خطة الإنقاذ البريطانية الطموحة تشجع حكومات أخرى على ضخ المليارات في قطاعاتها المصرفية

الخزانة الأميركية قد تشتري حصصا في بنوكها لزيادة السيولة > اليابان تضخ 40 مليار دولار في القطاع المصرفي وإيطاليا 27 > اجتماع للسبعة الكبار اليوم في واشنطن لدراسة الأزمة

يقول خبراء ان المشكلة الرئيسية الآن هي السيولة، وأن البنوك لا تقدم قروضا للبنوك الاضعف والنظام المصرفي اجمالا لا يقدم قروضا للشركات (أ. ف. ب)
TT

حذر وزير الخزانة الأميركي هنري بولسون من أن مزيدا من البنوك قد تعلن إفلاسها، نظرا لمرور لنظام المالي الأميركي بفترة «عصيبة» لإعادة الهيكلة، إلا أنه وعد باستخدام كل السلطات المتاحة أمامه، لتخفيف حدة الانهيار الاقتصادي، وقال إن خطة الانقاذ المالي التي يبلغ حجمها 700 مليار دولار تمنحه صلاحية واسعة النطاق لضخ رؤوس أموال في النظام المصرفي. واشار إلى أن الولايات المتحدة تدرس شراء حصص في بنوك مثقلة بالديون في محاولة لإعادة الثقة الى سوق قروض ما بين البنوك التي ظلت مصابة بالشلل بعد خفض عالمي منسق لم يسبق له مثيل لأسعار الفائدة.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، نقلا عن مسؤولين حكوميين لم تذكر اسماءهم، أن الخزانة الأميركية فعلا تدرس أخذ حصص ملكية في كثير من البنوك الأميركية. وكان قد علق سابقا محلل الـ«بي.بي.سي» المالي روبرت بيستون قائلا ان المسألة الرئيسية هي السيولة المالية لدى البنوك، والقدرة على اقراض الافراد والأعمال الصغيرة الحجم، والاقراض فيما بينها وليس صعود ونزول اسهمها. خطوة لندن واستعدادها لضخ 50 مليار جنيه استرليني (87 مليار دولار) من أموال دافعي الضرائب في بنوكها وضمان القروض فيما بينها، جاءت لتعكس هذا التوجه لدى الحكومة البريطانية والبنك المركزي ومجموعة كبرى من ثمانية بنوك، بعد اجتماعهم مساء أول من أمس، واتفاقهم حول خطة انقاذ كبرى.

واعتبر العديد من المعلقين ان الخطوة البريطانية، والتي قدرت في النهاية بـ500 مليار دولار، جريئة بكل المقاييس، بالرغم من بعض الانتقادات التي تقول ان تفاصيلها قليلة وغير واضحة. وقال المحلل البريطاني الاقتصادي ويل هاتون في مقال نشر في صحيفة الغارديان أمس «المفاجئ جدا هو ان نرى رئيس الوزراء غوردن براون يقود العالم، في معالجة الأزمة المالية العاصفة».

الخطة البريطانية تعني تأميم جزئي للبنوك من خلال شراء اسهم تملكها الحكومة في البنوك، عندما تتعثر هذه في بيعها للمساهمين والقطاع الخاص.

وتضمن الخطة الالتزامات الحكومية بضخ 50 مليار في القطاع المصرفي، من خلال شراء أسهم بأسعار خاصة من بنوك رئيسية هي «آبي» المملوك من قبل البنك الاسباني سانتاندر، وبنك «باركليز»، و«اتش بوس»، وذراع «اتش اس.بي.سي» في بريطانيا، ولويدس «تي.اس.بي»، و«نيشين وايد»، ورويال بانك اوف اسكوتلند» و«ستاندرد تشارتر». كما تتضمن اعطاء البنك المركزي الصلاحية بتقديم قروض قيمتها 200 مليار دولار للبنوك في حالات الطوارئ. وتعهدت الحكومة بضمان مدخرات بقيمة 250 مليار دولار. وبهذا يصبح مجموع تكلفة الخطة 500 مليار جنيه استرليني. ومرر الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي تشريعا يخول لوزارة الخزانة شراء ما يعادل 700 مليار دولار من تأمينات دعم الرهن العقاري ودعم مواقف رؤوس الأموال بالمؤسسات المالية التي تعاني صعوبات، وذلك في إطار جهود الإبقاء على تدفق الائتمان عبر الاقتصاد الأميركي.

وقال بولسون للصحافيين في واشنطن :«هناك أمر يجب علينا إدراكه، وهو أنه حتى مع السلطات الجديدة لوزارة الخزانة، فإن بعض المؤسسات المالية ستسقط». وطالب بولسون الشعب بالتحلي بـ«الصبر»، قائلا إن الأمر سيستغرق «عدة سابيع» قبل أن تبدأ الخزانة الأميركية في شراء أرصدة الرهن العقاري لمضطربة التي تعد أساس أزمة الائتمان.

وأضاف أن حزمة الإنقاذ «لا تستهدف إنقاذ كل مؤسسة مالية من أجلها فحسب». وأشار إلى أن مزيدا من الإجراءات لا يزال في الطريق لتخفيف حدة الانهيار الائتماني، وحذر من أن حالة الاضطراب المالي «لن تنتهي سريعا»، لكنه أعرب عن ثقته بإمكانية عودة الاقتصاد الأميركي إلى قوته.

من جانب آخر، تستضيف الولايات المتحدة الجمعة في واشنطن اكبر المسؤولين الماليين في دول مجموعة السبع في اجتماع مهم مجهول النتائج في خضم الأزمة التي تعصف بالأسواق المالية العالمية.

وسيلتقي وزراء الاقتصاد والمالية وحكام المصارف المركزية في مجموعة السبع (المانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واليابان) كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات في قاعة الاحتفالات الكبرى في وزارة الخزينة الاميركية.

وأعلن مضيف الاجتماع بولسن، ان هدف هذا اللقاء هو «مناقشة الطرق المنتهجة من كل طرف لمواجهة هذه الازمة ووسائل تعزيز جهودنا الجماعية».

وأضاف أن دول مجموعة السبع تعمل «فرديا وجماعيا على اربع جبهات: السيولة والرساميل واستقرار الأسواق وردها في مجال القوانين» المنظمة للأسواق. ويفترض ان تنضم روسيا الى المجموعة خلال مأدبة العشاء الختامية التي سيشارك فيها ايضا عدد من الخبراء.

وسيصعب على مجموعة السبع التحدث بصوت واحد كما لمح بولسن بقوله «عندما ننظر الى دول مجموعة السبع نرى دولا شديدة الاختلاف، وانظمة مالية مختلفة حاجاتها وسياساتها مختلفة». والدليل على ذلك، الاختلافات بين الاعضاء الاربعة الاوروبيين في مجموعة السبع، حول ما الذي يجب القيام به لمساعدة النظام المصرفي. وهذا ما عكسه الاجتماع الذي استضافته باريس للدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، والذي في النهاية لم يظهر اجماعات لديها حول سياساتها المالية، خصوصا بالنسبة لمستوى الضمان لمدخرات الأفراد.

وافاد مصدر اوروبي، حسب ما ذكرت وكالة رويترز، انه من الصعب جدا توقع مضمون البيان النهائي للقاء واشنطن نظرا لسرعة انتشار الأزمة.

وحث تارو اسو رئيس وزراء اليابان، البلد الوحيد في مجموعة السبع الذي لم يخفض مصرفه المركزي معدل الفائدة الاربعاء (لكنه وافق على مبادرة المصارف الاخرى)، المشاركين على توجيه «رسالة قوية» في وجه الازمة، لكنه اعترف ضمنا بأن القمة قد تفشل في هذه النقطة.

وكان أداء الاسواق الآسيوية متفاوتا أمس بعد تخفيضات أسعار الفائدة على مستوى العالم، والتي قال محللون انها أظهرت أن التخفيضات لن تكون كافية لاستعادة الثقة في القطاع المالي.

وقال امار جيل رئيس قسم الابحاث في «سي.ال.اس.ايه» في سنغافورة «مجرد خفض الفائدة لن يكون كافيا على الاطلاق في الوضع الحالي.. المشكلة الرئيسية الان هي أن البنوك لا تقدم قروضا للبنوك الاضعف والنظام المصرفي اجمالا لا يقدم قروضا للشركات».

وفي أحدث بادرة على اتساع نطاق العدوى المالية العالمية وضعت ايسلندا أكبر بنك في البلاد، وهو مصرف «كوبثنج» تحت سيطرتها في ثالث عملية من هذا النوع خلال اسبوع واحد. وأعلن البنك أمس الخميس أن مجلس ادارته استقال بعد قرار بسط سيطرة الحكومة عليه.

واعلن المصرف المركزي الياباني أمس الخميس، ضخ ما مجموعه اربعة آلاف مليار ين (30 مليار يورو) في القطاع المصرفي الأمر الذي يشكل اكبر تدخل عاجل له في السوق منذ بدء عمليات الضخ هذه في 16 سبتمبر (ايلول).

وقام المصرف المركزي بعملية الضخ على ثلاث مراحل مع الف مليار ين في المرتين الأوليين صباحا، ومن ثم الفا مليار دولار بعد الظهر في التوقيت المحلي لتلبية حاجة المصارف الى سيولة. وهي المرة الاولى التي يضخ فيها هذه الكمية من الاموال في يوم واحد منذ بدء الازمة المالية.

وأعلنت الحكومة الإيطالية في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء عن إطلاق خطة تستهدف استقرار السوق كإجراء «احترازي» لإنقاذ البنوك والودائع البنكية. وقال رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني في روما عقب اجتماع طارئ لحكومته «لن يتعرض أي بنك للإفلاس».

وقال برلسكوني إن النظام المصرفي الإيطالي لديه «سيولة مناسبة». ووفقا لتقارير إعلامية، سيتم توفير تمويل إنقاذ بقيمة 20 مليار يورو لقطاع البنوك.

وأضاف أنه ليس هناك ما يدعو المدخرين الإيطاليين للقلق، وأنه رغم الأزمة المالية العالمية المتفاقمة ليس هناك سبب «لإخفائهم أموالهم تحت فرشهم». وسيعلن وزير الاقتصاد الإيطالي جيوليو تريمونتي تفاصيل الخطة أمام البرلمان.

وكان وزير الاقتصاد الإيطالي، قد أعرب في وقت سابق أمس عن اتفاقه مع خطة الحكومة البريطانية للإنقاذ برصد 50 مليار جنيه إسترليني (87 مليار دولار) لإنقاذ البنوك الكبيرة في بريطانيا من الأزمة المالية الراهنة.