تساؤلات حول التكاليف الطويلة المدى لخطة الحكومة الأميركية

هل تدخل الحكومة كاف لإنقاذ النظام المالي

تشديد الإجراءات على القروض خطوة تصحيحية لا يمكن تجنبها («الشرق الأوسط»)
TT

مع تدخل الحكومة الفيدرالية في قلب الأزمة المالية، بوضع الخطط لشراء ديون القروض العقارية المعدومة تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات، يظهر سؤالان بسيطان: هل سيكون هذا التدخل كافيا لاستعادة النظام؟ وهل سيتحمل دافعو الضرائب هذه التكلفة الهائلة؟

في الأسابيع الأخيرة، كشفت وزارة الخزانة، بصفتها مشرفة على النظام المالي، عن مجموعة كبيرة من المبادرات لمحاولة تجنب وقوع الكارثة. فقد استحوذت على أكبر شركات التمويل العقاري في البلاد وخصصت مليارات عديدة من دولارات دافعي الضرائب من أجل مساعدة المقرضين الآخرين.

والآن على الرغم من العمل على التفاصيل، استغنت الحكومة عن إنقاذ شركة واحدة فورا، بل أخذت على عاتقها شراء مجموعة كبيرة من الديون المعدومة مرة واحدة.

إذا حدث وتم تجاوز هذا الأمر، إذا أصبح العم سام مستودعا لبقايا الرهونات العقارية المعدومة، هل ستمر الأزمة؟ هل يزول الخوف الذي جعل البنوك تتمسك بأموالها، مما يعطش سوق رأس المال، ليحل محله تدفق ائتماني حر.

السؤال الأكثر شمولا هو: ما هي التكاليف طويلة المدى الناتجة عن تدخل الحكومة من خلال استعادة النظام بعد أن أصبح العديد من أصحاب المؤسسات المالية الأثرياء أكثر ثراء من خلال ما يبدو الآن مثل المراهنات المتهورة في مجال العقارات، وهي القروض التي تغطيها الآن الأموال العامة؟

يشكك البعض في الحكمة من إضافة المزيد إلى الديون الإجمالية للبلاد في الوقت الذي تعتمد فيه الخزانة على سخاء الأجانب لتغطية النفقات. ومع ذلك، هناك اتفاق تام على أن تدخل واسع النطاق مثل ذلك الذي تقترحه الوزارة الخزانة أمر ضروري.

وقل آلان بليندر، الخبير الاقتصادي في برنستاون ونائب رئيس مجلس المحافظين السابق في الاحتياطي الفيدرالي، الذي ذكر منذ شهور أنه يجب على الحكومة أن تتدخل بقوة لشراء استثمارات تتصل بالقروض العقارية «هذا الأمر سينجح، فسوف يحسن من الوضع على نحو كبير».

ولكن تواجه الخطة نسبة عالية من التشكك. ووفقا للاقتراح الذي تم تداوله يوم السبت، يمكن لوزارة الخزانة أن تنفق ما يصل إلى 700 مليار دولار على شراء استثمارات تتعلق بالقروض العقارية، ثم تبيع ما تستطيع بيعه أثناء دراستها للتفاصيل غير المنظمة لهذه الديون. ولكن لا أحد يعرف حقيقة كم ستكون قيمة هذه الشبكة المالية المعقدة الواسعة إلى أبعد حد، مما يجعل السعر النهائي الذي سيدفعه دافعو الضرائب غير معروف. تماما كما يحاول أحد الأشخاص التنبؤ بحالة الجو لمدة ثلاثة أعوام بدءا من يوم الثلاثاء.

بالإضافة إلى ذلك، ما هي الرسالة الموجهة الآن لبنك استثماري تال يسقط في فقاعة المضاربة القادمة، ويفكر في مخاطر التورط في الأمر مع التساؤل حول من يصبح في وضع خطير إذا تأزمت الأمور؟

وصرح العديد من خبراء الاقتصاد أن مثل هذه الأسئلة ليست مهمة. فالبلاد تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير. قبل ليلة الخميس، عندما أعلن وزير الخزانة ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي والقادة في كابيتول هيل عن نواياهم في شراء الديون المعدومة، تحولت التوقعات بالنسبة للنظام المالي الأميركي من القتامة إلى الغموض.

وقال بليندر: «لقد بدا الأمر وكأننا سنسقط في الهاوية.» وأثناء مناقشة تفاصيل خطط الحكومة، لم تكن ترانيم الشكر تتردد في واشنطن، أو في وول ستريت أو في الأبراج السكنية المتلألئة، حيث يعاني الكثير جدا من الأسر من مشاكل في تسديد القروض العقارية. وأصبح العديد بلا عمل. وأصيب العديد من البنوك بأضرار بالغة.

ولكن أسكتت إمكانية الحكومة في الخوض في قلب هذه الأزمة، لحماية الأسر من الحجز عليهم، والبنوك من الإفلاس، الحديث عن أكثر الاحتمالات الكارثية: نقص حاد في الائتمان قد يعوق توافر الموارد المالية لعدة أعوام، مما يوقف النمو الاقتصادي.

وقال الخبير الاقتصادي نوريل روبيني من كلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك «لقد قلت الآن مخاطر أن نصبح مثل اليابان، ونعاني من 10 أعوام من الركود. وقد غادر قطار الركود المحطة، ولكنه سيستمر لمدة 18 شهر بدلا من 5 أعوام».

إذا نجحت الخطة، فستستهدف السبب المركزي للأزمة الاقتصادية الأميركية: الانخفاض المستمر لأسعار العقارات. لو استأنفت البنوك الإقراض بحرية أكبر، فسوف يصبح القرض العقاري متاح بيسر أكبر. سيمنح هذا المزيد من الأشخاص الفرصة لشراء المنازل بهذه الطريقة، مما يرفع أسعار العقارات أو على الأقل يمنعها من الهبوط أكثر من ذلك. وهذا سيمنع تردي أوضاع المزيد من الاستثمارات المتعلقة بالقروض العقارية، مما يرفع الضغط عن البنوك. ونتيجة لهذا، سينتهي الهبوط الحالي، ويبدأ الارتفاع.

بالنسبة للعديد من الأميركيين، كانت الأحداث التي أصابت وول ستريت بالشلل والذعر في الأيام الأخيرة، انهيار مؤسسات كانت من المفترض أنها محصنة، وتدخل حكومي بإنفاق مبلغ مكون من 11 رقم، أمر يكتنفه غموض أكثر من كونه صدمة. ظهرت العناوين الرئيسية لتعلن أن دافعي الضرائب الآن يملكون شركات التمويل العقاري العملاقة فاني ماي وفريدي ماك، بالإضافة إلى ديون الهيكل الضخم الغامض لشركة أميركان إنشورنس غروب، الذي يعمل، كما هو مفترض من أجل التأمين ضد عدم الوفاء الشركات بالديون. هذه الشركات، مثل زائدة الإنسان، كان وجودها ضعيفا بالنسبة للكثيرين حتى بدأ الألم.

ولكن هذه المؤسسات متشابكة للغاية مع الاقتصاد الأميركي. فعندما يصبح النظام المالي في خطر، سيتوقف الاستثمار والإقراض مما يحرم الأشخاص من الحصول على تمويل من أجل شراء منازل، وسيارات والإنفاق على التعليم. ولن تتمكن المشروعات التجارية من الاقتراض لكي تبدأ أعمالها أو تتوسع فيها.

إن الأزمة المالية التي تسيطر على الولايات المتحدة هي النتيجة المباشرة للإفراط في المضاربات العقارية الذي بدأ في مطلع هذا العقد. وبمجرد بدء انخفاض قيمة المنازل منذ عامين، واجهت المؤسسات المالية التي كانت قد ضخت رؤوس أموال في العقارات مشكلة كبيرة.

وعلى مدى العام الماضي، أعدمت مؤسسات مالية كبرى الواحدة تلو الأخرى استثمارات تتعلق بالرهونات العقارية بقيمة مليارات الدولارات. واستسلمت بعضها للعاصفة. ويقول البعض أن تشديد الإجراءات على القروض خطوة تصحيحية لا يمكن تجنبها. على مدار ربع قرن، أصيب الاقتصاد الأميركي بالتخمة من الأموال المقترضة، بدءا من الاستثمارات المضاربة والتي نتج عنها انتعاش شركات الإنترنت إلى الاقتراض المفرط الذي جعل المنازل في لاس فيغاس مثل مخازن التكنولوجيا.

يقول مارك فينتر، كبير الاقتصاديين في واتشوفيا في تشارلوت في نورث كارولينا «كان الحصول على قروض أمر سهل لمدة طويلة، والآن أصبح الأمر مشدد الإجراءات. إنه تصحيح ضروري على الرغم من أنه شاق».

يقول آخرون إنه في الأسابيع القليلة الأخيرة، تحول عصر الأموال السهلة إلى النقيض تماما: تردد واسع الانتشار في الإقراض.

فقد الاقتصاد منذ بداية هذا العام حوالي 600 ألف وظيفة، حيث أنه إذا لم تستطع الشركات القوية الحصول على تمويل، فلن تستطع التوسع أو تعيين موظفين.

وأضاف بيرنشتاين «ما نراه الآن هو نسخة مكبرة لما كنا فيه منذ أغسطس (آب) الماضي. نحن نشهد موتا مفاجئا بدلا من نزيف بطيء.» ولا أحد يعرف حتى الآن مقدار الخسائر. فقد اعترف النظام المالي بخسائر بلغت 400 مليار دولار حتى الآن، كما يقدر روبيني، ولكن يوجد 1.1 تريليون دولار أخرى في الانتظار.

ومع تدخل الحكومة من أجل شراء الديون المعدومة، فإنها تهدف إلى إزالة الحطام وقطع الشكوك، لتشجع البنوك على الإقراض مجددا. وحول ما إذا كانت ستفلح على المدى الطويل فذلك سؤال ينتظر رد فعل المستثمرين. ولكن حتى أكثر الاقتصاديين تشككا يقولون إن هذا هو الطريق الذي يجب أن تنتهجه الحكومة من أجل بلورة الثقة بأن هناك إصلاحا حقيقيا قادما.

* خدمة «نيويورك تايمز»