارتفاع الاسعار مجددا في حال عادت مشكلات التزود بالطاقة الى الواجهة. وذكر انطوان هارف من مجموعة «نيو ايدج» من الحالات المحتملة لهذا السيناريو تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة، ما سيكشف هشاشة المخزونات العالمية التي تعتبر محدودة.

وهددت إيران ثاني منتجي النفط في منظمة أوبك بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره أربعون في المائة من صادرات النفط العالمية في حال تعرض مصالحها للخطر.

ومن المحتمل أيضا ان يزداد الطلب في ضوء الازدهار الاقتصادي في الصين والهند وانتعاش النمو المتوقع في الدول الصناعية عام 2009. وقال جون كيلدوف من شركة «ام اف غلوبال» ساخرا ان هذه المخاوف لن تتحقق «إلا إذا تم إقناع ملايين الصينيين والهنود بان عليهم الاستغناء عن السيارات والبرادات».