واشنطن: هل تشتري الوزارة قروض السيارات والطلاب؟

حرية مطلقة لوزارة الخزانة في نوعية الأصول التي تشتريها > شراء جميع الأصول يتطلب أكثر من 700 مليار دولار

يقول المسؤولون التنفيذيون للشركات أن تفاصيل الخطة ستحدد ما إذا كانت ستشارك وحجم هذه المشاركة (أ.ب)
TT

كان من المتوقع في حال إقرار خطة الانقاذ ان تتمتع وزارة الخزانة بحرية اتخاذ القرار بشأن ماهية الأصول التي تشتريها، وأي الشركات المالية التي يمكنها بيعها. كما ستتخذ الوزارة القرارات المتعلقة بحجم المبالغ التي سيتم دفعها، وستتولى تكليف شركات لإدارة عمليات الشراء بدون الحاجة للالتزام بالقواعد المعتادة الخاصة بالاستعانة بمقاولين. من جهته، أشار بولسون إلى أن تطبيق هذه القرارات سيستغرق عدة أسابيع. وستحدد النتائج المترتبة على تلك الإجراءات ما إذا كان مبلغ 700 مليار دولار كافياً للخروج من الأزمة المالية الراهنة. في هذا الصدد، أكد بولسون في إطار لقاء أجري معه أخيرا أن «هذا بالفعل موقف غير عادي، موقف غير عادي بصورة بالغة. ونحن بحاجة إلى المرونة، وإلى مجموعة متنوعة من الأدوات، وإلى تحديد السبيل للخروج من هذا الموقف في غضون أسابيع». وعلى الجانب الآخر، من غير الواضح إلى متى سيتحلى المستثمرون والمودعون داخل المؤسسات المضطربة، بالصبر. ومن غير الواضح كذلك ما إذا كان، في تلك الأثناء، سيتمكن النظام المصرفي من استعادة عافيته والخروج من حالة الشك والريبة الراهنة التي أسفرت عن تجميد تدفق القروض على الشركات الكبرى والصغيرة والأفراد. يذكر أنه بحلول نهاية الأسبوع، اقترب مصرفان أوروبيان من حافة الإفلاس، وهما «برادفورد آند بينغلي»، وهو مصرف بريطاني متخصص في تقديم قروض الرهن العقاري، وفورتيس، وهو شركة مصرفية وتأمينية عملاقة تتخذ من بلجيكا مقراً لها. في الوقت ذاته، ما تزال العديد من المؤسسات الأميركية تترنح تحت وطأة الأزمة الراهنة. ويعد التشريع الجديد أحدث حلقة في سلسلة من الجهود الحكومية لوقف موجة الإخفاقات المالية، التي بدأت فصولها بخسارة أعداد كبيرة من الأميركيين لمنازلهم. ويسمحُ مشروع القانون الجديد لوزارة الخزانة بشراء الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري التي تراجعت قيمتها بسبب رفع أيدي هؤلاء الأميركيين عن منازلهم المرهونة، وذلك على أمل تقليص المشكلات داخل المؤسسات المالية المضطربة وزيادة تدفق الأموال النقدية بها. ومع اقتراب العملية السياسية من محطتها الأخيرة، فإن ذلك يعني أن جهود مساعدة الأسواق المالية بدأت لتوها. أما أكثر القرارات خطورة التي يتعين على وزارة الخزانة اتخاذها؛ فهي كيفية الشروع في شراء الأصول المضطربة. من ناحيتهم، يقول المسؤولون إن الوزارة ربما تلجأ للاعتماد على توجهات مختلفة إزاء الأنماط المختلفة من الأصول، بدلاً من اتباع استراتيجية موحدة. أما الهدف من وراء الجهود الحكومية فليس تخليص الصناعة المالية من جميع الأصول التي تعاني من مشكلات وضمها إلى السيطرة الفيدرالية، وإنما ترغب الحكومة في تحديد أسعار معقولة للأصول التي تملكها المصارف، وذلك من خلال آلية شراء بعضٍ من هذه الأصول. حال نجاح هذه الخطة، ستتحول الأسعار التي دفعتها الحكومة إلى معيار جديد داخل السوق، الأمر الذي من شأنه المساعدة في رأب الفجوة القائمة حالياً بين الأسعار الأعلى التي تسعى المصارف للحصول عليها والأسعار الأدنى التي يعرضها المستثمرون. وأكد بولسون «أننا بحاجة إلى الثقة، وهذا الأمر برمته يدور حول الثقة». ومن الناحية العملية، تحاول الحكومة إنعاش الأسواق، ذلك أن شراء جميع الأصول التي تعاني من مشكلات سوف يتطلب أكثر من 700 مليار دولار بكثير. وتوضح الأرقام المتوافرة أن 20 من بين أكبر المؤسسات المالية على مستوى البلاد تمتلك رهونا عقارية يبلغ إجمالي قيمتها 2.3 تريليون دولار، وذلك في 30 يونيو (حزيران). علاوة على ذلك، تمتلك هذه المؤسسات أوراقا مالية تدعمها الرهون العقارية بـ1.2 تريليون دولار. ووفقاً للأوراق التي قدمتها الشركات إلى الوكالات التنظيمية، فإنها باعت استثمارات أخرى مرتبطة بالرهن العقاري بـ1.2 تريليون دولار، والتي احتفظوا بشأنها بديون محتملة بلغت مئات المليارات من الدولارات. ولا تتضمن هذه الأرقام الاستثمارات المستقاة من الرهونات العقارية بأساليب أكثر تعقيداً، مثل التزامات الديون التي تم وضع ضمانات إضافية لها. من جانبهم، يرى الخبراء أن خطة وزارة الخزانة قد تسبب أضراراً أكبرَ من الفوائد المترتبة عليه، ذلك أنه حال إقدام وزارة الخزانة على شراء أصول مضطربة بأسعار تصفية منخفضة، فإن الكثير من المصارف التي تملك اصولاً مشابهة سوف تضطر إلى خفض قيمة ممتلكاتها. وقد تدفع مثل هذه الخسائر بعض المؤسسات في مواجهة وضع خطير. في المقابل، حال دفع وزارة الخزانة أسعاراً أعلى من المطلوب، فإن دافعي الضرائب قد يخسرون مبالغ طائلة. من ناحيته، شدد ريتشارد إتش. بيكر، عضو الكونغرس السابق والرئيس التنفيذي لمنيجيد فندز أسوسيشن، وهي مؤسسة تؤيد صناديق التحوط، على أنه «هناك الكثير من التساؤلات حول كيفية القيام بذلك وتداعيات تنفيذه بشكل سيئ». ونوه بيكر بأنه أثناء أزمة المدخرات والقروض التي تعرضت لها البلاد أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، أنشأت الحكومة «رزولوشن ترست كوربوريشن» لشراء العقارات والأصول الأخرى الخاصة بالمصارف التي تعرضت للإفلاس. في نهاية الأمر، قامت «رزولوشن ترست كوربوريشن» ببيع بعض هذه الممتلكات بتخفيضات حادة داخل ولاية لويزيانا التي ينتمي إليها بيكر، مما تمخض عنه كساد أسعار العقارات بمختلف أنحاء العقارات. وتواجه وزارة الخزانة بعض العوائق أمام جهودها للمضي قدماً، وبمقدورها إلغاء الكثير منها حينما تشاء ذلك. ويركز البرنامج الحكومي المقترح على الرهون العقارية والأوراق المالية الأخرى المرتبطة بها ـ إلا إذا قررت وزارة الخزانة أنه من المهم شراء أنماط أخرى من الأصول، مثل قروض السيارات أو التي يحصل عليها الطلاب. وتخطط وزارة الخزانة للتركيز على الأوراق المالية المدعومة برهونات عقارية خلال الجولة الأولى من عمليات الشراء. وتركز هذه الجولة على الشراء من المصارف وشركات التأمين والشركات المالية الأخرى التي تقوم بعمليات كبرى داخل الولايات المتحدة ـ إلا إذا قررت وزارة الخزانة أنه من المهم الشراء من أي مؤسسات أجنبية تملك أصول خاصة بالرهن العقاري. كما تنوي وزارة الخزانة بزيادة تكاليف شركات خاصة لإدارة ما سوف تقوم بشرائه، ويمنح مشروع القانون المطروح داخل الكونغرس للوزارة سلطة إلغاء القواعد التي تحكم الاستعانة بالمقاولين. وعلق دوجلاس إلمندورف، زميل معهد بروكنجز، على الأمر بقوله «ما زال وزير الخزانة يتمتع بقدر كبير من حرية التصرف. والآن علينا الانتظار لنرى كيف سيختار أن يمضي قدماً». وقال مسؤولو الوزارة إن حرية التصرف والتقدير واسعة النطاق مهمة من أجل ضمان نجاح البرنامج وصحة النظام المالي. على سبيل المثال، يرمي تضمين الشركات الأجنبية إلى تشجيع تلك المؤسسات على إقراض المصارف المحلية، التي غالباً ما تعرض الأوراق المالية الخاصة بالرهون العقارية باعتبار أنها ضمانات إضافية. كما يستلزم مشروع القانون من وزارة الخزانة إنشاء برنامج تأميني تدفع فيه الشركات الخاصة مبالغ إضافية للحكومة كضمانات على أصولها. وبمقدور الوزارة صياغة الأسلوب الذي سيتم من خلاله تنفيذ هذا البرنامج. وإضافة إلى ذلك، تتمتع وزارة الخزانة بسلطة تحديد أي القيود ينبغي فرضها على الشركات الساعية للحصول على مساعدة الحكومة، بما في ذلك قيودٌ على التعويض التنفيذي، ونمط الأسهم التي ينبغي أن تشتريها الحكومة داخل الشركات، بحيث يستفيد دافعو الضرائب من الأرباح التي تحققها الشركات.

من الناحية العملية، من المحتمل أن يعني ذلك أن تدفع الشركات تكاليف مختلفة للمشاركة. ويقول المسؤولون التنفيذيون للشركات أن تفاصيل الخطة ستحدد ما إذا كانت ستشارك وحجم هذه المشاركة. وقال مسؤولو وزارة الخزانة إن المرونة مهمة من أجل ضمان استعداد الشركات للمشاركة. ويشعر البعضُ بالخوف من أن تمتنع بعض الشركات عن المشاركة، إما لإظهار قوتها المالية أو لتجنب فرض قيود عليها. ويذكر أنه عندما قام مصرف الاحتياطي الفيدرالي بتوفير قروض أمام المصارف الاستثمارية في وقت سابق من هذا العام، على سبيل المثال، تنحت بعض الشركات جانباً، خشية أن يفسر المستثمرون قيامها بالاقتراض باعتباره مؤشرا على ضعفها. من جهته، أعرب سكوت تالبوت، الذي يعمل لدى شركة فايننشال سيرفسز راوندتيبل، عن اعتقاده بأن البرنامج الحكومي سيجتذب مشاركة واسعة النطاق، لكن بعض أقوى المؤسسات المالية قد تمتنع عن المشاركة. وقال «لو كنت في موقف قوة، لن تكون بحاجة إلى المشاركة. وإذا كنت في موقف ضعف، ستقوم بذلك بغض النظر عن القيود المفروضة».

وفي إطار جهودها لهيكلة البرنامج، ستعتمد وزارة الخزانة على خبراء خارجيين. واختارت الحكومة بالفعل إدوارد فورست، نائب رئيس جامعة هارفارد، للعمل على صياغة التشريع والإشراف على إطلاق البرنامج. لكن فورست ينوي العودة إلى هارفارد بعد شهرين، حيث بدأ العمل كنائبٍ لرئيس الجامعة في الأول من سبتمبر (أيلول). وقال بولسون إنه سيعثر على مصدر مساعدة أطول أمداً، مشيراً إلى أنه «سوف نقيم منظمة ونكلف شخصا قويا بالفعل لإدارتها. وسوف نستعين بشخص يتفهم طبيعة الأسواق ويتميز بمهنية حقيقية كي ينضم إلى وزارة الخزانة ويدير المنظمة».

يذكر أن مشروع القانون أيضاً يفرض إعادة تقييم قواعد المحاسبة القائمة على التوافق مع السوق، التي بمقتضاها يتعين على المصارف والمؤسسات المالية الأخرى تعديل قيمة أصولها لتعكس الأسعار الراهنة في السوق، حتى لو كانت تنوي الاحتفاظ بالأصول على المدى البعيد. من ناحيتهم، ألقى المسؤولون التنفيذيون بالمصارف باللوم على هذه القواعد باعتبارها جزءاً من الأسباب وراء مشكلاتهم، مؤكدين أن البائعين المتوترين دفعوا أسعار السوق إلى أدنى من القيم الحقيقية، مما فرض عمليات تخفيض غير منطقية في الأسعار. جديرٌ بالذكر أن لجنة الأوراق المالية والصرف تتمتع بالفعل بالقدرة على تجاوز سلطة اللجنة التي تضع هذه القواعد المحاسبية، وهي لجنة المعايير المحاسبية المالية، لكن مشروع القانون يعيد التأكيد على أن لجنة الأوراق المالية والصرف لها سلطة تغيير القواعد المحاسبية المعتمد على السوق. كما يتضمن القانون المقترح أمراً بإجراء دراسة حول الدور الذي لعبته هذه القواعد في الأزمة الراهنة. من ناحيته، انتقد لين إي. تيرنر، المحاسب البارز السابق بلجنة الأوراق المالية والصرف هذا البند، حيث رأى أنه مصمم لإخضاع اللجنة لإرادة المصارف. وقال «ما قمنا به هنا هو القول دعونا ندرس ما إذا كان ينبغي السماح للمصارف بالكذب. وبغض النظر عن القواعد المحاسبية المعتمدة على السوق، ستواجه هذه المشكلة، وهي نفاد الأموال النقدية لدى المصارف. والأموال النقدية لديها تنفد بسبب تقديمها قروضا لأفراد لا يسددونها».

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»