طربيه: الصناديق السيادية العربية تستثمر لآجال طويلة والخسائر الدفترية الحالية قد تتحول أرباحاً

رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب لـ«الشرق الأوسط» : إنقاذ المؤسسات الاستراتيجية يمنع انهيار النظام المالي الدولي

د. جوزف طربيه
TT

رأى رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، الدكتور جوزيف طربيه، أن الخيار الوحيد المتاح امام السلطات المالية والنقدية الدولية هو التدخل المباشر لدعم المؤسسات ذات الطابع الاستراتيجي والحؤول دون انهيارات متتالية يصعب مواجهتها في مرحلة لاحقة.

وحث السلطات المالية والنقدية العربية على الاستعداد لأي تدخل إنقاذي مشابه ربطا بتداعيات الازمة المالية الدولية، وبذل الجهود الممكنة للحد من اضطراب اسواق المال والتخفيف من حالة الهلع التي تفشت سريعا في أوساط المستثمرين وحاملي الأسهم والأوراق المالية المصدرة من مؤسسات عربية، خصوصاً تلك التي لا علاقة مباشر لها بما يحدث في العالم.

وأكد طربيه في حديث لـ«الشرق الأوسط» وجود تأثيرات مباشرة وغير مباشرة للتطورات المالية الدولية على الأسواق والمؤسسات العربية بما في ذلك المؤسسات المالية والمصرفية، لكن حجم هذه التأثيرات وماهيتها يبقى مرهونا بهدوء العاصفة أولا ورصد المنحى الجديد لأسواق المال واتجاهات الأسهم والأوراق المالية، فما يتم تصنيفه كخسائر حاليا نتيجة التراجع العنيف لبعض الأسواق يبقى في التصنيف الدفتري ما لم يتم التخلي عن المحفظة الاستثمارية أو إعلان إفلاس المؤسسة صاحبة الإصدار. وهو قابل للعودة الى قيمه الأصلية وربما يصير مربحا في المستقبل الذي يتحدد آجاله بين قريب ومتوسط وبعيد وفقا لفعالية الإجراءات المتخذة ومدى قدرة الأسواق على الانتعاش.

وقال: «ليس سرا أن الصناديق العربية، خصوصاً السيادية توظف مئات المليارات في أصول واستثمارات خارجية وربما زادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة تبعا لتدخلها ودورها في حماية النظام المالي والدولي، لكن ما هو مطمئن في هذا المجال، ان التوظيفات والاستثمارات العائدة لهذه الصناديق تكون غالبا لآجال طويلة ولا تنسحب نتيجة أزمة أو اختلالات سوقية، وهذا يشكل عنصر حماية جيدا لها من دون إغفال ما تتكبده من خسائر وأعباء في حال حصول عمليات انهيار او إفلاس على غرار ما حصل اخيرا في بعض المؤسسات المالية الكبرى».

وأضاف: «أما المصارف والمؤسسات المالية العربية فهي تعتمد منهجية مختلفة في التوظيف تقوم أساساً على الإقراض والتسليف في سوقها الأساسي ومن خلال منتجات تفرض وجود ضمانات كافية ومناسبة لدى العملاء سواء على مستوى الشركات corporate أو على مستوى الأفراد Retail، فضلاً عن الاعتمادات المستندية والقروض المشتركة وغيرها من الأدوات الآمنة عموماً، ولكن يوجد لبعض المصارف محافظ من أوراق مالية وأسهم في مؤسسات دولية التي يمكن ان تقع تحت تأثير الازمة الحالية مع التشديد على عدم تصنيفها كخسائر إلا اذا تحققت الخسارة فعلياً. فالسعر السوقي للورقة يتغير دفترياً فقط في حال عدم تنفيذ عملية البيع. وهذا التغير يحتمل الزيادة كما النقصان. وبإمكان المصارف أخذ مخصصات موازية من باب الوقاية. وهذا أمر نحبذه وندعو اليه في هذه الأزمة بانتظار عودة الهدوء والانتظام الى الأسواق، وحصر الأضرار والخسائر وتحديد سبل معالجتها بحسب حجمها وتأثيرها على عمل المؤسسة ككل».

وقال طربية «نحن على ثقة تامة بأن السلطات المالية والنقدية العربية تواكب عن كثب حيثيات الأزمة المالية الدولية وتداعياتها. وتسعى لحصر انعكاساتها وتأثيراتها على الأسواق والمؤسسات. وتملك ما يكفي من سلطة القرار والامكانات لمنع أي انهيارات مؤسساتية ذات طابع استراتيجي أو سيادي يصيب بالضرر الشرائح الاجتماعية والمصالح الاقتصادية الأساسية».

وأضاف: لقد كشفت الأزمة الحاضرة وما أفرزته من إفلاسات وانهيارات في مؤسسات وشركات كانت الى الأمس القريب تتمتع بسمعة عالية وتصنيف مرتفع. أهمية التوجيه المدروس للتوظيفات والاستثمارية وضرورة تنويعها في الأسواق والقطاعات والمنتجات، كما كشفت مع الأزمات السابقة، عدم صوابية اعتماد مؤشر التصنيف كمقياس وحيد أو ذي أولوية في اتخاذ القرار الاستثماري، ومن الضروري أن يتم اعادة هيكلة وترتيب عوامل الثقل المؤثرة في القرار النهائي. ونحن نعتقد أن المعرفة المباشرة بالسوق وبالمؤسسة يجب أن تتقدم على معيار التصنيف. كما يتوجب عدم الانجرار وراء الاغراءات بدون التدقيق في الأسباب الفعلية التي تدفع بعض المؤسسات الى منح ارباح وعوائد تفوق المتوسطات السوقية للأوراق المالية والأسهم، فضلاً عن اهمية التنويع الجغرافي والقطاعي في المحفظة الاستثمارية».

وشدد طربيه على أهمية تطوير هيكليات وأعمال المؤسسات المعنية بالاستثمار ومنها الصناديق السيادية، خصوصاً لجهة زيادة الشفافية واعتماد المعايير المحاسبية والرقابية الحديثة. ووضع مواصفات مهنية عالية لمن يتبوأ المناصب الإدارية العليا صاحبة القرار وتفعيل دور مجالس الإدارات لجهة المشاركة في القرارات الاستثمارية وتوجيهها. والتطوير العلمي والتدريبي المستمر للكادر الوظيفي، بما يؤدي في المحصلة الى تكامل وتفاعل ايجابي بين استراتيجيات التوظيفات وكفاءة الأنظمة الداخلية والرقابية والوظيفية في التعامل مع المخاطر المحتملة.

وحول الحجم الفعلي لخسائر الأزمة المالية الراهنة قال طربيه: الخسائر في العلم المالي والمحاسبي هي ما تحقق فعلاً مثال انهيار «ليمان براذرز» وغيره وأرقامها بمئات المليارات من الدولارات موزعة على مؤسسات وشركات أميركية وغير أميركية. أما الخيار الذي اتبعه الاحتياط الفدرالي مع مجموعة «ايه.آي.جي» (A.I.G)، وهي أكبر شركة تأمين في العالم، فكان انقاذياً، وكذلك الحال بالنسبة إلى خيار شراء مؤسسة «ميريل لينش» من قبل «بنك أوف اميركا». وقد يقود هذا الى اعادة التوازن وربما الى نتائج ربحية. لذا فإن أي تقييم مبكر لحصيلة الخسائر سيكون تقديرياً وهو ما يتنافى مع الاصول العلمية. ونحن ننتظر هدوء العاصفة وظهور كامل تداعياتها المباشرة وغير المباشرة مع التأكيد بأن الانتعاش النسبي الذي عمّ الأسواق الدولية تمدد فوراً الى سائر اسواق العالم. وهذا ما يبدل في التقديرات وقد يبدل لاحقاً في تصنيفها.

ودعا الى «اطلاق مبادرات تنسيق من دين الهيئات المالية العربية ومجلس محافظي البنوك المركزية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب واتحاد المصارف العربية وصندوق النقد الدولي وصناديق التنمية والاستثمار وغيرها من الهيئات الفاعلة في القطاعات الخاصة بهدف تقويم الازمة اسباباً ونتائج ودروساً وصياغة اقتراحات مجدية لاعادة هيكلة وتوجيه بعض الاستثمارات العربية».

وتوقع حصول تغييرات جدية في التوظيفات والاستثمارات العربية الخارجية وقد يرتد بعضها الى المنطقة. وهذا ما يحتم على الحكومات تسريع جهودها وخطواتها لتحسين مناخات الاستثمار في البلدان العربية، وزيادة قدرة الاسواق قانونياً وعملانياً على استيعاب استثمارات جديدة، واطلاق خطط تنموية ضرورية، بل ملحة في بعض البلدان، مع اتاحة الفرص المناسبة لمشاركة القطاع الخاص والرساميل العربية، والتوقف عن لوم المستثمرين افراداً ومؤسسات على خلفية توجيه توظيفاتهم الى الخارج، فالاستثمار يبحث عن الفرص المجدية لكنه يشترط اساساً المناخ الملائم، وهذا ما يتطلب بيئة قانونية وتشريعية وعملية فضلاً عن اتخاذ اجراءات جدية لمكافحة الفساد واستغلال السلطة والبيروقراطية.

ورداً على سؤال أخيراً حول مدى تأثر لبنان ومؤسساته بالأزمة الحاضرة، جزم طربيه بعدم وجود اي تأثيرات أو أضرار بسبب عدم انغماس المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية في الاستثمارات والتوظيفات الخارجية، وتفضيلها توجيه محافظها الى الإقراض والتمويل الداخلي الذي يشمل الحكومة والقطاعات الخاصة، علماً أن مصرف لبنان يضع معايير متشددة وحدوداً متدنية لأي توظيفات تتجه الى الخارج.