تحذيرات من أن الأسوأ في الأزمة المالية العالمية لم يظهر بعد

مخاوف من أن الانهيار سيشمل قريبا بنكا أميركيا كبيرا > خبيرة لـ «الشرق الأوسط» : إننا أمام منعطف مهم

سجل الدولار الأميركي أمس، أعلى مستوى منذ بداية السنة الحالية، وسط موجة جديدة من القلق بشأن النظام المالي العالمي («الشرق الأوسط»)
TT

عاد القلق أمس بشأن النظام المالي العالمي، بعد أن قال كينيث روغوف كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، ان أسوأ ما في الازمة المالية العالمية لم يظهر حتى الآن، وان بنكا أميركيا كبيرا سينهار في الأشهر القليلة المقبلة، مع تزايد مشاكل الاقتصاد الاميركي أكبر اقتصاد في العالم. وقال أمام مؤتمر مالي في سنغافورة «لم تنته مشاكل الولايات المتحدة. أعتقد أن الأزمة ربما كانت في نقطة المنتصف الآن. بل إنني أقول إن أسوأ ما في الأمر لم يأت بعد». وأضاف «لن نشهد بنوكا متوسطة فقط تنهار في الأشهر المقبلة. بل سنشهد.. بنكا كبيرا. أحد بنوك الاستثمار الكبرى أو البنوك الكبرى». ويعمل روغوف استاذا للاقتصاد بجامعة هارفارد وقد شعل منصب كبير الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي في الفترة من 2001 الى 2004.

وفي تعليق لها على تصريح روغوف قالت لـ«الشرق الأوسط» فانيسا روسي الخبيرة الباحثة ببرنامج الاقتصاد العالمي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتهام هاوس) بلندن: «اننا نشهد تأرجحا بين موقفين؛ فريق يرى أن الأسوأ في الأزمة المالية العالمية مر، وفريق آخر يرى أن الأسوأ قادم. وأنا اعتقد ان أمام منعطف مهم. وحتى رئيس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي بن برنانكي صرح مؤخرا بأن الاحتياطي ووزارة الخزانة الاميركية يعملان على تحديد أي نوع من البنوك سيسمحان بانهيارها.. مما عزز وجهة النظر القائلة بأن هناك مؤسسة كبرى مقبلة على الانهيار، ولا أحد متأكد أي من هذه المؤسسات الكبرى سيمسح لها بالانهيار». وسئل روغوف عن العلامات المبكرة لنهاية الازمة فقال «لا بد أن نشهد مزيدا من الاندماجات في القطاع المالي قبل أن تنتهي الازمة«. وعقب على الازمة التي واجهتها مؤسستا فاني ماي وفريدي ماك للاقراض العقاري فقال «رغم ما قاله وزير الخزانة الامريكي.. فإن هاتين المؤسستين العملاقتين للرهون العقارية لن يكون لهما وجود بشكلهما الحالي خلال بضع سنوات«.

وتأتي تصريحات روغوف متزامنة مع اقبال المستثمرين على بيع أسهم المؤسستين أول من أمس، بعد أن قالت صحيفة ان المسؤولين الحكوميين ربما لا يكون أمامهم خيار سوى تأميمهما. ونقلت رويترز عن روغوف قوله ان الاستثمارات الضخمة من جانب صناديق الثروة السيادية من آسيا والشرق الاوسط في المؤسسات المالية الغربية، قد لا تؤدي بالضرورة الى أرباح كبيرة لأن هذه الصناديق لم تأخذ في الحسبان ظروف السوق التى تواجه هذه الصناعة عموما. وأضاف «كان الرأي في بداية الازمة أن صناديق الثروة السيادية يمكن أن تنقذ الجميع. فقد فعلت بنوك الاستثمار شيئا غبيا اذ خسرت أموالا في شريحة الرهون العقارية عالية المخاطر.. ثم جاءت صناديق الثروة السيادية لتحقق أموالا كثيرة بشرائها. هذا الرأي يتجاهل تضخم النظام المالي بشدة من حيث الحجم وحاجته للانكماش».

وقال روغوف ان مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الامريكي) أخطأ بالمبالغة في خفض أسعار الفائدة الى مستوى اثنين في المائة ردا على الازمة. وأضاف «خفض أسعار الفائدة سيؤدي الى قدر كبير من التضخم في السنوات القليلة المقبلة في الولايات المتحدة». وفي ردها على تصريح روغوف أكدت روسي أن «الاحتياطي الأميركي لم يكن أمامه أي خيار آخر غير تلك الاجراءات التي اتخذها»، مشيرة الى ان كبير الاقتصاديين السابق بصندوق النقد الدولي معروف بـ«مواقفه المحافظة». وحول الانعاكاسات المحتملة على الاقتصاد العالمي، ذكرت روسي ان اجرءات الاحتياطي الاميركي قد يكون لها تأثير على بعض البلدان في شكل تخفيض في الفائدة، غير أنها شددت على أنها لا ترى «ترابطا طبيعيا بين اجراءت الاحتياطي الأميركي، والوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط».

من جهته أعلن اكبر المصارف السويسرية أمس، ان الولايات المتحدة قد تدخل مرحلة انكماش اقتصادي في النصف الثاني من السنة، بسبب التأثيرات الضئيلة للاجراءات النقدية والمالية، بحسب محللين من مصرف «يو.بي.اس».

ورأى المحللون أن «الانخفاض الشديد في معدلات الفوائد والضرائب المستوفاة، سمح للاقتصاد الاميركي بتجنب الانكماش حتى الآن» لكن تأثير هذه الخطوات بلغ نهايته. واعتبروا انه سيكون من الصعب «الافلات من الانكماش، خصوصا وأن نسبة نمو الاقتصاد الاميركي، ستكون بحدود 1.3% السنة الحالية على ان تبلغ واحد في المائة العام 2009«. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية يتوقع المحللون بقاء الظروف الحالية ضعيفة، وعدم حصول «انتعاش سريع» بعد مرحلة الانكماش. وفي اوروبا، يؤكد محللو المصرف السويسري على «التباطؤ الواضح» مع بقاء التضخم مرتفعا مما سيمنع المصارف المركزية من خفض معدلات الفوائد في وقت قريب. ويتوقع المحللون مرحلة صعبة طويلة نسبيا في منطقة اليورو، لكن من دون انكماش دائم، رغم ان هذا الأمر «يبدو وكأنه لا يمكن تجنبه بالنسبة لبعض الدول، خصوصا تلك التي أصيبت بانتكاسة في أسواق العقارات، فضلا عن اختلالات اخرى». كما يؤكدون أن «مستوى التضخم المرتفع يشكل صعوبة اضافية في هذا المنحى، لأن البنك المركزي الأوروبي وبنك انكلترا مقيدان، ولا يستطيعان خفض معدلات الفوائد من اجل التخفيف من تأثيرات التباطؤ الاقتصادي». وبالنسبة لآسيا، يقول المحللون، ان اقتصاديات دول المنطقة «ما تزال تقاوم بشكل لافت حتى الآن» لكن من المتوقع ان تتسارع وتيرة التباطؤ لأن «اليابان بلغت حافة الانكماش». ويتوقع خبراء «يو.بي.اس» ارتفاع معدلات صرف الدولار، مقارنة مع عملات الدول الاعضاء في منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية. واعتبروا ان «عملات الدول الناشئة، تؤكد الاساسات الصلبة التي تثير الاهتمام، في حين من المتوقع ان تبقى عملات الدول الضعيفة اقتصاديا عرضة للضغوط». واستأنف الدولار الاميركي ارتفاعه أمس، وسجل أعلى مستوى منذ بداية السنة الحالية، مقابل سلة من العملات يدعمه انخفاض آخر في أسعار السلع الاولية، واستمرار المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. ويعمل انخفاض أسعار الاسهم وموجة جديدة من القلق بشأن النظام المالي العالمي وتزايد التوترات في أسواق النقد، على دعم التوقعات القائلة بأن الولايات المتحدة، لن تشهد وحدها تراجعا في النمو وضعف أسواق المال. وأدى التراجع الاخير في أسعار السلع الاولية بفعل انخفاض الذهب وغيره من المعادن، وهبوط أسعار النفط دون 112 دولارا، الى تخفيف حدة الضغوط التضخمية، مما يمهد السبيل أمام البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم لخفض أسعار الفائدة. والبنوك المركزية التي يرجح أن تخفض الفائدة في الاشهر المقبلة هي البنك المركزي الاوروبي والبنكان الاسترالي والنيوزيلندي، مما يدفع عملاتها للهبوط أمام الدولار. لكن من المتوقع أن يبقي البنك المركزي الياباني أسعار الفائدة الاساسية دون تغيير على 0.5 في المائة مثلما فعل اليوم. وكان الدولار شهد ارتفاعا على مدى الاسبوعين الأخيرين عززه انخفاض الذهب والنفط مع اقبال المستثمرين على تصفية مراكزهم التي يراهنون فيها على أن الاقتصاد العالمي، سيتغلب على ركود الاقتصاد الاميركي وأزمة الائتمان. وانخفض اليورو 0.3 في المائة عن اليوم السابق الى 1.4650 دولار، بعد أن هبط في وقت سابق الى 1.4631 دولار، مسجلا أدنى مستوى منذ ستة أشهر وفقا لبيانات رويترز. كما ارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الاميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية بنسبة 0.3 في المائة الى 77.293، بعد أن سجل في وقت سابق أعلى مستوى منذ بداية العام عند 77.413. وتراجع الدولار 0.1 في المائة أمام العملة اليابانية الى 109.95 ين بفعل هبوط اليورو الاوروبي نحو 0.5 في المائة مقابلها الى 161.10 ين.

وعلى صعيد الأسهم، هبط المؤشر نيكي القياسي 2.3 في المائة في نهاية التعاملات في بورصة طوكيو للاوراق المالية أمس، ليسجل أدنى مستوى له في شهر مع تراجع أسهم شركات التصدير والبنوك، بعد أن عادت المخاوف من المشاكل المالية الاميركية للظهور. من جهتها انخفضت الاسهم الاوروبية في أوائل المعاملات أمس في اتجاه قادته أسهم البنوك، بعد أن تجددت المخاوف بشأن مستقبل أكبر مؤسستين للتمويل العقاري في الولايات المتحدة، وهزت أسواق الاسهم في مختلف أنحاء العالم. وانخفض مؤشر يوروفرست 300 الرئيسي لأسهم الشركات الكبرى في أوروبا بنسبة 1.1 في المائة.

وعلى مستوى المعادن النفيسة انخفض البلاتين أكثر من ستة في المائة أمس، ليهبط الى أدنى مستوى منذ 11 شهرا بفعل المخاوف من تراجع الطلب من جانب شركات صناعة السيارات والضعف العام الذي انتاب أسواق المعادن النفيسة بسبب قوة الدولار. وانخفض الذهب أمس الى غاية 782.05 دولار أي أكثر من اثنين في المائة عنه في اليوم السابق.