دراسة: أسواق الاتصالات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تطورت من الاحتكارية إلى التحرر

أكدت أن المنافسة فيها انتقلت من الشبكات إلى الخدمات

TT

جاء في دراسة جديدة لشركة بوز أند كومبوني، أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تطورت من أسواق اتصالات احتكارية الى أسواق متحررة، حيث نجد في كل سوق من الأسواق في المنطقة مشغلين اثنين لشبكة الاتصالات المتنقلة على الاقل، واصبحت أسواق شبكة الهاتف الثابت أكثر تحررا. ومن المتوقع تعزيز هذا التطوير التنافسي الجديد عن طريق مشغلي الخدمات ـ وهم مقدمو خدمات الاتصالات الذين لا يشغلون شبكاتهم الخاصة بهم، بل يعتمدون على شبكات مشغلي الاتصالات التقليديين في تطوير أعمالهم في جانب الخدمات.

أدت المنافسة المتزايدة في القطاع الى أن يصبح لاعبو السوق أكثر براعة وأكثر كفاءة في تقديم المزايا للعملاء والمساهمين على حد سواء. فهم يقدمون الآن خدمات أفضل، ومجموعة منتجات متطورة، وأسعارا أفضل، ورعاية أفضل للعملاء، وخبرة متطورة. وعلق السيد كريم صباغ، نائب رئيس في بوز أند كومبوني قائلا «مكَّن تحرير السوق المشغلين من التوسع إقليميا، وجلب قيمة أكبر للمساهمين من جراء العمليات الدولية». وبحسب الدراسة التي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها فقد لا يكون مزيد من مشغلي الشبكات الجدد خيارا مجديا لتحريك وتحفيز تطور السوق في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد يبتعد المستثمرون عن الأسواق التنافسية، وعلاوة على ذلك، تحد بعض الهيئات التنظيمية والسلطات المحلية من دخول الأسواق نتيجة لندرة الموارد أو الآثار العكسية، ومن بينها قيود السوق، فالبعض الأسواق صغيرة جدا ولا تتحمل المزيد من مشغلي الشبكات؛ لذلك فإن الترخيص لمشغل الشبكة الافتراضية للاتصالات المتنقلة هو أحد الخيارات لتحسين التنافس في السوق. يترتب على مشغلي الخدمات متطلبات رأسمالية أقل ويمكنهم جني الأرباح بإيرادات أقل وعدد مشتركين أقل: إذ يمكنهم تشجيع دخول صغار المستثمرين حيث الاستثمارات الكبيرة غير اقتصادية.

ومن الآثار الأخرى القيود الفنية، حيث يعتبر توفر الطيف مشكلة لمشغلي الشبكات؛ فما لم يتوفر طيف إضافي لا يمكن ترخيص مشغلي شبكات للاتصالات المتنقلة. ويقول بهجت الدرويش، أحد كبار المستشارين في بوز أند كومبوني: «تسمح المنافسة في تشغيل الخدمات بوجود عدد كبير من المشغلين الذي ليسوا بحاجة الى طيف خاص بهم».

ويضاف الى الآثار التأثيرات الاجتماعية والبيئية، حيث يترتب على إنشاء الشبكات آثارا اجتماعية واقتصادية سلبية، ويمكن التخفيف من هذه الآثار عن طريق اتفاقيات مشاركة البنية التحتية. وبحسب الدراسة يعمل المنافسون في تشغيل الخدمات بالاعتماد على البنية التحتية القائمة التي تعود لمشغلي الشبكات؛ ويقومون بشراء دقائق أو سعة أو خدمات من مشغلي الشبكات، ومن ثم تخصيص هذه الخدمات وتقديمها الى عملائهم. يجب على المشغلين القائمين معرفة كيفية الاستفادة من مثل هذه الفرص، حتى تفتح الهيئات التنظيمية الأسواق بشكل فعال وتمكن للمستثمرين دخولها بحذر.

وقد بدأت بعض الهيئات التنظيمية في المنطقة بتسهيل دخول مشغلي الخدمات من خلال تنظيم إعادة بيع الإنترنت وفك الحلقات المحلية.

ويمكن للمنافسة في تشغيل الخدمات تحريك خدمات التجزئة واستخدام الشبكات القائمة بشكل فعّال أكثر؛ وهذا يشجع مشغلي الشبكات على الاستثمار في تحسين وتطوير البنية التحتية. ويدخل مقدمو الخدمات عادة السوق بمستوى معين من الاستثمارات وعند تحقيق النجاح، يمكنهم تعزيز العمليات والاستثمارات. يجب على الهيئات التنظيمية أن تدرك أن إدخال المنافسة في تشغيل الخدمات يجب أن تتم فقط بعد بلورة المنافسة بين مشغلي الشبكات.

كما أن المنافسة بحسب الدراسة محرك رئيسي لتحسين اختراق الخدمات. وتقدم المنافسة في تشغيل الخدمات طريقة فعالة لإعادة تنشيط المنافسة في القطاع ويسمح تعزيز المنافسة في تشغيل الخدمات بزيادات ملحوظة في اختراق خدمات النطاق العريض.

ويعزز الاستثمار المتزايد إنفاق القطاع، ويخلق الفرص الوظيفية، ويحرك النمو الاقتصادي. ويقول السيد الدرويش: «يساهم الاستخدام الزائد لخدمات الاتصالات على تحسين المعرفة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتشجيع الريادة، وتعزيز قوة عاملة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات». إذ يمكن للتطور في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المشاريع بالدول النامية أن يحسن من قابلية الربح بأكثر من نسبة 5 في المائة، والإنتاجية بنسبة 1 في المائة ومعدل الاستثمار بنسبة 2.5 في المائة.

كما تؤثر زيادة المنافسة على الأسعار، حيث يقدم المشغلون المزيد من عروض الخدمات الجذابة. وتنعكس جهود المشغلين في جذب العملاء والاحتفاظ بهم مع التعرفة المطورة على التزام العميل. فمثلاً، العروض التي تستهدف شرائح الأسواق المخصصة وخدمات العملاء المتطورة هي نتائج للمنافسة المتطورة. ويعتبر استخدام خدمات بيانات الاتصالات المتنقلة مؤشرا على مدى استفادة مستخدمي الاتصالات المتنقلة من الخدمات المتوفرة. وبحسب الدراسة يمكن للشركات أن تختار نماذج مختلفة من المنافسة في تشغيل الخدمات. ففي سوق الهاتف الثابت، يمكن أن تتراوح من تقديم الخدمات الصوتية عن طريق الإنترنت أو الاعتماد على إعادة البيع البسيط، الى مشغلي الخدمات الصوتية اعتمادا على الاختيار المسبق للناقلة أو الوصول إلى شبكة النفاذ المحلية. وفي سوق الاتصالات المتنقلة، يمكن أن تتراوح من المشغلين الذين يعتمدون على إعادة البيع البسيط الى مشغلي الشبكات الافتراضية للاتصالات المتنقلة.

تعتمد العلاقة بين مشغلي الخدمات ومشغلي الشبكات على درجة ملكية البنية التحتية من قبل مشغل الخدمات، ومدى الخدمات المقدمة من قبل مشغل الشبكة. ويعلق السيد صباغ قائلا: «كلما زاد امتلاك مشغل الخدمات للبنية التحتية القائمة، زادت لديه المرونة في تطوير الخدمات وتحديد التعرفة».

ويمكن لمشغلي الخدمات تقديم خدمات بالاتفاق مع مقدم البنية التحتية. ومع نمو استخدام البنية التحتية، يمكن لمشغل الخدمات تقديم المزيد من البنية التحتية غير الأساسية لديه، مما يوفر له سيطرة أكبر على الخدمات المقدمة.

ولا يترتب على مشغلي الخدمات اية تكاليف ثابتة للبنية التحتية الرئيسية بحيث انهم ليسوا بحاجة لامتلاك الشبكات أو إدارتها. وبالابتعاد عن المشاكل المرتبطة بإدارة الشبكة، يتوفر لدى شركات إعادة البيع مجالا أكبر لتنويع الخدمات وتحسين خدمة العملاء. ويمكنهم دخول السوق بسرعة أكبر، وتقسيمها الى شرائح، واستهداف الأجزاء الخاصة منها واحتياجاتهم ـ فذلك يساعد في تحسين تجربة العملاء والنمو الإضافي.

وقد ظهر العديد من أنشطة المنافسة في تشغيل الخدمات العالمية خلال العقد الماضي، حيث تم إدخال طريقة التكلفة المنخفضة من قبل شركات إعادة بيع الخدمات الصوتية الثابتة من خلال اختيار الناقلة والاختيار المسبق للناقلة، وتم أخذها من قبل شركات إعادة البيع باستخدام الوصول إلى شبكة النفاذ المحلية. وقد حقق مشغلو الخدمات الصوتية عن طريق الانترنت نجاحاً بعروضهم ذات أسعار منخفضة.

كما يعتبر تمييز العلامة التجارية ناجحا في جذب العملاء الى منافسي الخدمات، خاصة في الاتصالات المتنقلة. ويقول السيد الدرويش: «باستخدام قوة العلامة التجارية وذكاء التسويق، استطاعت الشركات التعامل مع مشغلي الشبكات لإيجاد عروض خدمات اتصالات متنقلة جذابة».

وبحسب الدراسة فإن النهج الحذر في الاستثمار في قطاع الاتصالات يمكن تبريره. فإطلاق تشغيل الخدمات الناجح ليس مغامرة سهلة، فهوامش الربح بشكل عام أقل من تلك التي لدى المشغلين الذين يمتلكون الشبكات، وإضافة الى وإن التواصل وتمييز العلامة التجارية يتطلبان التخطيط الجيد.

وبحسب معدي الدراسة، فإنه من الضروري أن يقيم مشغلو خدمات الاتصالات المتنقلة الشراكات الملائمة مع مشغلي الشبكات. أما في جانب الهاتف الثابت، فمن الصعب اختيار الشراكات نتيجة لسيطرة المشغل الأساسي على البنية التحتية الثابتة. ويتعين على المشغلين المسيطرين تقديم الوصول إلى شبكة النفاذ المحلية، وتقديم الوصول الى شركات إعادة البيع. ويقول صباغ هنا: «تميل الأسعار الى الثبات ويتم مراقبتها عن كثب من قبل الهيئات التنظيمية لضمان عدم تصرف المشغلين بطريقة يشوبها التمييز». وحول دور الهيئات التنظيمية ذكرت الدراسة أن الهيئات التنظيمية تهدف في الغالب الى تطوير القطاع من خلال الاختراق والاستثمار الزائدين، ومن خلال تحفيز شركات الاتصالات على تقديم خدمة أفضل، وأسعار تنافسية، وعروض ابتكارية، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق فتح الأسواق للمنافسة في تشغيل الخدمات.

وأوضحت انه يجب على الهيئات التنظيمية عدم تقييد السوق عن طريق تحديد عدد التراخيص التي يمكن أن تستوعبها السوق. فدور الهيئة التنظيمية هو التمكين من دخول السوق والمشاركة فيها وإدارة الممارسات المخلة بالمنافسة. وذكرت أن المنافسة في تشغيل الخدمات على الهيئات التنظيمية أملت إعادة تنظيم إجراءات الترخيص بما يتناسب مع التطورات التجارية. وتعمل الهيئات التنظيمية على تمييز رخص إنشاء الشبكات من عرض الخدمات لتشجيع تطوير الخيارات الواسعة لتقديم خدمات الاتصالات. يقول السيد صباغ: «يسمح التمييز بين تراخيص تشغيل الشبكات وتراخيص تقديم الخدمات بمزيد من المرونة في تقديم الخدمات وتعزيز تطوير السوق».

وبحسب الدراسة يمكن لتوقيت تحرير السوق، أن يلعب دورا في تطوير السوق. إذ ان إعطاء المشغلين الذين يمتلكون الشبكات الوقت قبل انطلاق المنافسة في تشغيل الخدمات يمكنه تعزيز تنمية القطاع على المدى الطويل. وبما أن تطوير البنية التحتية يتطلب كثافة رأس المال، فإن ادخال فترة زمنية بين التراخيص، يمكن أن يساعد مقدمي الخدمات في تأسيس مركز لهم في السوق لبناء قاعدة إيرادات لاستعادة التكاليف.

وخلصت الى انه يمكن لإدخال المنافسة في تشغيل الخدمات، أن يوجه تنمية قطاع الاتصالات في المنطقة عن طريق تحفيز استخدام خدمات الاتصالات، والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية. وقد تكون المنافسة في تشغيل الخدمات مفيدة جدا للأسواق الوطنية، بحيث تعمل على زيادة اختراق النطاق العريض المقدر والزيادات الملموسة في اختراق الاتصالات المتنقلة. ويختم السيد صباغ بقوله: «إن المزيد من المنافسة يعني خيارا أكثر للمستهلك من المشغلين والخدمات. وينتج عن سرعة واستراتيجيات مشغلي الخدمات المزيد من الابتكار في قطاع الاتصالات».