قمة رباعية أوروبية لوضع خطة إنقاذ مالية.. على شاكلة الخطوة الأميركية

فرنسا تريد صندوق أزمات برأس مال 450 مليون دولار وألمانيا ترفض أن تكتب صكا مفتوحا

TT

قبل توجهه الى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي للتشاور مع الرئيس الأميركي جورج بوش، قال رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون انه يريد خلق آلية مالية يقودها صندوق النقد الدولي تعمل على مراقبة السوق وتتفادى الأزمات قبل وقوعها، مضيفا ان ما تقوم به العديد من الدول، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، هو اتخاذ خطوات انقاذية شبيهة بالتي تقوم بها سيارات الاسعاف واقسام الطوارئ في المستشفيات، الا ان افكار براون لم تأخذ أي شكل عملي من اجل التنفيذ.

وطالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هي الأخرى بتحسين «نظم التأمين والإنذار المبكر» في القطاع المالي لتدارك الأزمة المالية الأخيرة. وقالت ميركل في مقابلة مع صحيفة «بيلد» الألمانية الصادرة أمس الخميس ان العديد من المنتجات المالية التي تقدر بالمليارات تطرح في الأسواق المالية بدون أن تنطبق عليها المعايير الكافية.

وكثف الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي منذ بداية الأزمة من نشاطاته في البحث عن حلول لها واقترح قمة مصغرة لعدة دول أوروبية. وقال مكتب الرئيس أمس الخميس ان باريس، الرئيسة الحالية للاتحاد الاوروبي، ستستضيف غدا السبت اجتماعا لقادة بريطانيا وايطاليا وألمانيا يحضره ايضا جان كلود تريشيه محافظ البنك المركزي الاوروبي وكل من رئيس وزراء لوكسمبورج جان كلود يونكر ورئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو وذلك للتباحث بشأن الازمة المالية.

وتهدف القمة الى تجهيز مساهمات الاعضاء الاوروبيين بمجموعة الثماني للاجتماعات التالية لهذه الهيئة بشأن الازمة المالية العالمية. كما ذكر ان الرئيس ساركوزي بدأ بتسويق افكاره بخصوص تأسيس صندوق أزمات بمبلغ 300 مليار يورو (450 مليار دولار)، ويعتبر هذا رقما عاليا بكل المقاييس وقريبا من مبلغ خطة الانقاذ الأميركية التي مررها مجلس الشيوخ أمس، وما زالت تنتظر موافقة مجلس النواب، والمتضمنة ضخ 700 مليار دولار في النظام المصرفي الذي يواجه مشاكل التدهور والانهيار في بعض الحالات. الا ان الاقتراح الفرنسي لم يلق آذانا صاغية في بريطانيا وواجه موقفا عدائيا ألمانيا. وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون أمس الخميس ان براون سيلتقي بالزعماء الاوروبيين في باريس في مطلع الاسبوع المقبل لبحث الازمة المالية ولكن ليست هناك أية اقتراحات محددة لبحث خطة انقاذ أوروبية. وقال المتحدث، كما ذكرت اذاعة «ريديو فور» لهيئة البث البريطاني (بي.بي.سي) «نحن لا نتوقع أية مناقشة لصندوق انقاذ على مستوى الاتحاد الاوروبي في اجتماع السبت. هدف الاجتماع سيكون بحث كيف تواجه كل من الاقتصادات الاربعة الكبرى في أوروبا الازمة المالية العالمية».

ردة الفعل الألمانية والفتور البريطاني تجاه الفكرة خلقا التباسا مما ادى الى نفيها من قبل فرنسا في البداية ثم الاعتراف بها، لكن بدون تحديد المبلغ. وجاء ذلك على خلفية اللقاء بين رئيس الوزراء الهولندي بيتر بالكينيند مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بحث خلاله الاقتراح الفرنسي. وخلال جلسة للبرلمان الهولندي قال وزير المالية وواتر بووص حول نفس الصدد، ان الخطة التي تناولها رئيس الوزراء بالكينيند مع ساركوزي هي مقترح هولندي ولكن جرى تسريبه لوسائل الاعلام عبر مصادر فرنسية، وقال الوزير الهولندي «انه امر جيد للغاية ان يكون هناك احتياطي اوروبي لانقاذ البنوك مثلما فعلت هولندا قبل ايام بالتعاون مع بلجيكا ولوكسمبورج في ازمة «فورتيس بنك»، وأشار المسؤول الهولندي الى ان وجود هذا الاحتياطي المالي سيكون بمثابة رسالة قوية للثقة. وحول تفاصيل اكثر بشأن الاحتياطي المالي الاوروبي المقترح قال الاعلام الهولندي انه يتضمن مبالغ تصل الى 3 في المائة من دخل الناتج القومي في دول الاتحاد الاوروبي الـ27، والذي يصل في هولندا الى 18 مليار يورو بينما يصل في اجمالي دول الاتحاد الى 350 مليار يورو. وردت ميركل في هذا الخصوص، كما جاء في تصريحها لصحيفة التايمز البريطانية، لا يمكن لألمانيا ان تكتب صكا مفتوحا الى بنوك «بدون ان تكون هناك ضوابط تحكم سلوكها وأداءها في تعاملها ونشاطاتها المصرفية».

وأكدت ميركل أن حكومتها ستفعل ما في وسعها للحد من أزمة الأسواق المالية، وقالت: «الثقة هي العملة الاهم في الاقتصاد، وستعمل الدولة على حمايتها... وعلى المواطنين أن يعلموا أن الحكومة مهتمة بالأمر».

وأشارت المستشارة إلى أن نظام البنوك في ألمانيا أكثر استقرارا من أي مكان آخر، مؤكدة أن عملية إنقاذ بنك «هيبو ريل ستيت» ما هي إلا دعم مقدم من الدولة لم يدخل فيه حتى الآن أية أموال ضريبية، موضحة أن هذا الدعم ضروري للحد من الخسائر التي قد يتعرض لها الاقتصاد الألماني ككل وبالتالي حماية أموال جميع المواطنين.

ووصف خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الاوروبية الوضع المالي العالمي بـ«الخطير»، داعياً كافة الأطراف الدولية إلى تحمل مسؤولياتها لمعالجة الوضع. وأشار باروسو الى أن ضخ السيولة المالية في الأسواق المالية الأوروبية أمر هام، ولكن الأهم من ذلك هو ضخ «المصداقية، وهو أمر يحتاج إلى تعاون كافة الأطراف من مؤسسات أوروبية وحكومات الدول الأعضاء والمصارف المركزية الوطنية وكذلك المصرف المركزي الأوروبي».

وحث رئيس المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد على التعاون من أجل تهدئة المخاوف واستعادة الثقة ومنع حدوث مزيد من الاضطرابات في الأسواق المالية، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يمتلك وسائل تشريعية تمكنه من الرد على الأزمات بشكل مناسب وسريع، «هذا ما ثبت خلال الأيام الماضية».

ويأتي ذلك في الوقت الذي تناولت فيه تقارير اعلامية من بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي انتقادات للآلية الحالية التي تنفذها المؤسسات الاوروبية للتعامل مع الازمة المالية العالمية، وقالت انه لا يوجد تنسيق اوروبي في هذا الاطار، واضافت «تنتهج الحكومات الاوروبية حتى الآن سياسة أحادية الجانب في إدارة الأزمة النقدية والمالية». وأقرت الدول الاوروبية الواحدة بعد الأخرى برامج وخطط طارئة لإنقاذ مؤسساتها المصرفية.

ولجأت هولندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وايرلندا وبريطانيا الى ضخ اموال من الخزينة العامة لمساعدة بعض من المصارف الكبرى على تجاوز الازمة.

وأحجمت المفوضية الاوروبية امام هذه الادارة المتشعبة والمتباينة للموقف عن تقديم اقتراح بإنشاء صندوق أوروبي مشترك لإنقاذ الأسواق، واعتماد خطة اوروبية شبيهة بخطة (بولسون) في الولايات المتحدة.

وأقرت المفوضية الاوروبية أول من أمس الاربعاء خطة الانقاذ المالية البريطانية والتي تمثلت في عملية تأميم ثانية لاحد البنوك العقارية الكبرى قامت بها الحكومة البريطانية خلال هذا العام، وهو بنك «برادفورد ان بينغلي» المتخصص في قروض الايجار العقارية، ونفذت في اطار سلسلة من الجهود الاوروبية للحد من انتشار عدوى الازمة المالية الاميركية.

وأخطرت السلطات البريطانية المفوضية التي تتولى تنظيم المساعدات الحكومية للمؤسسات بأنها اشترت محفظة الرهون العقارية للبنك والتي تبلغ قيمتها 50 مليار جنيه استرليني (89 مليار دولار) وببيع ودائعه وفروعه لبنك «سانتاندر» الاسباني. وذكرت حكومة ايرلندا هذا الأسبوع انها ستضمن جميع ودائع البنوك لمدة عامين للحفاظ على الاستقرار المالي. ويبدأ تنفيذ الخطة على الفور وتنتهي في سبتمبر (ايلول) 2010 وتغطي السندات أيضا. وقالت الحكومة ان الخطة تشمل بنوك «ألايد ايرش» وبنك «أوف ايرلند» و«انغلو ايرش» و«ايرش لايف اند برمننت» و«ايرش نيشنوايد بيلدنج سوسيتي» و«ذا اديوكيشنال بيلدنغ سوسيتي».

وحذت الحكومة الايطالية حذو الايرلندية واتخذت اجراءات مماثلة، وقال رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني أمس انه لن يسمح لأي طرف بشن «هجمات» على البنوك الايطالية وان الايطاليين لن يفقدوا أية أموال من ودائعهم بالبنوك بسبب الازمة المالية العالمية، مضيفا «لن أسمح بهجمات للمضاربة على بنوكنا..ولن أسمح بأن يخسر المواطنون الايطاليون ولو حتى يورو واحد فقط من ودائعهم».

وحاولت السلطات الايطالية ومديرو البنوك تهدئة الاسواق من خلال اطلاق تصريحات مفادها أن المخاطر التي تتعرض لها ايطاليا من اضطرابات الاسواق المالية محدودة بفضل ممارسات الاقراض المتحفظة.

الا ان الخطوة الايرلندة اثارت حفيظة القطاع المصرفي البريطاني الذي اعتبرها غير متماشية مع قواعد المنافسة النزيهة بين البنوك، وطالبت هذه من رئيس الوزراء اتخاذ خطوات مقابلة تجاه الخطوة الايرلندية، وقال «مؤسسة اصحاب البنوك البريطانية» ان خطوة الحكومة الايرلندية ستحرمهم من مصدر دخل هام، أي الادخارات في نشاطاتهم البنكية. وشكلت الحكومة البريطانية لجنة طوارئ للأزمات المالية شبيهة بلجنة «كوبرا»، التي تتعامل مع قضايا تخص الأمن القومي والمكونة من بعض الوكالات الحكومية واجهزة الاستخبارات.