أزمة الأسواق تواصل «فتكها» بالبورصات العالمية.. وأوروبا في حالة طوارئ

مع تزايد المخاوف حول مدى نجاعة «مضاد» خطة الإنقاذ الأميركية في مواجهة «فيروس» الأزمة المالية

متعامل في بورصة نيويورك امس ( رويترز)
TT

فيما بدا تأكيدا للشكوك من ان اقرار خطة بولسون الجمعة الماضي في الولايات المتحدة التي تتكلف 700 مليار دولار لن يكفي لتهدئة مخاوف المستثمرين، تراجعت البورصات في كل انحاء العالم بشكل كبير أمس وسط تجدد المخاوف حول « صحة وسلامة» النظام المالي العالمي والقطاع المصرفي خاصة، وفي حين تنتشر الأزمة المالية في اوروبا مرغمة الحكومات على التدخل لطمأنة المودعين.

وسجلت الاسواق ألأوروبية تراجعات حادة أمس، حيث اقفل مؤشر «كاك 40» في بورصة باريس على تدهور بنسبة 9.04% وهو الاكبر خلال جلسات التعامل منذ بدء العمل به في 1988، وهبط مؤشر يوروفرست 300 بنسبة 7.4 %، وتراجع مؤشر بورصة لندن فوتسي 100 بنسبة 7.85 %، ومؤشر داكس الالماني 7.07 %.

وفيما فتحت الأسهم الاميركية على تراجع كبير، شهدت البورصات الآسيوية من جهتها يوما عصيبا أمس مجددا متأثرة بانتشار الازمة المالية في اوروبا وبسبب عدم اطمئنانها الى خطة الانقاذ الاميركية، حيث تراجع مؤشر نيكاي في طوكيو بنسبة 4.25% عند الاقفال مسجلا ادنى مستوى له منذ اكثر من اربع سنوات ونصف السنة.

وفي الصين اقفلت بورصة شنغهاي امس على تراجع 5.23%. واغلقت بورصة شنغهاي الاسبوع الماضي بكامله بسبب الاحتفال بالعيد الوطني. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن هذا التراجع يعد رد فعل مؤجلا للتراجعات العالمية الأسبوع الماضى بعد أن أدى إغلاق السوق لمدة أسبوع لحماية قيمة الأسهم الصينية.

من جهتها فقدت الأسهم التايلاندية 6.4 فى المائة من قيمتها أمس فيما يعتقد أنه أكبر انخفاض فى آسيا فى الوقت الذى سحب فيه المستثمرون أموالهم من البورصات فى المنطقة الآسيوية. واقفلت بورصة هونغ كونغ متراجعة 5%. وقالت دي آن جوليوس الخبيرة الاقتصادية ورئيسة المعهد الملكي للشؤؤون الدولية بلندن ( تشاتهام هاوس) «أعتقد اننا وسط أزمة مالية عالمية وليس أميركا فقط والتأثيرات نتنشر بشكل واضح عبر الاسواق المالية». ولم تستبعد جوليوس «أن تشهد ابرز الدول الأوربية قريبا انكماشا اقتصاديا»، غير أنها أكدت ان الازمة لن تتطور الى «كساد عميق انما مرحلة طويلة من عدم النمو الاقتصادي».

وعبرت دو جوليوس لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقادها بأن «الاجراءات المتخذة في اميركا عبر خطة الانقاذ مهمة لاعادة الثقة للأسواق» مشيرة إلى أنه «من المهم كذلك هنا في المملكة المتحدة ان يقوم بنك انجلترا بتوسيع دعم السيولة لمنع تحول المسألة الى أزمة عامة».

وحول إذا كان من العدل أن يتحمل دافع الضرائب المسؤولية عن سياسات خاطئة في القطاع البنكي أدت إلى هذه الأزمة المالية أكدت الخبيرة «إنه من المهم فعلا تقليل تحمل دافعي المسؤولية، لكن عدم اتخاذ اجراءات من قبل الحكومات سيكون له عواقب أكبر». وشددت على أنه «من الخطأ القول إن الأزمة هي أزمة القطاع المصرفي فقط، فالحكومات والهيئات الرقابية والتنظيمية لها مسؤوليتها كذلك في الموضوع».

ورفضت دوجوليوس رفضا شديدا الطروحات القائلة بأن الازمة تطرح الحاجة الضرورية لنظام مالي جديد وتعري النموذج الرأسمالي، حيث قالت: «هذه ليست نهاية الرأسمالية (...) نحن نمر بمرحلة تصحيح وإذا كنت تقبل بأنه سيكون هناك مرحلة رخاء فعليك كذلك أن تقبل أن هناك مرحلة أخرى للتراجع.. إنهما وجهان لعملة واحدة». وبدا المتعاملون قلقين أمس خصوصا من الوضع في المانيا حيث بات مصرف «هيبو ريل ايستيت» رابع مصارف البلاد، على شفير الافلاس. وقد اعدت الحكومة الالمانية خطة لانقاذه بقيمة 50 مليار يورو (69 مليار دولار). وقد دعت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل إلى تشديد القواعد التي تنظم التعامل في أسواق المال على المستوى العالمي. وقالت ميركل إن الأزمة المالية التي تسببت فيها شخصيات قيادية غير مسؤولة في البنوك وضعت اقتصاد السوق الاجتماعي تحت ضغط كبير. وأكدت المستشارة الألمانية أن قرار ضمان الدولة لمدخرات المواطنين الخاصة كان ضروريا من أجل إعادة الثقة في أسواق المال.

وفي ظل حالة ما يشبه حالة طوارئ، ووسط انتقادات بشأن تشرذم رد الفعل الاوروبي سعت المانيا والنمسا والدنمارك أول من امس الى طمأنة المدخرين عبر اعلان ضمانات استثنائية لودائع الافراد بعد اجراءات مماثلة اعتمدتها ايرلندا منفردة في 3 سبتمبر (ايلول) قبل ان تليها اليونان. وهناك ضغوط على دول اخرى لاتخاذ اجراءات مماثلة ومن بينها بريطانيا التي دعت حكومتها أمس الى «مجلس حرب» لمواجهة الأزمة المالية. وأعلنت ايسلندا بدورها تحركا عاجلا لانقاذ نظامها المالي من الانهيار والتراجع الحاد في عملتها المحلية ويشمل التحرك ضمانات لحماية ودائع الافراد وجاء ذلك بعد وقف مؤقت التعاملات في أسهم ستة من بنوكها. وفيما قال البيت الأبيض انه يتابع عن كثب الوضع الاقتصادي في انحاء العالم، اعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس ان كلا من الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي «ستتخذ كل الاجراءات اللازمة لضمان استقرار النظام المالي». وقال ساركوزي ان «كل قادة الاتحاد الاوروبي يعلنون ان كلا منهم سيتخذ كل الاجراءات اللازمة لضمان استقرار النظام المالي سواء كان عبر ضخ سيولة من المصارف المركزية او عبر اجراءات محددة الاهداف تتعلق ببعض المصارف او تدابير معززة لحماية الودائع». وأكد ساركوزي ان حكومات الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي «متحدة ومتضامنة» في مواجهة الأزمة.

وسيسعى وزراء المال في الاتحاد الاوروبي بعد ردود فعلة متفاوتة على الازمة المالية، تشكيل جبهة موحدة بعد قمة جمعت الدول الاوروبية الاربع الاعضاء في مجموعة الثماني (المانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا) السبت في باريس. وسيشكل الاجتماع الشهري لوزراء المال في الدول الـ15 الاعضاء في منطقة اليورو واجتماع وزراء المال لدول الاتحاد الاوروبي الـ27 امس الاثنين واليوم الثلاثاء في لوكسمبورغ فرصة لتكريس الالتزام الذي اعلنته الدول الاربع الكبرى في الاتحاد الاوروبي بالتحرك بشكل متماسك حيال الازمة.

وواصل المصرف المركزي الاوروبي امس عملياته لدعم الاسواق معلنا استدراج عروض لجمع خمسين مليار دولار كحد اقصى وعملية رصد للسيولة تشمل 220 مليار يورو كحد اقصى. واعلن الاحتياطي الفدرالي الأميركي أمس بدوره انه سيباشر في دفع فائدة على الودائع المصرفية للمرة الاولى ويرفع قيمة عمليات اعادة تمويل عمليات المصارف التجارية لتبلغ 900 مليار دولار مع نهاية العام من اجل زيادة السيولة. من جهة أخرى ستبحث الصين واليابان في سبل تسريع انشاء صندوق نقدي اسيوي يخصص له 80 مليار دولار ويسمح بحماية آسيا من الازمة المالية، على ما ذكر مسؤولون كوريون جنوبيون أمس.

وعلى صعيد متصل استحوذ بنك بي.ان.بي باريبا الفرنسي على أصول بنك فورتيس في بلجيكا ولوكسمبورج ليصبح أكبر بنك ودائع في منطقة اليورو بعد محادثات محمومة في مطلع الاسبوع مع السلطات في البلدين التي تسعى لوقف نزيف السيولة لدى بنكي فورتيس وديكسيا. وبي.ان.بي باريبا واحد من أقل البنوك تضررا من جراء أزمة مشتقات الائتمان التي تسببت في انهيار منافسيه على جانبي المحيط الاطلسي. وقال البنك الفرنسي أمس انه يشتري اصول فورتيس مقابل 14.5 مليار يورو (1 ر20 مليار دولار)من بينها تسعة مليارات يورو في صورة أسهم. وقبل اسبوع واحد فقط رفضت حكومات دول البنيلوكس (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) عرض بي.ان.بي باريبا قائلة انه أقل من اللازم. وعادت بلجيكا ولوكسمبورغ الى مائدة المفاوضات مع بي.ان.بي بعد ان قررت هولندا فجأة تأميم الانشطة الهولندية لبنك فورتيس. وتعد صفقة فورتيس أكبر صفقة انقاذ عبر الحدود منذ امتداد أزمة الائتمان بكامل قوتها عبر المحيط الاطلسي الى أوروبا الشهر الماضي لتزعزع البنوك وتهز ثقة المستثمرين.