التباطؤ ساهم في انخفاض الأسعار بسبب انكماش الطلب من الاقتصادات الناشئة

الانكماش يهدد الاقتصادات الناشئة

انخفاض معدلات التصدير يضعف معدل النمو في الصين إلى 9% («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت أعراض الانكماش الاقتصادي في الظهور على الدول النامية بما فيها الصين والهند، وهما الدولتان اللتان أدى النمو الهائل فيهما إلى انتشال مئات الملايين من الأفراد من براثن الفقر خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك تزامنا مع بدء ظهور تأثير الانكماش الاقتصادي، الذي بدأ في الولايات المتحدة، على جميع دول العالم.

وقد أدت المخاوف من تعرض الأسواق الناشئة للتباطؤ العالمي إلى رفع سعر صرف الدولار خلال الأسبوع الجاري. واستمر المستثمرون في الخروج باستثماراتهم من المناطق التي كانت تتسم بالقوة مثل روسيا، والاتجاه بها إلى استثمارات تغلب عليها عملة الدولار وتتسم بأنها أكثر أمانا.

وقد جاء ذلك التحول مع انخفاض أسعار السلع الواردة من الدول النامية لا سيما البترول، الذي انخفضت أسعاره بشدة.

وبالنسبة للعديد من هذه الدول، فإن التباطؤ المعتدل يمكن أن يكون خبرا سارا بالنسبة لها. فبعض اقتصادات هذه الدول كانت تنمو بشكل سريع مما كان يعمل على زيادة مخاطر التضخم وتهديد الانتعاش الاقتصادي على المدى البعيد. ومع ذلك، فإن التباطؤ يجابه أقوى البلدان الناشئة باختبار مهم. فبعد سنوات من النمو الكبير يجب على هذه الاقتصادات إعادة تحديد معايير السياسات الخاصة باقتصاداتها لتجنب التباطؤ الأعنف الذي يمكن أن يعوق إيجاد فرص العمل ويحد من الجهود الرامية إلى خفض معدلات الفقر وتحقيق الاستقرار السياسي.

ويقول مايكل هارتنت، الاستراتيجي المتخصص في الأسواق الناشئة ويعمل في مؤسسة «ميريل لينش»: «بصورة أساسية، فإن ما نشهده الآن هو أن العالم الناشئ يعاني من التباطؤ مثلما يعاني منه العالم النامي. وعلى الرغم من أن حجم هذا التباطؤ أقل كثيرا، إلا أنه يمثل جانبا سلبيا للاقتصاد العالمي. والسؤال الآن هو إلى أي مدى سوف يستمر هذا التباطؤ؟».

ومع ارتباط النظم الاقتصادية في كل من أوروبا واليابان بالاقتصاد الأميركي إلى حد كبير، من خلال طرق التجارة والأنظمة المالية، فإن هذه الاقتصادات كانت أول من تأثر بضعف الاقتصاد الأميركي واستمرت في المعاناة من ذلك التأثير. وقد عانت أسواق البورصة الأوروبية خلال هذا الأسبوع وحذرت المفوضية الأوربية الأربعاء الماضي من أن بعض أكبر اقتصادات المنطقة بما في ذلك بريطانيا وألمانيا وإسبانيا تتجه نحو الركود. وقد اتسم العالم النامي ببعض المرونة النسبية في مواجهة هذه الاضطرابات العالمية، لا سيما في مواجهة الأزمة التي عصفت بالعديد من الدول أثناء الأزمات المالية في آسيا وأميركا اللاتينية في عقد التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحالي. ولكن مع تباطؤ اقتصاد العالم الأول في الوقت الحالي، فإن الطلب على السلع والخدمات من الأسواق الناشئة تحفه الكثير من العوائق. ولم تحصل دول نامية عديدة على السيولة المالية بعد ارتفاع أسعار السلع إلا في الآونة الأخيرة فقط. ومع نمو الأسواق الناشئة بمعدلات تحسدها عليها الدول النامية، إلا أن هناك بوادر على تغيير الوضع في المنطقة الممتدة من شنغهاي إلى نيودلهي إلى ساوباولو. ففي الهند، تعاني قطاعات التقنية والخدمات من الضعف حيث إنها تستوعب تخفيض الإنتاج من جانب الشركات الأميركية. وفي الصين، فإن انخفاض معدلات التصدير يضعف معدل النمو من 12 في المائة في العام الماضي إلى 9 أو 10 في المائة في العام الجاري، في الوقت الذي انخفضت فيه بورصة شنغهاي بأكثر من 60 في المائة منذ أن وصلت للذروة في أكتوبر الماضي. وفي البرازيل انخفضت الصادرات في الشهر الماضي بعد أن كانت تشهد معدلات مرتفعة لعدة أشهر.

ورغم تمتعه بأموال البترول، إلا أن الاقتصاد الروسي شهد تباطؤا في أغسطس (اب)، وقد زاد من ذلك التباطؤ، سحب المستثمرين الأجانب لمليارات الدولارات من البلاد بعد غزو جارتها جورجيا. وفي الأسبوع الماضي، تدخل الروس في سوق العملة بصورة لم تحدث منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي لرفع قيمة عملتها ولحماية السندات الحكومية من الانهيار. وقد انخفض مؤشر البورصة يوم الخميس إلى أدنى مستوياته منذ يناير (كانون الثاني) 2006 . وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن هناك إيجابيات وسلبيات فيما يتعلق بتباطؤ النمو في البلاد النامية. فمن ناحية، نجد أن ذلك التباطؤ يسهم في انخفاض أسعار السلع التي ارتفعت أسعارها لسنوات بسبب الطلب المتزايد من جانب الأسواق الناشئة. ويعتبر خفض واردات البترول من قبل الصين ـ وهي ثاني مستهلك له في العالم حاليا بعد الولايات المتحدة ـ أحد العوامل التي تقف وراء الانخفاض الشديد في أسعار البنزين في الأسواق الأميركية خلال الأسابيع القليلة الماضية. وكذلك انخفضت أسعار الغاز الطبيعي والقمح والذرة بنسب كبيرة عن معدلاتها المرتفعة. ولكن من ناحية أخرى، فإن التباطؤ الذي تشهده أسواق الدول الناشئة يضيف إلى الانخفاض العام في النمو العالمي، الذي يتوقع انخفاضه بنسبة 4.1 في المائة خلال العام الجاري انخفاضا من 5 في المائة في عام 2007، حسبما أفادت بيانات صندوق النقد الدولي. ومن شأن ذلك أن يزيل العوائق أمام صادرات الولايات المتحدة التي كان لها أثر على رفع الاقتصاد خلال الربع الأخير. وقد كان ذلك حقيقيا بصورة خاصة في حالة الصين، حيث توجد هناك رغبة كبيرة في الحصول على المعدات الطبية الأميركية وفول الصويا والمنتجات البلاستيكية، ما جعلها أكبر سوق لسلع الولايات المتحدة خارج أميركا الشمالية. لكن ارتفاع سعر الدولار الذي يجعل من منتجات الولايات المتحدة أكثر تكلفة خارج البلاد أن يمحو المكاسب الأخيرة التي حققتها الصادرات.

وتعاني الأسواق الناشئة المرتبطة بالعالم النامي أكثر من غيرها من الأسواق الأخرى. فالمكسيك المرتبطة بالسوق الأميركية من خلال تجمع NAFTA شهدت تباطؤا قويا، ويرجع ذلك في جزء منه إلى انخفاض التحويلات من جانب المهاجرين في الولايات المتحدة بسبب فقدان وظائف البناء. وتتجه دول البلطيق مثل أستونيا ولاتفيا إلى الركود مع معاناة الاقتصاد الأوروبي من ضغوط التباطؤ في الولايات المتحدة، حيث تقل التدفقات الاستثمارية التي كانت تتوالى على هذه الدول في السنوات القليلة الماضية. وفي جنوب الصحراء الأفريقية، ومع ارتفاع النمو إلى مستويات عالية خلال عقود بسبب ارتفاع أسعار السلع العالمية، فإن هناك فرصا ضئيلة للسير في ركاب التباطؤ العالمي، ويرجع ذلك جزئيا إلى استمرار الطلب من جانب الصين. وتتدفق الاستثمارات الأجنبية مع مراهنة المستثمرين على أن المنطقة سوف تشهد نموا اقتصاديا واعدا. ومع عدم انهيار أسعار السلع بصورة حادة، فإن خفض الأسعار إلى حد ما سوف يساعد دول جنوب الصحراء الإفريقية على ترويض التضخم الذي يعتبر أحد الأمراض الاقتصادية التي يعاني منها العالم النامي.

وليس هناك مكان أفضل من الصين لرؤية التوازن الاقتصادي، وهي القوة التي لا نزاع عليها بين الدول النامية، فهي الآن سوق تصدير مهمة لعدد كبير من دول العالم. ومع تباطؤ النمو الصيني، فإن صانعي السياسة في بكين يغيرون أساليبهم. وقد كانت هناك مخاوف من أن العملاء ورجال الأعمال سينفقون الكثير من الأموال مما يتسبب في زيادة التضخم. لكن يبدو ان الحكومة قررت أن النمو الأبطأ هو التهديد الأكبر للاقتصاد، حيث تحركت في الأسابيع القليلة الماضية إلى تسهيل الإقراض للبنوك الإقليمية التي يمكن أن تقدم قروضا أكثر لصغار ومتوسطي رجال الأعمال.

ولدى الصين بطاقة متميزة أخرى تتمثل في احتياطيها من العملة والبالغ تريليوني دولار، حيث تنفق منها على مشروعات البنية التحتية العملاقة التي تعمل على تغذية الاقتصاد المحلي. وتشير كل الدلائل إلى أن النقد سوف يتدفق. وفي الوقت الذي انفقت فيه الصين نحو 42 مليار دولار على دورة الألعاب الأولمبية فإن من المتوقع أن تنفق الآن نحو 180 مليار دولار من أجل إعادة المناطق التي دمرها زلزال سيشوان في شهر مايو (أيار) حسبما أفاد نيكولارس لاردي، الزميل الاول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

ويقول لاردي «إن لديهم المال لينفقوه والأماكن التي ينفقونه فيها. لكنني أعتقد أيضا أن مشاركة الصين في النمو العالمي سوف تنخفض بمرور الوقت وسوف ينخفض طلبها على الطاقة. ولا يمكن النظر إلى الصين على اعتبار أنها سوف تستمر على ما هي عليه في ظل النظام العالمي».

وقد أفاد المحللون على مدى سنوات بأن الصين سوف تواجه تحديا كبيرا أثناء فترات الركود العالمي، حيث سيكون لزاما عليها التطلع إلى الطبقة المتوسطة من أجل تغذية توسعها الاقتصادي. ويمثل الطلب من جانب المستهلكين حاليا نحو 35 في المائة فقط من اقتصاد الصين، وهو نحو النصف من الطلب في الولايات المتحدة. ولا يدري أحد إلى أي مدى يمكن أن يستمر إنفاق العملاء في الصين. ومع تباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الشركات الغربية تحاول تدبر أمرها عاجلا وليس آجلا. فمالك سلسلة الوجبات السريعة، يوم براندز، يرغب في تأسيس 500 محل لـ«كنتاكي» و«بيتزا هات» في الصين خلال العام الجاري، حيث يرغب في أن يكون العدد الإجمالي لمحلاته 3 آلاف. وتجذب سلسة محلاته العديد من الصينيين. ونتيجة لذلك، فإن سلسلة محلاته هناك تربح ضعف ما تربحه محلاته في الولايات المتحدة، ما يتيح له تغطيه تكاليف محلاته التي تبلغ 500 الف دولار لكل منها، خلال عامين فقط، مقارنة بخمسة أو ستة أعوام في الولايات المتحدة. وتمثل الصين حاليا نحو 25 بالمائة من أرباح براندز على مستوى العالم، وقد كانت تمثل نسبة صفر منذ 10 أعوام. وخلال ثلاث سنوات، فإن الشركة تتوقع أن تصل أرباحها إلى حجم أرباحها في أكبر سوق لها وهي الولايات المتحدة.

ويقول تيم جيرزيك، وهو النائب الأول لشركة «يوم»: «لا نشهد تباطؤا في أي من مطاعمنا. وأعتقد أن المشكلة تكمن في أن إجمالي الدخل المحلي في الصين نما بنسبة تفوق 10 في المائة على مدار عدة سنوات ولكن حتى إذا نما بنسبة 8 بالمائة خلال السنوات الخمس المقبلة، فإنه ما زال يماثل ثلاثة أضعاف معدل النمو في الولايات المتحدة، وذلك شيء رائع بالنسبة لنا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»