الخطة البريطانية لإنقاذ البنوك نموذج يحتذى به

خبيرة اقتصادية: لا يوجد ما يسمى بحرية الأسواق

غوردن براون في المؤتمر الصحافي الذي اعلن فيه خطة الانقاذ البريطانية (رويترز)
TT

في تحرك جريء من أجل استعادة الثقة، أعلنت بريطانيا بعد ظهر الأربعاء عن خطة حكومية غير مسبوقة تبلغ تكلفتها 50 مليار جنيه استرليني لإنقاذ بنوكها، وتعتبر حلا لأزمة الائتمان أسرع من خطة الإنقاذ الأميركية التي تتكلف 700 مليار دولار لشراء أصول الرهونات السيئة من المؤسسات المالية المتأزمة.

عرضت بريطانيا على بنوك مثل رويال بنك اوف اسكتلند وباركليز وإتش إس بي سي القابضة ما يصل إلى 50 مليار جنيه إسترليني، أو 88 مليار دولار، لدعم رؤوس أموالها في مقابل الحصول على اسهم ممتازة. وسوف تقدم أيضا ضمانا بقيمة 250 مليار استرليني (438 مليار دولار) لمساعدة البنوك على إعادة تمويل الديون. وسوف يضاعف بنك انجلترا المبالغ التي يقرضها للبنوك بموجب خطته الخاصة للسيولة لتصل إلى 200 مليار جنيه استرليني.

وعرض رئيس الوزراء غوردن براون، الذي تقف فترة رئاسته على المحك، الاستراتيجية البريطانية كوسيلة لمواجهة أساس الأزمة، وهو خوف البنوك من الإقراض. وصرح يوم الأربعاء «هذه ليست الخطة الأميركية. فخطتنا هي شراء أسهم في البنوك ذاتها ومن ثم سيكون لنا نصيب فيها، فلن نمنح الأموال فقط».

في لطمة أخرى للخطة الأميركية، التي وضعها وزير الخزانة هنري بولسون، أضاف براون أن وقت شراء الأصول منخفضة القيمة المتعلقة بالرهن العقاري قد ولى. وفي الحقيقة، على الرغم من أن بولسون سيعيد عافية الصناعة المالية بالتخلص من الحيازات الضعيفة في موازنات البنوك، يعتقد الكثير من المحللين أنه سيحتاج إلى النظر في إعادة التحويل الرأسمالي للبنوك الأميركية.

وقال مسؤولو الحكومة الأميركية يوم الأربعاء إن وزارة الخزانة تدرس خطة مشابهة لخطة بريطانيا، تمتلك في إطارها الحكومة حصصا في البنوك.

وفي مؤتمر صحافي، قال بولسون إن الحكومة الفيدرالية ستستخدم جميع الموارد المتاحة من أجل تقوية النظام المالي، «ومن بينها تقوية رسملة المؤسسات المالية بجميع أحجامها».

وكان المقصود من الحزمة البريطانية استعادة الثقة بين البنوك بعد أن أضاعت أزمة الائتمان مليارات من الاسترليني من قيمتها في السوق. وتهدف الخطة إلى تشجيع البنوك على البدء مجددا في الإقراض لبعضها بعضا، وللمستهلكين والشركات، لتجنب توقف عجلة الاقتصاد البريطاني المضغوط بالفعل.

وقال جوي دي بلوناي، مدير صندوق في نيو ستار لإدارة الأصول في لندن «أي شيء يحاول على الأقل تحرير أسواق الائتمان العالمية يجب أن ينظر إليه خطوة إيجابية. ويبدو أن هذا سيكون أكثر تأثيرا من مجرد وجود صندوق إنقاذ».

ويعني قرار بريطانيا بتأميم أي بنك يحصل على أموال عامة العودة الى افكار سياسية كانت مقبولة قبل 20 عاما. يتبنى هذا الفكر رأيا بأن المؤسسات المالية، المسؤولة عن حماية مدخرات الأمة، يمكنها القيام بتلك المهمة بأقل قدر من الإشراف والمساعدة الحكومية.

ولكن توالي فشل البنوك الكبرى والشعور السائد بأن أزمة الائتمان قد تنتهي بانهيار البورصات العالمية دفع بفكرة وجوب تدخل الحكومة من أجل كبح جماح المؤسسات المالية التي تعاني من إدارة سيئة، وذلك بأن تكون الحكومة أكبر المساهمين فيها.

وجاء ذلك الإعلان متزامنا مع تخفيض أسعار الفائدة قام به بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وثلاثة بنوك مركزية أخرى لتخفيف الضغوط.

ولكن معظم البنوك، على الرغم من ترحيبها بالتدخل الحكومي، لم تعلن بأنها ستستغل عرض تبادل المال بالحصص الممتازة. وكما قال بعض المحللين، ربما يتردد البعض في الدخول في هذا البرنامج إلا كملاذ أخير لتجنب التدخل الحكومي.

وعلى سبيل المثال، أعلن بنك إتش إس بي سي أنه ليست لديه «خطط حالية للاستفادة من مبادرة إعادة الرسملة».

وقد هبطت أسعار أسهم البنوك البريطانية، ومن بينها رويال بنك اوف اسكتلندا وباركليز، يوم الأربعاء قبل أن تستجيب لتخفيض أسعار الفائدة، مما يعكس المخاوف من أن تدخل رأس المال الحكومي سيقلل من قيمة ممتلكات المساهمين الحاليين.

وصرح براون أن البنوك التي ستقبل أموال دافعي الضرائب لدعم رأس المال الذي تخصصه للظروف الطارئة ستستمر تحت إداراتها الحالية. ولكن ستكتفي الحكومة بتعويض تنفيذي، وعائد المدفوعات وعمليات الإقراض. وقال إنه ستكون هناك «قيود ملحقة وشروط يتعين على البنوك الوفاء بها»، حيث تتوقع الحكومة أن يجد دافعو الضرائب «مقابل الدعم الذي قدموه».

ومن الممكن أن يكون اقتراح براون السياسي نموذجا يحتذى به في جميع أنحاء أوروبا، وفي الاقتصادات الناشئة التي تقبل فكرة استحواذ الحكومة على حصص تمكنها من الإشراف في الأنشطة التجارية الاستراتيجية. وبالفعل، صرحت حكومتا فرنسا وإيطاليا أنهما سيبحثان في شراء بنوكهما إذا كان هذا سيحسن من أوضاعهما المالية. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية أنه في يوم الأربعاء، كتب براون إلى زعماء الاتحاد الأوروبي ليحثهم على إتباع النموذج البريطاني «حيث يصبح الحل العالمي المتماسك ذا تأثير قوي جدا».

ويقول ريتشارد بورتس، أستاذ الاقتصاد في كلية الأعمال في لندن «أعتقد أن هذا سينتشر في جميع أنحاء أوروبا. وأعلم أن رئيس الوزراء كتب إلى نظرائه في الدول الأخرى يقترح عليهم هذه المبادئ من أجل منحى مشترك. ويجب أن تكون هذه الخطة نموذجا حقيقيا».

وما زال الزعماء الأوروبيون في خلاف حول الإجراءات المشتركة التي يجب اتخاذها لتخفيف الأزمة المالية. ويعارض الكثيرون، ومن بينهم مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، ضخ أموال في صندوق أوروبي مشترك لإنقاذ البنوك، ولكن حتى مع عرض براون لخطته كبديل، يقول بعض المحليين إنهم يشعرون بالقلق من أنها قد تؤدي إلى تشويه غير مقصود.

ويقول فاسكو مورينو، وهو محلل في شركة كيف برويت آند وودز في لندن «مع افتراض أن خطة بريطانيا أصبحت نموذجا، قد تطَالب البنوك الأوروبية خارج المملكة المتحدة بجمع رأس مال ما بين 70 مليارا إلى 130 مليار يورو. ومن المحتمل ألا تستطيع البنوك الأوروبية جمع هذه المبالغ من المستثمرين المستقلين في الوضع الحالي، لذا ربما يكون على الحكومات أن تضخ أموالا إلى هذه البنوك».

وألقى براون بمسؤولية أزمة الرهن العقاري على الولايات المتحدة، وقال إنه بعيدا عن منح البنوك مصادر الأموال التي تحتاجها، فستقوم الخطة البريطانية بتحقيق الانضباط والرقابة.

وبينما تدخلت حكومة الولايات المتحدة من أجل تأميم شركات كبرى مثل فاني ماي وفريدي ماك، وأميركان إنترناشونال غروب، إلا أن قرارها بعدم الحصول على حصص في البنوك المتعثرة ولكنها ما زالت تعمل مثل سيتي غروب وبنك أميركا، نتيجة لاعتقاد راسخ بأن امتلاك الحكومات لأسهم في الشركات يجب أن يكون ملاذا أخيرا.

وقال براون إن هذا الفكر أصبح «مبدأ عفا عليه الدهر» وحذر قائلا: «إن المشكلة التي بدأت في أميركا أصابت الآن كل النظام المصرفي في كل قارة في هذا العالم».

ومنذ عام 1997، كان براون له دور قوي في اتباع حزب العمال فلسفة اقتصادية على الطراز الأميركي التي تخفف من الرقابة. وقد شجع مبدأ حرية السوق البنوك في بريطانيا على التوسع حول العالم والسعي وراء الأرباح في مجالات بعيدة تماما عن مهمتها الأساسية في جذب المودعين. فازدهر حي المال والاعمال في لندن، وأصبح بنك إنجلترا مستقلا، وتم التخلي عن مبادئ حزب العمال القديمة التي تنادي بتدخل الدولة. وقال براون في حوار أجري معه منذ عدة أعوام: «يمكنك أن ترى وضع المصلحة العامة في المقدمة، وكذلك توفير فرص العمل، وتحقيق الرخاء بدون وجود ملكية أو رقابة عامة، اللتين تبدوان اليوم من صفات اقتصادات دول أوروبا الشرقية».

وبالنسبة لدولة غيرت اتجاهها من فكر الرقابة الحكومية الصارمة الذي ساد أجندتها السياسية في السبعينات، يعتبر التحول إلى تأميم البنوك البريطانية رفضا لبعض مساوئ الرأسمالية التي نشأت فيها في الأعوام الأخيرة.

ويقول ساندر كاتوالا، الأمين العام لجمعية فابيان البريطانية التي تتبنى رأيا بأن الحكومة يجب أن يكون لها دور إشرافي إن لم يكن تدخليا في الاقتصاد: «هذا يذكرنا بالحقيقة الأساسية: لا يوجد شيء اسمه سوق حرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»