تواصل مسلسل «الذعر» في البورصات العالمية

خفض 7 بنوك مركزية عالمية للفائدة لم يفلح في إعادة الثقة للمستثمرين > خطة إنقاذ مالي بريطانية تصل إلى 875 مليار دولار

TT

* وسيط مالي: «هذه الاجراءات لم تعد مجدية.. انها كمحاولة ضخ الدم في قلب شرايينه مقفلة» > رئيس الوزراء الياباني: «بصراحة ما يحصل فوق ما يمكن ان نتخيل»

* لندن: جمال الدين طالب

* واصلت البورصات العالمية أمس تراجعها الحاد مدفوعة بتواصل مد موجة الذعر بسبب الازمة المالية العالمية، التي لم ينجح في تبديدها إعلان أكبر المصارف المركزية خفض معدلات الفائدة الرئيسية نصف نقطة. وفيما فتحت الاسهم الاميركية على انخفاض واضح، تواصل النزيف في أوروبا، حيث أغلقت بورصة باريس بخسارة 6.8%. من جهتها أغلقت البورصة الالمانية على تراجع بنسبة 5.8%، واقفلت بورصة لندن على خسارة بلغت 5.8% رغم اعلان الحكومة البريطانية خطة كبيرة لإنقاذ المصارف البريطانية.

وكانت سبعة بنوك مركزية عالمية وهي البنك المركزي الاوروبي والبنك المركزي البريطاني والبنك المركزي الاميركي والبنك السويدي والبنك السويسري والبنك الكندي قد اصدرت بيانا اعلنت فيه خفض معدل فائدة الاقراض الرئيسية بمعدل نصف نقطة مئوية. كما اعلنت الصين تخفيض معدلات الفائدة على القروض لمدة سنة. ويعود آخر تحرك مماثل منسق الى العام 2001 بعد اعتداءات سبتمبر (أيلول)، غير ان الخطوة التي اتخذت آنذاك كانت اقل حجما. وبات معدل الفائدة في منطقة اليورو 3.75%، بالمقارنة مع 1.5% في الولايات المتحدة، و4.50% في بريطانيا. كما اعلن البنك المركزي الياباني دعمه للاجراءات المتخذة بدون ان ينضم اليها لكون معدل فائدته الرئيسية منخفض جدا اساسا بمستوى 0.5%.

وجاءت الخطوة المشتركة في محاولة لتخفيف الضغوط عن الاسواق المالية التي تعاني من ازمة خانقة غير انها لم تفلح في اعادة الثقة للاسواق. وأكد لـ«الشرق الأوسط» الخبير تشارلز دافيس من مركز الابحاث الاقتصادية بلندن: «القرار لن يحل كل شيء لكنه يطمئن الاسواق بأن صناع القرار في العالم يقدرون حجم الأزمة. لكننا بحاجة لخطط أخرى مثل خطة الانقاذ البريطانية وقبلها خطة بولسون في أميركا، في بلدان أخرى تواجه صعوبات مالية.. ان قرار خفض الفائدة مهم لكنه ليس الحل النهائي». وعاشت اسواق المال الآسيوية من جهتها يوما اسود جديدا ولم تتأثر بالاعلانات التي صدرت عن السلطات النقدية والحكومات للسيطرة على الوضع. ففي طوكيو، تراجع مؤشر نيكاي 9.38% عند الاغلاق أمس وخسر بذلك 952.58 نقطة ليبلغ 9203.32 نقطة في اسوأ انخفاض تسجله سوق طوكيو منذ «الاثنين الاسود» في 1987. ويشعر المستثمرون اليابانيون بالذعر بسبب الازمة المالية العالمية وتراجع سعر الدولار مقابل الين الذي يضر بالمستثمرين اليابانيين. وفي هونغ كونغ سجل المؤشر هانغ سينغ انخفاضا بلغت نسبته 5.5%. وكانت بورصة هونغ كونغ مغلقة الثلاثاء في يوم عطلة. اما في اندونيسيا، فقد علقت بورصة جاكرتا مبادلاتها بعد تراجع مؤشرها الرئيسي اكثر من عشرة بالمائة (10.38%). وقالت سلطات البورصة ان «المبادلات علقت لفترة غير محددة» بعد انخفاض البورصة.

وكان عدد من زعماء العالم قد اشاد بالحملة المنسقة لخفض الفائدة. وقال البيت الابيض انها ستفيد في علاج الازمة المالية. وقال توني فراتو المتحدث باسم البيت «من المهم والمفيد أن تعمل البنوك المركزية بطريقة منسقة للتعامل مع الضغوط التي يعاني منها النظام المالي». وفي برلين قالت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ان قرارات خفض الفائدة اشارة لدعم الاقتصاد ويجب أن تسهم في اعادة الثقة في الاسواق. وفي مدينة ايفيان بفرنسا أشاد الرئيس نيكولا ساركوزي بهذا التحرك ووصفه بأنه «قرار في غاية الاهمية».

من جهة اخرى اعلنت الحكومة البريطانية عن خطة تصل الى 500 مليار جنيه (875 مليار دولار) أمس للحيلولة دون انهيار البنوك في الوقت الذي تشهد فيه اسواق المال تدهورا حادا بسبب مخاوف من تداعيات أسوأ ازمة مالية تشهدها البلاد منذ اعوام. وقال رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون اثناء اعلانه عن الخطة التي ستؤدي الى تأميم أكبر ثمانية بنوك بريطانية بشكل جزئي ان «الاوقات الاستثنائية تستدعي اتخاذ حلول جريئة». وذكرت الحكومة انها ستستخدم 50 مليار جنيه استرليني (87 مليار دولار) لشراء حصص كبيرة في بنوك «اتش اس بي سي»، و«رويال بنك اوف سكوتلاند» و «باركليز» و«اتش بي او اس»، و«لويدز تي اس بي» و«ستاندرد تشارترد» و«آبي«، و«نيشين وايد بلدنغ سوسايتي». كما ستخصص الحكومة مبلغ 200 مليار جنيه على شكل قروض قصيرة الامد، و200 مليار جنيه لضمان القروض بين البنوك. وتأمل الحكومة في ان تتمكن من خلال هذه الاجراءات من التغلب على تردد البنوك في اقراض بعضها البعض، وهي المسألة التي كانت السبب في الازمة المالية. ودعا براون الى «وضع خطة تمويل اوروبية» للمساعدة على التخفيف من الازمة المالية العالمية وقال انه تم تقديم اقتراحات بهذا الخصوص الى دول اخرى. وجاءت اجراءات الحكومة البريطانية في اعقاب جهود يائسة قامت بها حكومات اخرى ومؤسسات مالية. وقال البنك المركزي الاوروبي انه سيضخ مبلغ 70 مليار دولار (95 مليار يورو) في اسواق المال للاقراض بين البنوك، مما رفع مبلغ التداول اليومي الى 20 مليار دولار. وضخت اليابان واستراليا مليارات الدولارات في النظام المالي وخفضت هونغ كونغ اسعار الفائدة، إلا ان تلك الاجراءات لم توقف معاناة السوق. وقال هيرويشي نيشي الوسيط في «نيكو كورديال» في اليابان ان «مثل هذه الاجراءات لم تعد مجدية (..) انها كمحاولة ضخ الدم في قلب شرايينه مقفلة». وصرح رئيس الوزراء الياباني امام لجنة برلمانية «بصراحة، ان ما يحصل هو فوق ما يمكن ان نتخيل. تساورنا مخاوف شديدة». وناقش الرئيس الاميركي جورج بوش الانهيار المالي مع قادة بريطانيا وفرنسا وايطاليا وسعى الى وضع استراتيجية مشتركة قبل محادثات الازمة التي ستجري بين الدول الصناعية السبع الكبرى في واشنطن غدا (الجمعة).