السعودية: تدفق نفط حقل الخرسانية يهدئ المخاوف من النقص في الأسواق

رغم تأخر موعد الإنتاج

رفع إنتاج السعودية من النفط ساهم بشكل ملحوظ بتهدئة مخاوف الإمدادات («الشرق الأوسط» )
TT

أكدت شركة أرامكو للبترول أن معدل الاستخراج من حقل الخرسانية وصل إلى 500 الف برميل يوميا، من خام النفط الخفيف، من دون إبداء أي تفاصيل حول ما إذا كان إنتاج الحقل قد ساهم في زيادة إنتاج شهر يوليو (تموز). وطبقا لما جاء في تقرير لمؤسسة «غلوبال انسايت» يعد حقل الخرسانية أكبر حقول الإنتاج من حيث السعة الإنتاجية بين حقول النفط في السعودية، حيث سيساهم في رفع إنتاج المملكة إلى 11.8 مليون برميل يوميا.

ونظرا للتأخر الذي لحق بافتتاح الحقل منذ ديسمبر (كانون الأول) 2007 بسبب النقص العالمي للمواد، الذي عاناه خلال إنشاء وحدة معالجة الغاز التابعة له، فقد بدأت الاختبارات الأولية للحقل منذ أشهر قليلة. ولم تتمكن السعودية بشكل واضح من التفاعل مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الربع الأول والثاني من هذا العام، ولم يرفع الإنتاج حتى شهر يوليو. وبحسب التقرير فقد رفع تشغيل الحقل من إنتاج شركة أرامكو من النفط الخفيف بصورة واضحة، ولذا فإن الخفض المستقبلي للإنتاج، يتوقع أن يؤثر على إنتاجها من النفط الثقيل. وإذا كان من الضروري أن يتم الكشف عنه هنا فإن إنتاج حقل الخرسانية كان يستخدم لزيادة كميات النفط المصدرة، وسوف يستمر منتقدو السعودية في نشر الشكوك حول ما إذا كان تأرجح قدرتها الإنتاجية حقيقيا أم لا.

وهنا أكد مصدر مسؤول في شركة أرامكو لوكالة رويترز «أن حقل الخرسانية جاهز للقيام بمهامه وينتج النفط الخام، وأن معدلات إنتاجه تعتمد على المعدل الشهري الذي تضعه الشركة بالنسبة لكل منشأة نفطية».

من المعروف أن حقل الخرسانية أكبر حقول المملكة من حيث إنتاج النفط الخفيف، الذي تم إلحاقه بمنظومة الإنتاج النفطي وتشغيله منذ سنوات، وسوف يعمل الإنتاج الكبير للحقل على تهدئة المخاوف من نقص خام النفط الخفيف، مثلما حدث خلال النصف الأول من العام الحالي، فالنفط المنتج منه لا يسهل تكريره للحصول على منتجات عالية القيمة، مثل الغازولين (البنزين) فقط، بل من الممكن تكريره في جميع معامل التكرير في جميع أنحاء العالم ـ كالمصافي الصينية الصغيرة على سبيل المثال ـ بينما الخام الثقيل الذي تملك المملكة منه احتياطيات ضخمة لا يمكن تكريره إلا في عدد قليل من المنشآت المتطورة نسبيا على مستوى العالم، بحسب التحليل الوارد بتقرير غلوبال انسايت.

ولقد عانى تطوير مشروع حقل الخرسانية من عدد من التأخيرات، فقد كان من المتوقع أن يبدأ إنتاجه في ديسمبر 2007، لكن المشكلات المتعلقة بمنشأة معالجة الغاز ـ خاصة مشكلة نقص المواد ـ كانت السبب الرئيس وراء تأخر انطلاقة المشروع، مما أوضح أن شركة أرامكو، على الرغم من سجلها البارز لم تتمتع بحصانة من النقص العالمي في صناعة الغاز والنفط وبين مورديها. وسياسة السعودية غير التوسعية جعلت من غير الممكن بالنسبة لها البدء في إنتاج النفط، على الرغم من حقيقة أن منشآت الإنتاج النفطي كانت معدة بالفعل في الوقت المحدد لها، لأن ذلك كان سيسفر عنه الحاجة إلى حرق الغاز الموجود به.

ووفق الجدول الرئيس الموضوع كان من المفترض أن يصل الحقل إلى طاقته الإنتاجية القصوى في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) أو أوائل فبراير (شباط)، مما يعزز من الإنتاج خلال هذه الفترة، وعندما تأكد التأجيل وتأجل الموعد المستهدف إلى أواسط إبريل (نيسان) ثم إلى أغسطس (آب) طبقا لما أورده التقرير.

وقد وجدت السعودية نفسها تحت وطأة ضغوط شديدة من المجتمع الدولي لزيادة إنتاجها لاحتواء الارتفاع في أسعار النفط الخام، وعندما أعلنت المملكة رسميا أن قدرتها الإنتاجية الفعلية كانت 11.3 مليون برميل يوميا، في الوقت الذي توقف فيه الإنتاج عند مستوى 9.2 مليون برميل يوميا، جاءت قدرة المملكة على الوفاء بتعهداتها النفطية محل تساؤل، خاصة مع تنامي الشكوك في الغرب حول صحة الإحصاءات بشأن الاحتياطيات النفطية في الدول الخليجية، وقدرة السعودية على رفع إنتاجها فوق معدل الاستخراج في هذا الوقت. وعندما وافقت السعودية على رفع إنتاجها منفردة، لمنع ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى، كان تعهدها بإنتاج 500 ألف برميل إضافي يوميا من النفط الخفيف في يوليو قد بدا متزامنا مع الانتعاشة التي كان من المفترض أن تتم لتعزيز الإنتاج المحتمل مع بداية عمل حقل الخرسانية الذي تأجل تشغيله، وهو الشيء الذي قام منتقدو المملكة بالتركيز عليه. ومع ورود بعض التقارير، التي أفادت بأن الإنتاج التجريبي الأول من حقل الخرسانية في بدايات أبريل كان من الممكن أن يتم دفع الجزء الأخير من الإنشاء للوصول إلى الطاقة الإنتاجية المنتظمة في يوليو. والسبب وراء عدم إعلان المملكة أن حق الخرسانية وصل إلى طاقته الإنتاجية، كما يقول التقرير، يمكن رده إلى النظرية التي تبناها منتقدو السعودية، وإلى أن المملكة كانت غير قادرة على التصرف إزاء ارتفاع الأسعار العالمية لأنها كانت تنتج بالفعل الطاقة الإنتاجية القصوى بالنسبة لها. والادعاء بأن الزيادة في الإنتاج السعودي جاءت من حقول أخرى سمحت لشركة أرامكو السعودية بالاحتفاظ بمظهر المحتفظ بطاقة إنتاجية كبرى والذي هو مهم جدا لدورها في السوق العالمي كمنتج محوري، وبالنسبة لوضعها في الأوبك وأيضا بالنسبة لموقفها السياسي العالمي، وعدم انتهاج أرامكو لمزيد من الشفافية في هذا الأمر وعدد من الأمور الأخرى وتصريح الأمس بأن الحقل ينتج فقط، لم يزل يمثل إحدى علامات الاستفهام لدى المراقبين.

وكان من الممكن أن تقوم شركة أرامكو السعودية بالكثير للتخلص من أسوأ النظريات التآمرية حول القدرة الإنتاجية الداعمة الحقيقية. ومن ناحية أخرى كان من الممكن أن يكتسب بعض هذه النظريات المصداقية، التي هي أحد الأسباب التي جعلت الشركة لا تعير هذه الموضوعات اهتماما.

وهناك سبب آخر، فهناك مستوى معين من الشك قد يعمل لصالح السعودية في دورها كصانع سوق نفط عالمي. إلا أنه قبل مناقشة النظريات التي توجد لدى البعض، لا بد أن نضع في أذهاننا العديد من عوامل الارتباك الأخرى التي أصابت السعودية في الشهور الأخيرة، فمع الخطة التي وضعت منذ فترة طويلة والتي كان من المقرر بموجبها أن يصل إنتاج حقل الخرسانية إلى معدله الطبيعي في ديسمبر 2007، رأت أرامكو أن تقوم ببعض الإصلاحات التي كان مخططا لها في مناطق أخرى، والتي ثبت استحالتها بسبب احتياجات السوق، خاصة بالنسبة للنفط الخفيف التي تزايد الطلب عليه العام الماضي. غير أن بداية إنتاج حقل الخرسانية جاءت متأخرة عن الموعد المقرر لها، كما أن النقص العالمي في إمدادات النفط جعل القيام بمشروعات الصيانة التي تم الإعداد لها أمرا مستحيلا. ومع معاناة السعودية هي الأخرى من نقص القدرة الإنتاجية بالنسبة للنفط الخفيف خلال النصف الأول من العام، لم تستطع السعودية الاعتراف من دون إلقاء المزيد من الضغوط على أسعار النفط.

ويبدو أن القدرة الإنتاجية لخام النفط الخفيف في السعودية أصبحت محدودة، خاصة إذا ما قورن ذلك بإمدادات النفط الثقيل، الذي يمكن أن تتحول إلى إنتاجه، غير أن العجز في أسواق النفط ربما يكون نتيجة لعمليات الصيانة المؤقتة، التي من الممكن أن تكون قد تمت تغطيتها إذا لم يكن الخرسانية قد تأخر عن العمل. ومع ذلك فإن وجود السعودية في محط أنظار السوق النفطي العالمي جعل من الأهمية بمكان دراسة المعلومات الواردة من المملكة بشأن إنتاجها بصورة دقيقة. وكان التأكيد الأخير أن حقل الخرسانية يعمل وفق الطاقة الإنتاجية المقررة له، بالإضافة إلى الارتياح الذي ساد الأسواق مؤخرا بعد فترة من الضغوط في السوق ونقص الإمدادات من النفط الخفيف، من شأنه أن يعمل على تهدئة المخاوف من النقص المؤقت في الأسواق بصورة ملحوظة.