«تسونامي» يضرب أسواق المال العالمية بعد انهيار بنك ليمان براذرز الأميركي

مخاوف من إفلاسات أخرى قريبا > بنك «أوف أميركا» يشتري «ميريل لينش» المتعثر في صفقة قيمتها 50 مليار دولار

TT

ضربت اسواق المال العالمية أمس ما يشبه «تسونامي» وتراجع الدولار بشدة وسجل النفط هبوطا ملحوظا مع اعلان افلاس بنك ليمان براذرز (رابع أكبر مصرف أميركي) أمس وطلب حمايته من الدائنين. يأتي هذا فيما أعلن بنك اوف أميركا انه سيشتري بنك ميريل لينش المتعثر في الوقت الذي أعلن فيه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) للمرة الاولى أنه سيقبل تقديم قروض نقدية مقابل أسهم. من ناحية أخرى ذكرت تقارير صحافية أن مجموعة أميركان انترناشونال غروب (ايه.اي.جي) للتأمين المتعثرة طلبت من البنك المركزي الاميركي منحها قرض انقاذ حجمه 40 مليار دولار، مما أثار المخاوف من انه يواجه خطر الافلاس هو الآخر. وقال بنك اوف أميركا انه وافق على شراء ميريل لينش اند كو في صفقة بالاسهم قيمتها 50 مليار دولار بعد واحدة من أسوأ عطلات نهاية الاسبوع على الاطلاق في وول ستريت. وفيما سجل الدولار هبوطا كبيرا انخفض سعر الخام الاميركي الخفيف سبعة دولارات للبرميل في التعاملات الاجلة أمس مع اقبال المستثمرين على توجيه أموالهم الى استثمارات امنة بسبب اضطراب النظام المالي الاميركي ووسط بوادر أولية على نجاة البنية الاساسية للنفط في خليج المكسيك من الاعصار ايك. واهتزت أسواق المال وثارت مخاوف من أن تؤدي المشاكل الاقتصادية العالمية الى ابطاء الطلب على الطاقة مما دفع المستثمرين لسحب استثماراتهم من سوق النفط وذلك بعد اعلان بنك ليمان افلاسه. وهبط الخام الاميركي للتسليم في شهر أكتوبر (تشرين الاول) الى 94.18 دولار للبرميل ليسجل أدنى مستوى منذ سبعة أشهر. وهبط مزيج برنت 5.88 دولار الى 91.70 دولار للبرميل.

وبحسب رويترز سيصبح بنك ليمان أشهر حالة لاشهار الافلاس في وول ستريت منذ انهيار مؤسسة دركسل برنام لامبرت المتخصصة في السندات عالية المخاطر في عام 1990. وقال بتير كيني عضو مجلس الادارة المنتدب في نايت ايكويتي ماركتس في جيرسي سيتي «النظام المالي الاميركي بدأ يكتشف أن الارضية التي تقف عليها أساساته تتحرك كما لم يحدث أبدا من قبل، انه عالم مالي جديد على شفا عملية اعادة تنظيم شاملة». وتشير الاحداث الى تحول جذري في هيكل السلطة في وول ستريت حيث تصبح مجموعات مصرفية كبرى مثل بنك اوف أميركا كورب أكثر هيمنة على الساحة. ومع غياب ليمان وميريل عن الصورة تكون ثلاثة من أكبر بنوك استثمارية أميركية قد خرجت بالفعل من الساحة خلال ستة شهور حيث اشترى بنك جيه.بي. مورغان بنك بير ستيرنز المتعثر في مارس (اذار) الماضي. وكانت الانظار تتركز أول من أمس على المحادثات بين السلطات التنظيمية وكبار المصرفيين في وول ستريت لمعرفة ما اذا كانت ستسفر عن بيع بنك ليمان الذي كان حتى وقت قريب رابع أكبر بنك استثماري اميركي. وتعثرت هذه المحادثات عندما قال بنك باركليز البريطاني الذي بدا أنه يتصدر المحادثات بشأن بنك ليمان انه انسحب من المزايدة على شراء البنك المتعثر. وأثار هذا التوقعات بأن البنك الاستثماري في طريقه لاشهار افلاسه وأدت الى عقد جلسة تعامل طارئة ونادرة لتمكين المتعاملين في وول ستريت في سوق عقود المشتقات التي يبلغ حجمها 455 تريليون دولار من تقليص محافظهم من أسهم ليمان وأوراقه المالية. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مجموعة ايه.اي.جي التي كانت يوما ما أكبر شركة تأمين في العالم تسعى للحصول من مجلس الاحتياطي على تمويل قصير الاجل. وانهار بنك ليمان تحت وطأة الاصول عالية المخاطر المرتبطة بشكل اساسي بالعقارات والتي تساوي الان جزءا صغيرا من أسعارها الاصلية بسبب أزمة الائتمان التي نجمت عن أزمة قطاع المساكن في الولايات المتحدة. ووفقا للاوراق التي تقدم بها بنك ليمان للمحكمة لطلب حمايته من الدائنين فقد بلغ اجمالي اصوله 639 مليار دولار حتى 31 مايو (ايار) بينما وصل اجمالي ديون البنك حتى ذلك التاريخ 613 مليار دولار. وفي ردود الأفعال قال الان غرينسبان الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) ان افلاس بنك الاستثمار الأميركي «ليمان براذرز» ستكون له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد العالمي. واضاف أمس في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية ان هذه الحالة، اي افلاس «ليمان براذرز» واستحواذ «بانك اوف اميركا» على «ميريل لينتش» تعتبر ربما من أسوأ الاوضاع المالية التي واجهتها الولايات المتحدة خلال قرن. وكان غرينسبان قد قال أول من امس لتلفزيون «أي بي س الأميركي» انه يتوقع «رؤية مزيد من حالات انهيار المؤسسات المالية».

من جهته قال باراك أوباما المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الاميركية أمس ان الازمة التي اجتاحت بنك الاستثمار ليمان براذرز وشركات المال تمثل خطرا كبيرا على الاقتصاد الاميركي، وشدد على ضرورة تحديث النظام المالي. وقال أوباما في بيان «الوضع في ليمان براذرز وغيرها من مؤسسات مالية هو أحدث حلقة في سلسلة من الازمات التي تولد غموضا هائلا بشأن مستقبل أسواقنا المالية». وأضاف «هذا الاضطراب هو خطر كبير على اقتصادنا وقدرته على خلق وظائف ذات أجور جيدة ومساعدة الاميركيين العاملين على سداد فواتيرهم والادخار للمستقبل وسداد مدفوعات الرهون العقارية». وينادي أوباما منذ فترة باصلاح اللوائح التي تعمل بها أسواق المال، وسبق أن قال إن ازمة سوق الرهن العقاري وغيرها من مشاكل يرجع في جانب منها الى نقص الشفافية وتحديد المسؤوليات في النظام المالي. واكد اوباما ان «التحديات التي تواجه نظامنا المالي اليوم تمثل مزيدا من الادلة على أن كثيرين في واشنطن وفي وول ستريت لم يؤدوا واجبهم».

وحذت البنوك المركزية في أوروبا واسيا حذو مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) أمس بمحاولة دعم الاسواق التي تترنح تحت وطأة انهيار بنك ليمان براذرز وبيع بنك ميريل لينش المتعثر لبنك أوف أميركا. وقالت بنوك مركزية في دول اخرى من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى انها تتابع الاسواق عن كثب وتقف على أهبة الاستعداد للتحرك، وقال مصدر في بنك اليابان المركزي لرويترز «اننا نراقب تطورات السوق المالية وعلى اتصال مع المركزي الاميركي والسلطات في دول اخرى». وأعلن البنك المركزي الاوروبي انه مستعد للمساهمة في ضمان انتظام أحوال العمل في السوق النقدية باليورو، بينما قال بنك انجلترا المركزي انه سيتحرك اذا تطلب الامر. وقد قرر الاحتياطي الفيدرالي الاميركي فتح ابوابه على مصراعيها أول من أمس عندما وافق على مساعدة مصارف متعثرة يصعب بيعها، مقابل اموال تهدف الى التخفيف من وقع الصدمة الناجمة عن احتمال انهيار بنك «ليمان براذرز».

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية تشمل هذه الاجراءات التي تتسم بطبيعة تقنية، خصوصا على توسيع حقل العمليات المطبقة حاليا لجهة اعادة تمويل المصارف التجارية ومصارف الاعمال وعلى زيادة اعتمادها. وبعد نهاية اسبوع من مفاوضات مكثفة، فشلت السلطات العامة الاميركية في ايجاد الجهة التي يمكن ان تشتري مصرف «ليمان» الذي ستجرى تصفيته على الارجح، وقد تكون الصدمة من وراء ذلك كبيرة في الاسواق العالمية. وقال برنانكي في بيان انه على «اتصال وثيق مع جهات اميركية واجنبية تنشط في مجال تسوية مثل هذه المشاكل ومع سلطات الرقابة والمصارف المركزية للاشراف على معلومات حول وضع الاسواق المالية والشركات في العالم وتقاسمها». وبعد الافلاس شبه الكلي لمؤسسة «بير ستيرنز»، سمح الاحتياطي الفيدرالي الاميركي في مارس (اذار) لمصارف الاعمال التي لا تدعو الى الادخار العام، باعادة تمويل نفسها بنفسها، على غرار ما تستطيع المصارف التجارية القيام به منذ وقت طويل. وقد تم تليين شروط استخدام هذا الاجراء وبات بامكان مصارف الاعمال ان تقدم كضمانة سندات لا تتسم بالقوة المطلوبة في حين كان ينبغي ان تقدم حتى الان سندات ذات نوعية عالية. وهذا الاجراء يقلص الحاجة الى السيولة بالنسبة الى مصارف الاعمال، لكنه سيؤثر على نتائج البنك المركزي الذي قد يجد بين يديه سندات غير قابلة للبيع، الا ان الاحتياطي الفيدرالي لا يقول ذلك بوضوح، لكن المصارف العشرة الكبرى التي عملت معه طيلة نهاية الاسبوع لتفادي حصول كارثة في البورصة قالت انه يمكن للمصارف ايضا ان تقدم اسهما كضمانة. واعلنت المصارف العشرة انها ستلجأ اعتبارا من هذا الاسبوع الى هذا الاجراء في اعادة التمويل. من جهة اخرى، اعلن المتحاورون العشرة مع الاحتياطي الفيدرالي تأسيس صندوق برأسمال سبعين مليار دولار يستطيعون ان يسحبوا منه في حال واجهوا خطر نقصان السيولة لديهم. وسيقدم كل من المصارف العشرة سبعة مليارات دولار ويمكن لكل منها ان يحصل على ثلث رأسمال الصندوق في حال مواجهة صعوبات في اعادة التمويل، كما اعلنت المصارف في بيان مشترك. والمصارف المساهمة في هذا الصندوق «لمكافحة الافلاس» هي الاميركية «بنك اوف اميركا» و«سيتي بنك» و«غولدمان ساكس» و«جي بي مورغان تشيز» و«ميريل لينش» و«مورغان ستانلي»، والبريطاني «باركليز» والالماني «دويتشي بنك» والسويسريان «كريدي سويس» و«يو بي اس» (اتحاد المصارف السويسرية). وسيرفع رأسمال هذا الصندوق لاحقا لان مصارف اخرى مدعوة للانضمام اليه.