هل أصبح العالم بحاجة عاجلة لنظام مالي جديد؟

الاتحاد الأوروبي يدعو واشنطن إلى تحمل مسؤولياتها > الرئيس البرازيلي يرفض أن تكون الدول الناشئة ضحايا «الكازينو» المالي الأميركي

الهزة المالية الأميركية القوية كانت لها ارتداداتها العالمية القوية
TT

تزداد الدعوات العاجلة الى ضرورة ايجاد نظام مالي عالمي جديد مع اشتداد فتك «انفلونزا» الأزمة المالية بالأسواق العالمية بفعل عدوى «الفيروس» الاميركي، الذي كانت الآمال معلقة لايجاد «مضاد حيوي» سريع له وفعال عبر خطة الانقاد المالي التي قدمتها ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، ورفضها مجلس النواب الأميركي أول من أمس.

وقد دعت المفوضية الأوروبية أمس الولايات المتحدة الى «تحمل مسؤولياتها» في مواجهة الازمة المالية العالمية، وذلك إثر رفض خطة الانقاذ المالي. وقال المتحدث باسم المفوضية يوهانس لايتينبيرغر «نتوقع ان يتم اتخاذ القرار (الخاص بتبني خطة الانقاذ) قريبا، وعلى الولايات المتحدة ان تتحمل مسؤولياتها في هذا الوضع». وأضاف ان هذه الخطة ترتبط ليس فقط بمصير المؤسسات الاميركية بل ايضا «بمصير باقي العالم».

وقال لايتنبرجر في مؤتمر صحافي «ينبغي أن تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن هذا الوضع»، مضيفا أن اجراءات الانقاذ التي أقرتها حكومات أوروبية بشأن ثلاثة بنوك متعثرة أظهرت أن السلطات العامة في أوروبا «يمكنها الاضطلاع بمهمة تحقيق الاستقرار المالي». من جهته، صرح المفوض الاوروبي لشؤون التجارة بيتر ماندلسون مساء أول من أمس، ان البرلمانيين الاميركيين «فقدوا رشدهم» برفضهم خطة انقاذ القطاع المالي. وأعلن ماندلسون الذي كان يتحدث في نشرة الاخبار المسائية للبي بي سي انه يأمل ان تكون السلطات الاوروبية من جهتها قادرة «على تفادي هذا النوع من اللامسؤولية وروح التحزب الذي شاهدناه في واشنطن». ورأى انه من الأهمية بمكان ان تتحرك السلطات الاوروبية «بطريقة سريعة ومرنة» لكي «تهب لنجدة المصارف». وشدد على اهمية صياغة قواعد وتنظيمات اكثر إلزاما للنظام المالي لكي تقلل المصارف من المجازفات في المستقبل. من ناحيته، رفض رئيس البرازيل لويس اناسيو لولا دا سيلفا ان تكون الدول الناشئة «ضحايا الكازينو» المالي في الولايات المتحدة. وطالب واشنطن بالتحرك لانهاء الازمة المالية الحالية. وأدلى دا سيلفا بهذه التصريحات مساء أول من أمس، بعد ان علقت بورصة ساو باولو عملياتها لمدة نصف ساعة لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان بعد تدهور مؤشر «ايبوفيسبا» بنسبة 10% إثر رفض الكونغرس الأميركي خطة الانقاذ المالي التي طرحها وزير الخزانة الاميركي هنري بولسون. وأضاف «انها (الولايات المتحدة) مسؤولة لأن الدول الناشئة والدول التي قامت بكل ما يلزم لاتباع سياسة ضريبية سليمة وبكل شيء لتبقى اقتصاداتها مستقرة، لا يمكن ان تكون اليوم ضحية للكازينو الذي اداروه (الاميركيون) بأنفسهم». وقال الرئيس البرازيلي «ليس من العدل ان تدفع دول اميركا الجنوبية والدول الافريقية والدول الآسيوية ثمن عدم مسؤولية القطاع المالي الشمال اميركي». وانتقد ايضا الرهانات السياسية في هذا الملف في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الاميركية وقال «حان الوقت ليتحمل الكونغرس والحكومة الاميركية المسؤوليات العائدة اليهما، فليتحركوا ولا يدعوا الحملة الانتخابية (لانتخابات) نوفمبر (تشرين الثاني) تتداخل مع هذا الملف».

من جهته، قال رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في تصريحات نشرت امس، إنه نظرا لأن الهند والصين هما أكبر دولتين ناميتين في العالم، فإنه ينبغي أن يشاركا في حل الأزمة المالية الراهنة. وصرح سينغ في التعليقات التي نشرتها صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية قائلا إن «المسؤولية الأولى (لحل الأزمة) تقع على عاتق الدول المتقدمة، ولكن ينبغي أن تشارك الهند والصين في الحل».

وقال رئيس الوزراء الهندي إنه من المحتمل أن تشارك الهند في القمة الدولية حول الأزمة المالية والتي دعا إليها ساركوزي. وأضاف «نحن نعيش في عالم يعتمد على بعضه ويرتبط مصير كل دولة بالقطاع المالي الدولي». وقال «إذا تسببت الأزمة المالية في ركود الاقتصاديات الصناعية الرئيسة، فإن ذلك سيعرض صادراتنا للخطر. ولذلك فإن اقتراح الرئيس ساركوزي مهم».

وأكدت يين زهانغ الأستاذة الباحثة بمعهد الدراسات الاقتصادية بجامعة داندي البريطانية، أن «العالم بالتأكيد بحاجة الى نظام مالي عالمي جديد» مثلما دعت اليه فرنسا.

وحول دعوة رئيس الوزراء الهندي الى ان تكون للهند والصين كلمة في الازمة المالية العالمية، اشارت الى «ان الدولتين الصاعدتين لهما قبل الآن كلمتهما في الاقتصاد العالمي». وعن المخاوف من تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الحقيقي قالت الاكاديمية الصينية وعضو الجمعية الصينية للدراسات الاقتصادية باستراليا «إن الأزمة المالية قد بدأت فعلا بالتأثير على الاقتصاد الحقيقي».

وفي مكسيكو صرح رجل الاعمال المكسيكي كارلوس سليم الذي يحتل المرتبة الثالثة بين اثرياء العالم، أول من أمس، ان الازمة المالية الدولية الحالية هي الأسوأ منذ انهيار اسواق المال في 1929، موضحا ان هناك ادوات تسمح بتخفيفها، لكنها لا تمنع حدوث حالة ذعر في الاسواق. وقال سليم في مؤتمر صحافي في مكسيكو «نعيش اليوم أزمة مالية بالغة الاهمية ولا سابق لها». وأضاف «هناك ادوات للتخفيف منها لكن ليس للحد من حالة الذعر التي تثيرها في الأسواق». ووقع سليم الذي يملك امبراطورية مالية في قطاعات عدة من بينها الاتصالات، اول من أمس مع مؤسسة القروض الصغيرة «غرامين تراست» التي يملكها حائز نوبل للسلام في 2006 محمد يونس اتفاقا يمنحه «مصرفي الفقراء» خمسة ملايين دولار لتقديمها بشكل قروض صغيرة في المكسيك بمعدلات للفائدة أدنى من السوق المصرفي. وعبر سليم عن أمله في «مكافحة هذه الازمة التي تحمل في بعض جوانبها أوجه شبه مع أزمات 1929 و1970 و1982 (...) بفضل خبرتنا ومعرفتنا لتكون انعكاساتها على الاقتصاد أقل حدة». وأضاف ان السلطات تأخرت في التحرك لكنها تقوم بذلك الآن بسرعة وبشكل جيد وفي الاتجاه الصحيح. وتابع انه بعد حل مشكلة الثقة وعودة الاستقرار «الأمر المهم والخطير والحساس الذي يجب ان ننتبه اليه هو الانعكاسات على الاقتصاد الحقيقي» بسبب المضاربات حول المواد الاساسية مثل النفط والمواد الغذائية. وقال ان «هذه المضاربات المبالغ فيها حساس جدا، لأن هذه الأسعار تنعكس بشكل واسع على الاقتصاد الحقيقي».

من جهته، قال ستيف بالمر الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، أمس، انه لا توجد أي شركة معصومة من الازمة المالية العالمية التي توقع أن تؤدي الى ضعف إنفاق المستهلكين والمؤسسات. وصرح بالمر للصحافيين على هامش مؤتمر صحافي في العاصمة النرويجية «ستؤثر المشاكل الاقتصادية على انفاق المؤسسات والإنفاق الاستهلاكي.. والإنفاق من جانب صناعة الخدمات المالية». وتابع «أعتقد أن على المرء أن يتوقع أنه ليست هناك شركة لديها حصانة من هذه المشاكل». وفي المتوسط يتوقع المحللون في وول ستريت أن ترتفع ايرادات الشركة بنسبة ثمانية في المائة لتقل قليلا عن 15 مليار دولار في الربع الاول من السنة المالية الذي ينتهي في سبتمبر (ايلول). وأعرب بالمر عن اعتقاده بأن الكونغرس الاميركي سيساعد قريبا على استقرار الوضع بعدما رفض أمس خطة انقاذ مالي تتكلف 700 مليار دولار. وتابع «أثق بأنه سيكون هناك حل ما قبل نهاية الأسبوع.. في الكونغرس على الأقل وسيساعد ذلك على استقرار الوضع. نحتاجها ونأمل ان نحصل عليها».