نقص «رأس المال المعلوماتي» وراء احتمالات الانهيار

تأثير أزمة الأسواق محدود على المواطن الأميركي

لا يعتقد أي من الاقتصاديين تقريبا امكانية حدوث تراجع اقتصادي كبير مثل الكساد الكبير (أ.ب)
TT

في عام 1929، كان ميير ميشكين يمتلك محلا في نيويورك يبيع فيه قمصانا حريرية إلى العمال. وعندما انهار سوق الأسهم في أكتوبر (تشرين الأول) من ذاك العام، التفت إلى ابنه، الذي كان طالبا حينئذ في سيتي كولدج، وقال له «هذا ما يستحقه الانذال الاثرياء».

وبعد ذلك بعام، وبينما كانت المشاكل التي يعاني منها وول ستريت بدأت تنساب إلى الاقتصاد، افلس محل ميشكين، واضطر ابنه العمل لمساعدة العائلة، وبعد ذلك لم ينعم ميشكين بوظيفة ثابتة مرة أخرى. أخبرني بتلك القصة فريدريك ميشكين، حفيد ميير الذي كان حليفا لبين برنانكي في مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي الاميركي) إلى أن تنحى عن منصبه قبل شهر، ومغزى القصة واضح للعيان.

ويخشي الكثيرون، في الوقت الحالي، في واشنطن من أن البلاد ستنزلق إلى تراجع اقتصادي مريع. وما يثير رعبهم أنهم يرون المواطنين، والكثيرين من أعضاء الكونغرس، يتحولون إلى أشباه ميير ميشكين، يحدوهم اهتمام أكبر بمعاقبة وول ستريت بدلا من إنقاذ الاقتصاد. وهناك من الأسباب ما يدفع المواطنين إلى التشكك، فالخبراء وصناعو السياسات، الذين يسعون لاتخاذ اية اجراءات، فشلوا في ذكر السبب الذي يجعلهم خائفين بتلك الدرجة. ولا يكفي القول ان الأسواق يمكن ان تتجمد و يمكن أن يصبح من المستحيل الحصول على قروض وأنه من الممكن أن ينزلق الاقتصاد إلى أسوأ انتكاسة له منذ فترة الكساد الكبير. وحتى الوقت الحالي، فإن للأزمة أثرا بسيطا على معظم الأميركيين، لذا فإنه بالنسبة لهم فإن شبح الكساد يمكن أن يكون بمثابة إثارة للمخاوف من دون داع، وأن خطة الإنقاذ المقترحة التي تصل قيمتها لـ700 مليار دولار التي صوت مجلس النواب ضدها خلال الأسبوع الجاري بدت وكأنها خطة إنقاذ للأنذال الأثرياء. ويحتاج برنانكي ورفاقه لربط بعض النقاط مع بعضها بعضا، كما أنهم في حاجة إلى استخدام منابرهم لتعليم درس بسيط حول اقتصادات أزمة ائتمان، وكيف يمكن أن يحدث كساد اقتصادي.

لا يعتقد أي من الاقتصاديين تقريبا امكانية حدوث تراجع اقتصادي كبير مثل الكساد الكبير. ومن غير المحتمل أن يحدث تقلص شبيه بالكساد الكبير، أي تراجع في النشاط الاقتصادي بمعدل 30 في المائة. أضف إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة في الوقت الحالي أكثر ثراء بدرجة كبيرة، ما يعني أن شريحة أصغر كثيرا من المواطنين يعيشون على حافة الفقر. وبغض النظر عما يحدث، فليس من المحتمل أن تجمعات للفقراء والمعدمين على أطراف المدن تعاني من ظروف صعبة. ولكن، ما زال الكساد الكبير له ما يربطه بالوضع الحالي، بسبب الآليات الأساسية للطريقة التي يمكن بها للاقتصاد أن ينزلق إلى ركود كبير يبدو شبيها إلى حد ما لتك التي تسببت في الكساد الكبير، ففي كلتا الحالتين كانت أزمة الائتمان محور القصة. في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، لم ينهار الاقتصاد الأميركي على الرغم من كل ما حدث في وول ستريت. تراجع إنفاق المستهلكين وكذا استثمارات الأنشطة التجارية، ولكن لم يكن ذلك بصورة مريعة. ومع ذلك بدأت سلسلة من حوادث الذعر المالي المصرفي في أواخر عام 1930، حيث واجهت استثمارات المصارف صعوبات معينة، أو كانت هناك شائعات في بعض الأحيان عن أنها سوف تواجه صعوبات ما. كما أحاط العملاء الغاضبون بفروع البنوك يطالبون بسحب أموالهم. وفي نهاية المطاف، أغلقت المئات من البنوك. أغلق أحد البنوك في مدينة ما، واختفت كل الخبرة التي كانت قد تراكمت لدى مسؤولي البنك، وكانت بعض البنوك الأخرى لا ترغب في توفير قروض للأنشطة التجارية المحلية والسكان لأن المسؤولين في أقسام الإقراض بتلك البنوك لم يكن لديهم معرفة بأي من المقترضين غير جدير بالثقة، ونضب الائتمان. ويقول ميشكين وهو حاليا أستاذ الاقتصادات بجامعة كولومبيا «إذا كان لدى المرء فرصة استثمارية جيدة ولكنه لا يستطيع الحصول على التمويل، فلن يستغل تلك الفرصة.» وبحلول عام 1932، انهار كل من الاستهلاك والاستثمار، وتراجعت الأسهم بنسبة تصل إلى أكثر من 80 في المائة. عندما كان برنانكي عالم اقتصاد أكاديميا شابا في الثمانينات من القرن الماضي شارك في تطوير نظرية تقول بأنه عندما تعوز موظفي الائتمان المعرفة فإن ذلك سبب حاسم في حدوث كساد. وأشار الى تلك المعرفة المفقودة بلفظة «رأس المال المعلوماتي». ويعني ذلك صراحة غياب الثقة بالقطاع المصرفي. نفس الأمر يحدث في الوقت الحالي، الذي نجد فيها أن الأسواق المالية أصبحت عالمية وليست محلية، لذا فإن المشكلة ليست هي أن فشل أي بنك يجعل من أفراد وأنشطة تجارية بعيدة عن سوق الائتمان. ولكن، تسببت المفاجآت اللاذعة خلال الثلاثة عشر شهرا الأخيرة في انحلال كبير في رأس المال المعلوماتي. ويبحث المصرفيون في الوقت الحالي عن عملاء قدامى. بدأت المرحلة الحالية، والأكثر خطورة، من الأزمة قبل أسبوعين بعد انهيار «ليمان براذرز» واستحواذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي على «المجموعة الأميركية الدولية» حيث تسببت تلك الأمور ببلوغ مستوى جديد من الخوف. تراجعت القروض عن تقديم القروض، وبدلا عن ذلك قامت بضخ المال في أذون خزانة، التي لا تقدم أي فوائد تقريبا، ولكن لا يحفوها أيضا أية مخاطر. كما طلبت البنوك معدلات فائدة أعلى على البنوك التي تقدمها، واستمرت المعدلات بصورة عامة في الارتفاع على مدى الأسبوعين الماضيين، وتلك المعدلات، وليس سوق الأسهم، هو ما يجب عليك مراقبته.

* خدمة «نيويورك تايمز»