نائب محافظ البنك المركزي: 93 مليار دولار في متناول البنوك السعودية تؤكد ملاءة السيولة المحلية

الدكتور محمد الجاسر: أقول للسعوديين والمقيمين ودائعكم في أمان والسيولة تحت رقابة مستمرة

TT

أكد أمس الدكتور محمد الجاسر نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي ـ البنك المركزي ـ قوة الملاءة المالية ووفرة السيولة وتماسك وضع البنوك المحلية، إذ كشف عن أن هناك 350 مليار ريال (93 مليار دولار) في متناول البنوك السعودية، التي يبلغ عددها 12 مصرفا محليا، مفيدا بأنه يقع تحت تصرفها حاليا 200 مليار ريال (53 مليار دولار) بينما يمكنها الاستفادة من 150 مليارا لدى «مؤسسة النقد» حين طلبها في أي وقت.

وسادت الطمأنينة والأريحية بعض الشيء أمس في سوق المال السعودي مع كلمات الجاسر التي صرح بها أمس، إذ استجابت سوق الأسهم لتأكيداته حول وضع السيولة والمعروض النقدي وموقف البنوك من الأزمة العالمية العاصفة، مطمئنا في الوقت ذاته على وضع الودائع في البنوك ولدى «ساما».

وهاجم الجاسر بقوة خلال تصريحات أطلقها أمس في التلفزيون السعودي، من وصفهم بـ«المرجفين» الذين يشيعون مضامين خاطئة وأفكارا غير سليمة، منها ما يتعلق بانهيارات بعض البنوك المحلية أو تلاشي الودائع أو شح السيولة في البلاد، وهو الأمر الذي اعتبره «غير مسؤول» ولا يدل على تحليل «سليم» للموقف. وأفاد الدكتور الجاسر في تصريحاته بأن وضع السيولة في بلاده قوي ولا يوجد أي شح في الاقتصاد السعودي، إذ بين أن النمو خلال ثمانية أشهر الماضية بالمعدل السنوي، ارتفع إلى 21 في المائة، مقابل 18 في المائة خلال العام الماضي، مفيدا بأن المعدل السنوي لنمو السيولة بلغ أكثر من 37 في المائة، وبالتالي لا توجد هناك مشاكل في الجانب.

وقال الجاسر حول مراقبة الوضع المصرفي والمالي: نحن نراقب السوق ونتابع التطورات بشكل مستمر ودقيق ولدينا الاستعداد لتوفير أية سيولة وبالقدر الكافي لو احتاج السوق لهذه السيولة. لافتا في الوقت ذاته إلى أن «مؤسسة النقد» تنبأت بمثل الأزمة المالية العالمية مما دفعها إلى سن قوانين صارمة على البنوك جميعها تحفز على المحافظة وعدم الدخول في مخاطر عالية المستوى. > في البداية ما الذي حصل لتصاعد هذه الأزمة وانطلاقة شرارة تداعياتها بهذه الصورة؟

ـ الذي حصل ببساطة هو الاقتراض غير الطبيعي وأصول بجودة متدنية وإقراض أعداد كبيرة جدا ليس لديهم ملائمة مالية. كان هناك حديث مؤخرا عن سياسة مؤسسة النقد المحافظة، وأننا لا نشجع البنوك على الاستثمار، نعم نحن (محافظون) ولا نخجل من ذلك، فنحن كجهة إشرافية نعطي البنوك ما يجب وما لا يجب مع وجود مساحة للحرية، فالبنوك التجارية السعودية تعمل بأموال الناس، ونعمل في مؤسسة النقد على الإشراف على البنوك بحيث لا تتعرض للمخاطر، كما حصل في الخارج.

> ما مدى تأثر المملكة بهذه الأزمة؟

ـ كما تعلمون هذه الأزمة المالية العالمية تؤثر على كثير من الاقتصاديات العالمية، ولكن أكثرها تتأثر بشكل مباشر، ونحن في السعودية كان التأثير غير مباشر والسبب أنه ليس هناك استثمارات مباشرة في تلك المؤسسات المالية التي حصل لها مشاكل قوية في السيولة والاستثمار، ولذلك ليس هناك تأثير مباشر على الاقتصاد السعودي أو على المؤسسات المالية السعودية. ولكن كما تعلمون عندما يحصل مثل هذه الهزات العالمية يصير هناك عدوى بطريقة غير مباشرة كما حصل لأسعار السلع. الآن كثير من أسعار السلع انخفضت بسبب التوقعات بانخفاض النمو العالمي، بعض هذه الآثار الجانبية غير المباشرة إيجابي مثل انخفاض أسعار الحديد وانخفاض أسعار السلع الأخرى.

> هل تنبأت مؤسسة النقد بهذه النتائج المزرية على الصعيد العالمي، لذا وضعتم نوعا من الكوابح والقيود على المصرفية المحلية؟

ـ نعم هذا تنبؤها، خصوصا لما شعرنا أن نوعا من هذه القروض قد يستخدم في سوق المال، والضوابط التي وضعناها هي لحماية (المقترض).

> هناك تخوف من تتكرر الأزمة لدينا وما حصل في دول العالم، فيما يعرف بالرهن العقاري؟

ـ الرهن العقاري ضرورة، لكن كيف نديره، والحصافة في إدارة القروض هي (الفيصل)، والأنظمة التي تُنظر لدى مجلس الوزراء والمجلس الاقتصادي الأعلى، ويجب أن توضع ضوابط واضحة، يجب أن يكون هناك طمأنينة بأن المقترض لديه القدرة على التسديد، الرهن العقاري سيكون إيجابيا جدا في هذه الحالة.

> كيف تنظرون الآن إلى أداء القطاع المصرفي المالي؟

ـ سلامة القطاع المالي الذي يُعتمد عليه، هذا هو الهاجس لدى الدولة، لذا جاءت النتائج إيجابية فارتفاع الأداء البنكي واضح، صاحبه ارتفاع الملائمة المالية لدى البنوك، بدلالة أن القاعدة الرأسمالية ارتفعت 31 في المائة خلال 3 أشهر من هذه الفترة، كما أن نهاية أغسطس (آب) 2008 شهد ارتفاع الأرباح بأكثر من 40 في المائة لدى القطاع المصرفي، وهنا يتضح أن القطاع المصرفي لدينا سليم والموجودات ذات جودة عالية، ولا يوجد مبرر للخوف بأن يمر القطاع المصرفي بمشكل.

مهم التأكيد أن الإدارة المحافظة من قِبل المؤسسة، حمَت البنوك، بالتالي الأداء المصرفي، يمر القطاع المصرفي بحالة نمو بأرباحه وموجوداته. ودائع القطاع المصرفي 809 مليارات ريال (216 مليار دولار)، واستطاعت البنوك السعودية أن تقرض داخل السعودية بقيمة 945 مليار ريال، كما أن الإقراض المحلي يتجاوز الودائع المحلية بـ16 في المائة، كما أن البنوك أعادت تدوير الودائع التي أخذتها وهذا ما يطمئن المواطنين والمهتمين أن أموال البنوك داخل السعودية، لذا أي قلق حول ملائمة القطاع المصرفي، غير مبررة من واقع الأرقام والنتائج.

> هل انخفاض سوق الأسهم المحلي حاليا يعتبر تأثرا غير مباشر بالأوضاع المالية العالمية؟

ـ بالنسبة لأسواق المال من الصعب التكهن بها، ولكن من ينظر المحلل إلى نسبة الشركات خاصة الشركات الرئيسية في الاقتصاد السعودي وفي السوق المالية السعودية، لا يستطيع أن يفهم هذا الارتباك الكبير الذي حصل في الأسعار، وبالتالي أعتقد أن مسألة العدوى التي حصلت في الأسواق العالمية الأخرى وصلت إلى أسواقنا وتأثرت بها، كما أن سوقنا تعتمد على شركات تعمل في السوق السعودية في المقام الأول مثل البنوك وغيرها، ولذلك يجب تحليل وضع الشركات من منطق السوق الذي تعمل بها، وبالتالي اعتقد أن ما حصل هو رد فعل غير مبرر بالشكل والقوة التي حصلت.

> هل هناك من مشاكل في إدارة السيولة جراء الأزمة العالمية؟

ـ في الحقيقة أنا أعجب لما سمعت في بعض الصحف أو التعليقات بأن هناك مشكلة في السيولة، والحقيقة لا توجد أية مشكلة سيولة في الاقتصاد السعودي، فالنمو خلال ثمانية أشهر الماضية بالمعدل السنوي ارتفع 21 في المائة مقارنة بـ18 في المائة بالعام الماضي، الودائع أيضا نمت بشكل كبير أكثر من 22 في المائة من المعدل السنوي للنمو في ثمانية أشهر الأولى بأكثر مما حصل في العام الماضي، وكذلك الإقراض من قبل البنوك العام الماضي المعدل كان حوالي 11 في المائة خلال الثمانية أشهر الأولى لهذا العام، وبلغ المعدل السنوي للنمو أكثر من 37 في المائة، وبالتالي لا توجد هناك مشاكل في السيولة، بل على العكس هناك سيولة وفيرة، هي التي أدت إلى هذا النمو، وهي التي أدت إلى طفرة في الإقراض والاقتراض في السوق المحلي.

وأنا أعجب عندما أسمع أن هناك من يقول يوجد مشكلة في السيولة، والذي أريد أن أوكد عليه أيضا أننا نحن في مؤسسة النقد العربي السعودي، لدينا القدرة والإمكانيات والوسائل للتعامل مع أي ظروف معينة في السيولة. فنحن نراقب السوق ونتابع التطورات بشكل مستمر ودقيق ولدينا الاستعداد لتوفير أي سيولة وبالقدر الكافي لو احتاج السوق لهذه السيولة، ولكن كل هذه الأدوات المتاحة الآن للبنوك للحصول على أي سيولة لم تستخدمها البنوك، وكذلك لدينا آلية إعادة الشراء أو ما يسمى الريبو لم تسخدمها البنوك، ولذلك ليس هناك مشكلة في السيولة في الاقتصاد السعودي يمكن أن يكون هناك نمو كبير وثقة كبيرة في الاقتصاد بحيث الطلب على الاقتراض كبير جداً ويتجاوز ما هو متاح.

> ولكن في صعيد متصل، هل السعودية تواجه مشكلة في إدارة السيولة محليا؟

ـ أعتقد يحتاج السؤال إلى وقفة عند بعض من يكتبون ويركبون موجة التشهير من المرجفين، بوضع أخبار أو تحليلات لا تمت للواقع بصلة، كيف يجرؤ أي شخص يعيش في السعودية يقول إن هناك بنكا سوف يفلس، هذا دليل على عدم القدرة على التحليل. وهذا كلام مرجف، ولا يستند إلى حقائق وأرقام، ومهم جدا أن يتوخى المحللون الحذر ويرأفوا بالناس.

نحترم من يختلف معنا في الرأي التحليلي، ولكن مسألة النظر إلى كأس نصف فارغ دائما إجحاف في حق الوطن، ومهنة التحليل والصحافة ومن يرى إلى الجانب الممتلئ سينظر في المميزات والايجابيات. فأكثر من 60 نظاما في تاريخ المجلس الاقتصادي الأعلىا تؤكد دقة وحرص السلطات العليا في البلاد على الوضع المالي المحلي.

> هناك تخوف بالنسبة للودائع في البنوك السعودية من حيث سلامتها وما إذا كان هناك أية استثمارات لهذه الودائع في الخارج قد تأثرت؟

ـ أيضا أود أن أوكد أن ودائع البنوك السعودية في حرز أمين، فالبنوك السعودية وضعها المالي وقاعدتها المالية وقروضها كلها موجودة في الاقتصاد السعودي، وقد بلغت القروض 116 في المائة من حجم الودائع الموجودة في الاقتصاد السعودي، ولذلك ليس هناك أي داع للتخوف من هذا وأيضا أود أن أوكد أن مؤسسة النقد العربي السعودي والحكومة السعودية لن تسمح بأن تتعرض وديعة أي مواطن أو مودع في أي بنك سعودي لأية مخاطر، ولذلك التخوف الموجود لا أجد له أي مبرر في هذا الوقت.

> وماذا عن الإشراف على الودائع؟

ـ الودائع في حرز أمين، نشرف عليها ونتابعها، ولا يمكن أن يسمح في السعودية أن تتعرض الودائع لأي مخاطر، فالودائع هي أهم مصدر لتمويل العمليات المصرفية، لذلك لن يسمح بأن تتعرض لأي خطر.

> نحن جزء من هذا العالم، هل عندما تقول إن 116 في المائة من الودائع مستثمرة في الداخل، فهل هي إشارة طمأنة عن وضع السوق المالية العالمية المتأزمة؟

ـ لا يوجد لدى أي بنك أي تعرض أو أي انكشاف من أزمة الرهن العقاري في أميركا، ولدينا إجراءات قوية جدا بالنسبة للمخصصات وتؤخذ مخصصات لأي أصل يتعرض للعنف، وإذا نظرنا للمخصصات في البنوك السعودية، فهي الأعلى في العالم، لأن الأنظمة تتطلب تحوطا عاليا جدا.

> ما رأيك حول التحليل المطروح لقراءة الوضع المحلي لدينا، ومقارنته بالوضع الأزمة المالية العالمية؟

ـ أرجو من المحللين مشاهدة البيانات والميزانيات المجمعة، فلو كانت نصف الودائع مستثمرة في الخارج، ممكن يكون مبرر لذلك النوع من التحليل الهجومي غير المسؤول، ويكفي أن أشير هنا إلى أن 116 في المائة من ودائع البنوك مستثمرة داخل السعودية، فلا يوجد هناك مبرر للخوف.

> كيف يحصل التأثير عالميا؟

ـ أسعار السلع تمر بانخفاض، مثلا الحديد، وهذا أمر ايجابي، ولن يكون، إن شاء الله، تأثر في موضوع استمرار الصرف على الجوانب الحيوية، ونحن استغلينا الفترة الماضية من ارتفاع أسعار النفط لتسديد الديون وغير ذلك. فاللحظة مغرية أن نغتنمها ولكن الأهم هو الاقتصاد السعودي الذي لا يزال يمر بفترة زاهرة ونحن أفضل من الدول الأخرى، من الحصافة، وعدم الانجرار وراء اللحظات المغرية. > جميل، ألا يوجد ما يثير أية مخاوف، على الربحية المستقبلية؟

ـ بالنسبة للسيولة أود أن أؤكد بأننا نراقبها بشكل يومي حتى نعرف ما يحصل للقطاع المصرفي. ولو احتاج القطاع أي سيولة سوف توفر له، وليس هناك شح ولدينا نافذة، إعادة الشراء للمصرف فرصة بأن يكون له 75 في المائة من حجم كمحفظة من سندات الحكومة ولم يأت أحد والحمد لله، وهذا يدل على أن ليس هناك أي شح والنمو في عرض النقود أعلى من العام الماضي والقطاع المصرفي زاهر، ويقوم بدوره بشكل جيد والودائع بأمان ولن تكون في موقع خطر لأن الجهاز الرقابي يقوم بدوره.

وهنا أتذكر عندما صارت المضاربات على الريال، ويلام هنا بعض الصحافيين، صار هناك طلب على الريال وصارت هناك سيولة هائلة بالريال في وقت يزداد فيه التضخم، ارتفعت الأصوات ومطالبات بفك الربط بالدولار. نحن قمنا بدورنا كبنك مركزي بتجفيف السيولة الزائدة في الاقتصاد بشكل تدريجي بحيث لا يؤثر على التضخم، فوصل النمو في الإقراض 3 أضعاف عن العام الماضي. في ذلك الوقت، وصل اليورو إلى مستويات عالية لذا توجب أن نأخذ نظرة متوسطة وطويلة المدى، لذا قمنا بذلك لترشيد السيولة الزائدة. وهذه السياسات بدأت تؤتي أكلها من دون أن تؤثر على البنوك، ونحن على اتصال بالبنوك ولا ندعي أننا نعلم كل شيء، بل دائما ما نتدارس مع البنوك ان كان هناك مشكلات، وهو التواصل الإيجابي بين الأطراف. > ما هو سر تأثر بعض البنوك في نتائج الأرباح؟ ـ يجب أن ننظر إلى الميزانية المجمعة والبنوك تمر بمشاكل إدارية وغيرها وظروف تجعل أرباحه ترتفع وتنخفض، والمحلل الواعي يجب أن ينظر إلى الميزانيات المجمعة، وبالنظر إليها فقد زادت أرباح البنوك بواقع 4.2 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث كانت متراجعة 6 في المائة، كما أن القطاع البنكي ينمو من حيث الربحية والملائمة المالية. إذن، لا يوجد دليل على أن هناك مشكلة عندما يحصل انخفاض لدى بنك معين. ومن يلوم «مؤسسة النقد» على عدم إعداد خطة للمستقبل حتى لو لم تحصل لدينا مشكلة، فهو إرجاف حيث ان «مؤسسة النقد» تعمل ليل نهار لمتابعة القطاع المصرفي وقطاع التأمين. > ما هو سبب الانخفاض الحاد الذي منيت به بعض البنوك في قيمة أسمها؟

ـ الفزع الذي حصل في الأسواق العالمية هو السبب لما حصل في الفزع في الأسواق المحلية، كما أن مكرر الربحية أصبح مغريا جدا بالنسبة للمستثمرين، فلم يحصل للاقتصاد الوطني أي شيء يدعو للقلق وليس هناك أي تفسير منطقي إلا الفزع العائد للأسواق العالمية ولا أجد أي مبرر واعتقد أن المحللين عندما يبدأون بالتحليل السليم سوف يتحسن السوق.

> وعلى نفس الصعيد، ما هو الأثر على الاقتصاد المحلي وربط الريال؟

ـ الاقتصاد المحلي جزء من الاقتصاد العالمي، وليس هناك مبرر موضوعي لقلق تواصل ربط الريال بالدولار، حيث ان الاقتصاد المحلي يطمئن وقدرة الدولة في الاستمرار على الصرف على المشاريع حتى مع انخفاض أسعار النفط قوية وباقية.

> كلمة تطمينية؟

ـ أقول للسعوديين والمقيمين ودائعكم في أمان، والسيولة تحت رقابة مستمرة وليس هناك أي شحّ، والاقتصاد الوطني والمصرفي يمر بفترة زاهرة، وأرجو أن يتحرى المحللون الدقة.