السعودية: توقع بارتفاع «الحساب الجاري» ليبلغ 191 مليار دولار وانكماش «الدين العام» إلى 11%

التقرير الاقتصادي السنوي يتنبأ ببقاء التضخم عند 10.6% حتى نهاية العام .. ومديرو الصندوق الدولي يؤيدون ربط الريال بالدولار لاستقرار الاقتصاد الكلي

TT

أفصح التقرير الاقتصادي السنوي في السعودية عن توقعه بتسجيل الحساب الجاري للبلاد ارتفاعا قياسيا إلى 509.3 مليار ريال (191 مليار دولار) نتيجة ارتفاع أسعار النفط، كاشفا عن توقعه بزيادة انكماش الدين العام وتراجعه إلى 11 في المائة.

وافاد التقرير الاقتصادي السنوي، خلال بيان بثته وزارة المالية السعودية أمس وتضمن نتائج مناقشاته مع صندوق البنك الدولي، بأن الآفاق لا تزال مواتية للعام 2008 بأن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي السعودي 5 في المائة مع حدوث تحسن في الإنتاج النفطي ليصل إلى 9.2 مليون برميل يوميا وسط تسارع وتيرة النمو غير النفطي. وذكر التقرير أن من المتوقع زيادة فائض المالية العامة الكلي إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 30.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، لافتا إلى أن التضخم سيبقى عند 10.6 في المائة كحد أقصى في 2008 الذي دفع إليه تزايد السلع المستوردة والقيود على المعروض المحلي، بينما يتوقع انخفاض معدلاته في السنوات اللاحقة.

وأبدى التقرير الذي حضره مجلس المديرين في الصندوق الدولي بعض التوصيات والمقترحات، كان من بينها ضرورة تركيز الإنفاق العام على الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والخدمات العامة، لتنويع النشاط الاقتصادي وتشجيع فرص التوظيف الجديدة والحد من الاعتماد على الدخل النفطي في المدى المتوسط، مشيرا إلى أن استحداث ضريبة على القيمة المضافة سيسهم في تنويع إيرادات المالية العامة بعيدا عن النفط والغاز.

وشدد المديرون التنفيذيون على أهمية وضع إستراتيجية طويلة الأجل لتراكم الأصول الخارجية التي تتجاوز أغراض تحقيق الاستقرار، حتى يتسنى اقتسام الثروة النفطية الحالية مع الأجيال المقبلة، مفيدين بأن الريال السعودي يبدو مقوما بأقل من قيمته الصحيحة، نظرا للمكاسب الكبيرة التي حققتها معدلات التبادل التجاري.

وأشاروا إلى أن سعر الريال السعودي بدأ يرتفع بالقيمة الحقيقية مع ارتفاع التضخم وأن زيادة استيعاب الاقتصاد عن طريق زيادة الواردات ستعمل على تقليص فائض الحساب الجاري، بينما زيادة التوسع في إنتاج النفط ستسهم في استقرار سوق النفط العالمية. وأوضح المديرون أن ربط الريال السعودي بالدولار الأميركي أتاح ركيزة موثوقة أسهمت في استقرار الاقتصاد الكلي، لافتين إلى أن مزج السياسات الاقتصادية الكلية ينبغي أن يستهدف مواصلة النمو الداعم لفرص التوظيف الجديدة مع الحفاظ على الاستقرار الداخلي والخارجي ومراعاة التركيز على احتواء التضخم.

وأشار المديرون إلى أنه يتعيّن على السعودية تقييد الإنفاق من «المالية العامة» نظرا للقيود التي يفرضها نظام ربط العملة على سياسة أسعار الفائدة، مرحبين بتكثيف الجهود لإحراز تقدم أكبر في تحرير القطاع المالي وتعزيز سلامة أوضاعه، مثنين في ذات الوقت على مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لتقدمها في تنفيذ اتفاقية (بازل 2). وأوضح المديرون التنفيذيون في الصندوق بضرورة استمرار النمو القوي والمركز المالي الخارجي للسعودية بشكل بالغ الإيجابية، مؤيدين خطط الحكومة لتوسيع الطاقة الإنتاجية والتكريرية في القطاع النفطي دعما لاستقرار سوق النفط العالمية. واتفقوا على أن آفاق الاقتصاد السعودي تبدو مشرقة على المدى المتوسط، مع استمرار قوة التدفقات الداخلة والأوضاع المواتية لمزيد من التطور في القطاع غير النفطي، مشيرين في نفس الوقت إلى تسارع معدل التضخم في الآونة الأخيرة لأسباب تتضمن الارتفاع المتواصل في أسعار الأغذية المستوردة والاختناقات في البنية التحتية، وهو ما يشكل تحديا رئيسيا أمام الحكومة في الفترة المقبلة.

وحث صندوق النقد الدولي على فرض مزيد من التقييد للإنفاق الجاري، لا سيما الأجور واستهداف مستوى أقل من الدعم الضمني للمياه والطاقة، موصيا بإرساء ميزانيات العام الواحد على إطار متجدد متوسط الأجل للمالية العامة، وزيادة توافر البيانات المتعلقة بالمالية العامة. وأكد الصندوق، في مناقشته التقرير الاقتصادي السنوي عن السعودية، قوة أداء الاقتصاد الكلي في السعودية خلال عام 2007 مع ما حققه من ارتفاع في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3.5 في المائة، بدعم من النمو القوي والواسع النطاق في القطاع الخاص غير النفطي 6 في المائة، على وجه التحديد في قطاعات التشييد وتجارة التجزئة وخدمات النقل والاتصالات رغم تسارع وتيرة التضخم في 2007، ليبلغ أعلى مستوياته التاريخية في أبريل 2008 بنسبة 10.5 في المائة على أساس التغير السنوي مدفوعا بضغوط الطلب المحلي لا سيما الإيجارات وارتفاع أسعار الواردات معظمها واردات الأغذية.

وأشار الصندوق في طيات بيانه إلى أنه رغم طفرة الواردات في السعودية فقد أسهم ارتفاع أسعار النفط في تحقيق فائض ضخم في الحساب الجاري بلغ 96 مليار دولار يمثل ارتفاعا قوامه 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مفيدا بأن الفائض استخدم في رفع صافي الأصول الأجنبية لدى (ساما) ليبلغ 301 مليار دولار على رغم انخفاض فائض المالية العامة الكلي ليصل إلى 12.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي نتيجة زيادة النفقات التي تجاوزت تقديرات الموازنة وحدوث انخفاض مؤقت في نسبة الإيرادات النفطية المحوَّلة إلى الميزانية من شركة النفط الوطنية المملوكة.

وأثنى المديرون التنفيذيون على السياسة النقدية في السعودية بالقول: إنه بالرغم من الجهود الرامية إلى تحييد أثر تراكم صافي الأصول الأجنبية فقد كانت السياسة النقدية متجاوبة، نظرا لربط العملة بالدولار الأميركي، إلا أن عرض النقود شهد بمعناه الواسع نموا بنسبة 20 في المائة في 2007، على غرار النمو في 2006، لافتين إلى أن (ساما) سعت لاحتواء التوسع في المجملات النقدية عن طريق رفع نسبة الاحتياطي.