الحكومة البريطانية تؤمم مصرف «برادفورد اند بينغلي»

ثاني بنك عقاري بعد «نورذرن روك» تستحوذ عليه خلال العام الحالي

TT

قررت الحكومة البريطانية أمس تأميم مصرف «برادفورد اند بينغلي» العقاري الذي يواجه صعوبات مالية في صفقة قد تكلف دافعي الضرائب ما يساوي 50 مليار دولار من القروض والديون العقارية. وقد تم نقل اصوله الآمنة التي تتضمن حسابات الادخار، والتي قدرت بمبلغ 20 مليار دولار الى مجموعة «سانتاندير» المصرفية الاسبانية، فيما تبقى اصوله المشكوك في تحصيلها على عاتق الدولة. وهذه هي المرة الثانية التي تختار فيها الحكومة البريطانية قرار تأميم البنوك في اقل من عام. وقال وزير الخزانة اليستر دارلينغ في مقابلة أمس مع هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بعد قرار التأميم ان المستثمرين فقدوا الثقة بأداء مصرف «برادفورد اند بينغلي» ولهذا قررت الحكومة التحرك السريع لتفادي الأزمة والحفاظ على توازن السوق والتأكد من السيطرة على الوضع والقطاع المالي بشكل عام. وعندما اندلعت ازمة مصرف «نورثرن روك» العقاري قبل عام لم تتحرك الحكومة بنفس السرعة واتهمت بالتقاعس وعدم قدرتها على اتخاذ المبادرات، وظلت تراوح مكانها في محاولة لبيع المصرف الى القطاع الخاص، الا ان ذلك لم يتحقق وباءت كل المحاولات بالفشل، وفي النهاية اضطرت الى تأميم البنك.

واضاف دارلينغ، الذي لا تتمتع حكومته العمالية بزعامة رئيس الوزراء غوردن براون بشعبية الناخبين حسب استطلاعات الرأي، «بعد الوضع المضطرب الذي تواجهه اسواق المال العالمية، وقع مصرف «برادفورد اند بينغلي» تحت ضغوط مالية ضخمة وبدأ يخسر ثقة المستثمرين والدائنين بخصوص قدرته على الاستمرار بأعماله كمؤسسة مالية مستقلة».

وأكد وزير الخزانة ان توجه الحكومة هذا سيحمي مدخرات العملاء وفروع المصرف والوظائف المرتبطة بها اضافة الى مراكز الاتصال التابع للبنك ونشاطاته على شبكة الانترنت.

ومن هنا قامت الحكومة ببيع اصوله وقسم من ادخاراته الى مجموعة «سانتاندير» التي اوضحت في بيان انها ستدفع 612 مليون جنيه استرليني (حوالي 773 مليون يورو) لشراء حوالي 200 من فروع برادفورد اند بينغلي وقسم حسابات الادخار من نشاطاته.

وتنقل العملية الى المجموعة المصرفية الاسبانية، التي سبق أن اشترت مصرف «آبي» البريطاني، وتقوم حاليا باجراءات شراء مصرف «آلاينس اند ليستر»، مسؤولية ودائع بقيمة عشرين مليار جنيه استرليني لزبائن «برادفورد اند بينغلي» عهدت بها الى مصرف «آبي».

واوضحت وزارة المالية ان الحكومة تحتفظ من جهتها بقسم الديون المشكوك بتحصيلها ومن ضمنه ملف القروض الذي يتضمن 50 مليار جنيه استرليني (90 مليار دولار) من الديون العقارية.

قرار الحكومة البريطانية لتأميم بنك «برادفورد اند بينغلي» المتخصص في القروض العقارية جعل منه ثاني بنك تتحول ملكيته الى الدولة هذا العام مع سقوط المزيد من الضحايا للازمة المالية في مختلف أنحاء العالم.

وجاء التأميم المتوقع، والذي لن يكون بالضرورة الأخير في هذا المجال كما يعتقد العديد من المحللين، بعد محادثات مكثفة خلال العطلة الاسبوعية لايجاد حل لا يتجاوز حدود القطاع الخاص. واضاف الوزير دارلينغ للإذاعة الرابعة (ريديو 4) «التظاهر بأن هناك حلا اخر دون ذكر أسماء وتفاصيل يبدو لي مثل التمسك بقشة. كان من الضروري اتخاذ خطوة حاسمة. وهذا ما فعلناه».

وأصبح برادفورد اند بينغلي أحدث ضحية للازمة المصرفية العالمية التي أدت الى سقوط بعض من أكبر المؤسسات المالية على مستوى العالم في الاسابيع الاخيرة خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت تضخ مئات المليارات من الدولارات لانقاذ العديد من المؤسسات المالية الآيلة الى الانهيار. وفي الولايات المتحدة اقتربت الادارة الاميركية من الفوز بموافقة الكونغرس على خطة لانقاذ القطاع المالي بقيمة 700 مليار دولار. وكان التأميم الجزئي لبنك «برادفورد اند بينغلي» من نصيب مجموعة «فورتيس» المالية البلجيكية الهولندية أول من أمس الاحد.

وتعني خطة استحواذ الحكومة على أنشطة الاقراض العقاري للبنك أن العمل فيه سيسير كالمعتاد لكنه يعني أيضا ان الحكومة ستصبح مسؤولة عن مزيد من الاصول مرتفعة المخاطر وذلك بعد سبعة أشهر من تأميم بنك «نورثرن روك» الذي كان يتبع نموذجا تمويليا مماثلا لـ«برادفورد اند بينغلي».

وبالرغم من هذه الأزمة، التي وصفها الوزير قبل عدة أسابيع في مقابلة مع صحيفة الغارديان انها الأسوأ منذ قرن، اكد دارلينغ ان القطاع المصرفي ما زال قادرا على تحمل المخاطر.

وقالت وزارته انه تم اللجوء الى خطة تعويضات الخدمات المالية التي تمولها البنوك يوم السبت لعجز البنك عن الوفاء بالتزاماته.

وتم صرف 14 مليار جنيه استرليني (25 مليار دولار) من خلال هذه الخطة لتمكين «برادفورد اند بينغلي» من نقل ودائع المتعاملين الى بنك «أبي سانتاندير» ووفرت وزارة المالية هذا المبلغ. وسيتعين على البنوك سداد المبلغ اذا لم تكن الاصول الباقية لـ«برادفورد اند بينغلي» كافية. وعلق رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، الذي تلقى عددا من الضربات السياسية أخيرا من خلال بعض اعضاء حزبه المتنفذين واستقالات بعضهم من حكومته ومحاولة بعض آخر تحدى سلطاته، قائلا ان خطوة التأميم تبين ان حكومته جادة في مساعيها وستعمل ما بوسعها من اجل الحفاظ على اتزان النظام المالي البريطاني. وعلق محرر «بي.بي.سي» المالي روبرت بيستون على الخطوة قائلا انها خطوة جيدة لصالح دافعي الضرائب وان خطورتها عليهم شبه معدومة، الا ان المعلق الشهير ويل هاتون كتب في صحيفة الأبزيرفر الأسبوعية معلقا على الاحداث قائلا انه صار له اكثر من 30 عاما يراقب الوضع المالي ولم يشعر بنفس الخوف الذي انتابه خلال الأسابيع الأخيرة. واعتبرت الحكومة هذه الخطوة انها تعيد الثقة لدافعي الضرائب لانها تحميهم من أية خسارات محتملة بسبب نظام التعويض للخدمات المالية، واضاف دارلينغ «ان هذا يعني انه اذا لم تكن اصول «برادفورد اند بينغلي» الباقية كافية، فإن العجز سيدفعه القطاع المالي»، لكنه اضاف ان هذا السيناريو احتمال حدوثه ضئيل جدا، ولا داع للخوض فيه الآن. واستبعد الوزير الخوض في الموضوع الآن بسبب الأوضاع العالمية، لكنه قال ان هذا يعني انه «في المستقبل عند تحسن الأمور، وحصل ان كان هناك عجز في ميزان البنك فإنه ستتم تغطيته من القطاع المالي بشكل عام».

الاختلافات السياسية بين الحزب العمالي الحاكم وحزب المحافظين المعارض تنطوي ايضا على اختلافات ايديولوجية يرجع تاريخها الحديث الى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عندما اجتاحت حمى الخصخصة حكومة مارغريت ثاتشر. وحكومة العمال عندما كانت في المعارضة وبعد وصولها السلطة ظلت خجلة من موضوع التأميم والخصخصة. وحتى عندما اندلعت الأزمة حاولت الابتعاد عن الموضوع بطرح مصرف «نورثن روك» اولا للقطاع العام لانقاذه قبل تأميمه خوفا من اتهامها بالاشتراكية من قبل المحافظين بعد تبني فلسفة «العمالية الجديدة» بقيادة رئيس الوزراء السابق توني بلير.

وأمس قال وزير الظل للخزانة جورج اوزبورن انه سيدرس الخطة التي قامت بها الحكومة للتأكد من انها غير مكلفة لدافعي الضرائب.