تأسيس مصرف مركزي خليجي يعزز ثقة المستهلك بأسواق المال

اجتماعات وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الوحدة النقدية

TT

لم يبق أمام الخليجيين إلا 15 شهرا للتيقن مما إذا كانت عملتهم الموحدة سترى النور في موعدها المرتقب، وسط شبه إجماع من مؤسسات اقتصادية ومالية من عراقيل جمة تواجه الاتحاد النقدي الخليجي.

وأضاف تقرير اقتصادي شبه حكومي، مزيدا من الغموض على خروج هذه العملة، بعد أن أعتبر أن خروج الاتحاد النقدي الخليجي في موعده النهائي المحدد في يناير (كانون الاول) 2010 في حاجة إلى «إرادة سياسية من الدرجة الأولى» محذرا في الوقت ذاته من ضياع «الفرصة التاريخية» بقيام الاتحاد.

وأوضح التقرير الصادر من مركز دبي المالي العالمي، أنه بالرغم من اقتراب الموعد النهائي المحدد لإتمام المرحلة الأخيرة من الاتحاد النقدي الخليجي، إلا أن «أحداً لا يبدو مستعجلاً. فالقيادات الاقتصادية لا تزال غير مقتنعة، كما أن الرأي العام يساوره الشك حول آفاق العملة موحدة. وباستثناء بعض الدوائر، فإن الإحساس باقتراب لحظة الحسم غائب تقريباً في منطقة مجلس التعاون الخليجي». وكانت لجنة محافظي مؤسسات النقد لدول المجلس قد بدأت اجتماعاتها امس في قصر المؤتمرات في جدة.

ومن المقرر أن يجتمع محافظو البنوك المركزية ووزراء المالية الخليجيون غدا (الاربعاء) في جدة، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الوحدة النقدية واختيار مقر وتفاصيل البنك المركزي.

والجدير بالذكر ان دول المجلس اتفقت على عدد من المعايير المالية الضرورية الخاصة باعتماد العملة الموحدة. لكن سلطنة عُمان أكدت أنها لن تتمكن من تلبية جميع الإجراءات المطلوبة لتحقيق الوحدة النقدية عام 2010، مضيفة أنها ستنضم إلى العملة الموحدة لاحقا.

وغيرت الكويت آلية سعر صرف الدينار إلى سلة عملات في مايو 2006 متخلية عن نظام ربط سعر الصرف بالدولار الأميركي المتراجع الذي تبنته عام 2003.

وفي تصريحات للصحافيين قال ناصر الشعالي، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مركز دبي المالي العالمي، إن العقبة الرئيسية التي تواجه الدول الخليجية تكمن في السيطرة على التضخم وخفض معدله، وانهم بحاجة لامتلاك الادوات الضرورية لذلك. وأضاف أن ذلك غير ممكن في ظل ربط العملة بالدولار وان هناك حاجة الى بديل ربما يكون سلة عملات.

وأكد السعيدي أن إنشاء بنك مركزي خليجي يتبنى سياسة نقدية تسهم في تحديد معدل مستهدف للتضخم من شأنه أن يعزز ثقة المستهلك بأسواق المال بمجلس التعاون الخليجي.

ووفقا للتقرير فإنه، وفي الوقت الحاضر، ليس واضحاً ما إذا كانت إدارة السياسة النقدية ستتم من قبل مصرف مركزي على غرار المصرف المركزي الأوروبي، أو سيتم اتخاذ القرارات في اجتماعات محافظي المصارف المركزية والهيئات النقدية الوطنية، إما وفق قواعد تصويت معينة أو بالإجماع.

واشار التقرير الى أن مليار دولار سيكون رأس مال كافيا للمصرف المركزي الخليجي المقترح. وذكر ان «من الواضح أن حقوق التصويت ستكون موضع جدل في المرحلة التحضيرية: هل سيتم اعتماد أسلوب المصرف المركزي الأوروبي القائم على قاعدة «رجل واحد صوت واحد»، أم ستكون هناك متراجحة تصويت شبيهة بتلك المعتمدة في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي»؟

ويرى التقرير أنه من الأفضل تأسيس مصرف خليجي مركزي تحت إدارة مجلس تنفيذي وبرئاسة شخصية «تحظى بالاحترام». على أن ينضم محافظو المصارف المركزية والهيئات النقدية الوطنية إلى المجلس التنفيذي لتشكيل لجنة السياسة النقدية، وهي الهيئة الرئيسية المسؤولة عن اتخاذ القرار في الاتحاد النقدي الخليجي.

ويذكر التقرير أنه يمكن توزيع حقوق التصويت تبعاً لحجم الناتج المحلي الإجمالي أو وفق حصة مرتكزة على مؤشرات الحجم الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي، عدد السكان، التجارة، القيمة السوقية)، مع تخصيص حصة 20 في المائة للمجلس التنفيذي.

ويلفت التقرير أنه يمكن لحالة عدم اليقين الراهنة أن تشكل عقبة أمام السعي إلى عملة موحدة وتسبب مشكلة في إدارة السياسة النقدية فيما بعد. ويمضي التقرير موضحا «إن ولادة عملة موحدة في مجلس التعاون الخليجي قادرة على إثبات نفسها عالمياً تحتاج إلى عملية اتخاذ قرار فاعلة وإلى تفاعل مستمر مع المشاركين في السوق والمستثمرين وعامة الجمهور. ومن هنا، لا بد من مواجهة الشك السائد بإحراز بعض التقدم في المرحلة التحضيرية وإظهار التزام سياسي قوي إزاء النتيجة النهائية. ومن شأن الإعلان عن تأسيس المصرف الخليجي المركزي والتحرك سريعاً في هذا الاتجاه أن يبعث إشارات التزام واضحة من قبل السلطات ويحدد اتجاهاً واضحاً للأسواق والمستثمرين والمواطنين، بحيث يشكل لبنة أساسية للتكامل الاقتصادي المتزايد ويعطي دافعاً قوياً لأسواق رأس المال الخليجية الناشئة».

ويعتبر التقرير أن قيام اتحاد نقدي في مجلس التعاون الخليجي يمثل أحد العوامل الرئيسية المساعدة للدول الأعضاء في مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة، والاضطرابات المالية العالمية الحالية، وفي إيجاد دور أقوى وصوت أكثر تأثيراً في البيئة الاقتصادية العالمية الجديدة. «وسيكون من المؤسف حقاً أن تضيع مثل هذه الفرصة التاريخية. فالجغرافيا الاقتصادية للعالم تتغير مع اكتساب اقتصادات الأسواق الناشئة دوراً أكبر، كما أن هذا التغيير سيتجلى على شكل جغرافيا مالية عالمية جديدة. ومن شأن ولادة المصرف الخليجي المركزي أن تعزز هذه الجغرافيا المالية الناشئة وترسخ المكانة العالمية الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي».

ويؤكد التقرير أن المستثمرين الدوليين، والمصارف المركزية حول العالم، سيتولد لديهم اهتمام كبير بامتلاك الأصول المُصدرة بالعملة الخليجية المشتركة الجديدة كملاذ آمن وتحوط من تقلبات النفط والتضخم، وبالتالي تعزيز الدور العالمي للعملة. ويرى التقرير أن العملة الجديدة ستكون إحدى العملات الخمس الرئيسية في العالم، «الأمر الذي من شأنه تعزيز تطور الأسواق المالية المحلية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وزيادتها عمقاً».

وبشأن المصرف المركزي المرتقب يقترح التقرير تأسيس مصرف مركزي خليجي جديد بكادر عمل ومجلس تنفيذي خاصين به. «ومن شأن ذلك تعزيز السلطة والاستدامة للتدبير المؤسسي وتوفير شريك فاعل للمصارف المركزية الرئيسية في العالم والأسواق المالية الأخرى. ويمكن إعادة توظيف المختصين ذوي الخبرة العالية من الأسواق العالمية، والمصارف المركزية الوطنية، والمؤسسات الدولية لتحقيق نوع من تخصيب الخبرات المتبادل، وهي عملية ضرورية لمستقبل منطقة يتزايد وزنها الاقتصادي والمالي على الصعيد الدولي، وكذلك أهميتها في الاستقرار المالي العالمي».

وفي إطار الاستعداد لإطلاق العملة الموحدة، يقول التقرير إنه يجب عدم ترك المرحلة الانتقالية بيد مؤسسة مؤقتة لا تمتلك سلطات قوية، على غرار مؤسسة نقدية، «بل يجب تأسيس المصرف المركزي الخليجي بأسرع وقت ممكن، بحيث يمتلك سلطة قوية تسمح له بتمهيد الطريق وإزالة العقبات أثناء اختبار وتعديل آليات صنع القرار في جميع المجالات. وقد أشاعت التقلبات المالية الأخيرة وحالة عدم اليقين المالية العالمية إحساساً بأهمية الإسراع بالمشروع، فالانفتاح المالي والاقتصادي العالمي المتزايد لدول الخليج العربية يتطلب تنسيق السياسات ووضع خطة عمل مركزة ضمن إطار سياسة اقتصادية واضحة المعالم، وذلك تفادياً لخطر الانجراف في سيل التطورات التي لا تمتلك الدول منفردة القوة الكافية لمقاومتها أو السيطرة عليها».