أين حوكمة الشركات من الرواتب الخيالية؟!

TT

يتداول هذه الأيام عبر شبكة الانترنت رسائل تتضمن بيانا برواتب بعض المسؤولين التنفيذيين ببعض الشركات المساهمة. وفيها يصل الراتب الشهري لبعضهم إلى أكثر من أربعمائة ألف ريال شهري وبعضهم يزيد عن ستمائة ألف ريال شهرياً. ناهيك عن العطايا والرضايا وما ستكون عليه العلاوات السنوية والمميزات الأخرى؟!. لأن هؤلاء المدراء (في النهاية) موظفون بشركات مساهمة، بالتالي فإن رواتبهم يتحملها ملاك أسهم هذه الشركات. ولأن نظام حوكمة الشركات المساهمة Corporate Governance يهدف إلى تحقيق الإفصاح والشفافية، لحماية حقوق الأطراف المعنية (ملاكاً ودائنين وعاملين وغيرهم) من سوء استغلالها من قبل السلطات الإدارية التنفيذية، وتحقيق النمو الاقتصادي وتقوية ثقة المستثمرين في المنشآت الاقتصادية وتجنيبها من الانهيارات المالية، باعتبارها اللبنات المكونة للكيان الاقتصادي للوطن. ولتأكيد تحقيق الأهداف المحددة في عقود التأسيس الموافق عليها بالمراسيم الملكية. لاسيما ونحن قد فتحنا الباب لإشراك الرساميل الأجنبية في ملكيات شركاتنا.

وأقول إنه وحتى لو ثبت عدم دقة هذه الأرقام (وكلام العاقل يطيح نصفه)، فإنني أطرح سؤالا على وزارة التجارة والصناعة باعتبارها المعنية بضبط إيقاع آليات عمل الشركات السعودية (مع التحية لوزارة الاقتصاد والتخطيط!) وهو: كيف يُسمح بمنح الرواتب الضخمة؟. وهي الوزارة المعنية بتطبيق حوكمة الشركات، التي تقتضي المحافظة على حقوق حملة الأسهم والدائنين والعاملين في الشركة وأصحاب المصالح المرتبطة بالشركة؟. أليس هناك من معايير ومقاييس لتحقيق العدالة في تحديد رواتب مديري الشركات المساهمة ذات النشاط الواحد!؟ أم أن المسألة (تحكمها) عيون رضا واجتهادات ومصالح شخصية؟. لأن من المعروف أن المسؤول الذي أعطى هذا المرتب (بهذا الرقم الفلكي) لهذا المدير كونه قلدهُ منة (لا ينساها)، وبالتالي سيضمن ولاءه الشخصي ثمناً لهذه العطية المجزية (على حساب غيره!). لأن من المفترض أن من يتعود على مثل هذا الدخل (سيصاب بالدوار حتى يفقد وعيه) إن فكر ولو للحظة في فقدانه ... فهل المسألة تقييم مؤهلات (كما ينبغي لها أن تكون) أم أنها صفقات لشراء ولاءات؟!. والغالب أن من حدد هذا المرتب لو كان سيدفعه من (جيبه) لأمكنه تخفيضه إلى الربع أو الخمس (وحصل مقابله على عطاء بجهد وإخلاص أكبر)!. ولا أدري عن أي نظام رقابة داخلية سيقتنع به القائمين على التنفيذ بهذه الشركة، وهم يرون هذا الشخص العادي من بينهم (في كل شيء) يحصل على هذا المرتب بهذا الرقم الفلكي!؟. ومن باب الشفافية، وعلى اعتبار أن رواتب الموظفين تعد أحد البنود الرئيسية لمصاريف التشغيل: هل لوزارة التجارة والصناعة أن تنشر للعامة رواتب مديري الشركات المساهمة؟. لأنه وبصراحة إذا صدق شيء من ذلك فقل على إدارات القطاع الخاص السلام. وما هي مشاعر المديرين الآخرين الذين يعلمون إمكانيات هذا المدير (المحظي) ويرون رواتبهم لا تتجاوز ربع راتبه!؟، وما هو أثر ذلك إذا ذهب هذا المدير وجيء بآخر ليس من الموالين، لكن مؤهلاته تفوق سابقه!؟... وتتعاظم المصيبة إذا علمنا كيف سيتصرف هذا (المحظي) المهول راتبه مع صاحبه الذي أعطاه (أو حدد له) هذا المرتب. وهنا موضع لتغليب المصالح الشخصية على حساب نظم الرقابة المالية والإدارية .. والاقتصادية الوطني برمته!. وختاماً ... فإنه لا عزاء لموظفي الدولة بمن فيهم الوزراء وأصحاب المعالي الذين تحدد رواتبهم بناءً على سلم رواتب وزارة الخدمة المدنية، الذي كان آخر تعديل له منذ أكثر من ربع قرن.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]