الأزمة المالية تعرقل تمويل مشروعات لدول حوض النيل بـ30 مليار دولار

تراجع أسعار السلع الغذائية 10% والبنك المركزي المصري قد يخفض الفائدة على القروض

TT

قالت مصادر مصرية وأفريقية أمس إن استمرار الأزمة المالية العالمية سوف يعرقل تمويل دولي لمشروعات مشتركة لدول حوض النيل قدرت بأكثر من 30 مليار دولار. وكشفت مصادر شاركت في اجتماع لدول حوض النيل التسع، والذي عقد أول من أمس في القاهرة، عن أن تلك الدول (وهي: أوغندا وإثيوبيا والسودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا ومصر) تخشى تعثر تنفيذ مشروعات تنموية بمليارات الدولارات، بسبب الأزمة المالية العالمية، قائلة إن غالبية تلك المشروعات، وهي في مجالات الزراعة والكهرباء والنقل والإسكان وغيرها، تم الانتهاء من إنجاز الدراسات الخاصة بها، وعلى وشك التنفيذ الفعلي. ولفتت المصادر إلى أنه في حال استمرار الأزمة المالية العالمية، التي طالت بنوكا وبورصات دولية، فإنه سيكون من الصعب الحصول على تمويل يبلغ نحو 30 مليار دولار، تحتاج إليها تلك المشروعات».

وقال السفير عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري والسفير لدى العديد من الدول الأفريقية، إن مساهمات الدول، مثل أميركا وكندا وغيرهما، التي لها مساهمات (إتاحة منح وقروض ومعونات) في الدول الأفريقية، سوف تقل، رغم إن هذه المساهمات لا تتعدى 1 في المائة من قيمة الدخل القومي لتلك الدول المانحة. وأضاف أن الدول التي تتلقى إعانات عينية مثل الطعام وألبان الأطفال، من منظمات مثل الفاو واليونيسيف، وخاصة في بوروندي والصومال، من السهل أن تتأثر بالأزمة المالية العالمية، موضحاً أن مصر وغالبية البلاد الأفريقية ما زالت في حزام توابع الزلزال المالي الذي يضرب العالم. وقال إنه في حال استمرت الأزمة المالية فإن منطق الدول والمنظمات والجهات المانحة والممولة سيكون: «اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع»، في إشارة إلى اتجاه أولئك المانحين والمقرضين الدوليين إلى تقليص تمويلهم لمشروعات في البلدان الفقيرة. وقال موظف مصري أجبر أخيراً على إجازة 3 أشهر من عمله في مشروع تنموي ممول من الحكومة الكندية، إنه جرى تقليص كبير للمشروع في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وتابع في لقاء لـ«الشرق الأوسط»، رافضا ذكر اسمه: «كنا نشعر بأزمة تزحف نحونا، ولم نكن نتوقع أنها أزمة عالمية. كانت منح تمويل المشروعات تصل إلى 6 ملايين جنيه، في بني سويف والمنيا والفيوم، ومنذ خمسة أشهر تراجع حجم التمويل إلى 150 ألف جنيه لا غير». ويوجد في مصر مئات المشروعات الممولة بمنح دولية. وقال مسؤول في مشروع إدارة الموارد بالمناطق الصحراوية بمصر والممول بملايين الجنيهات من البنك الدولي، إنه يجري حاليا دراسة استبدال الجهة الممولة إلى جهة محلية كوزارة الزراعة، بعد أن أصبحت هناك شكوك كبيرة في وصول التمويل اللازم لمواصلة عمل المشروع في حفر الآبار وإقامة السدود في المناطق الجافة، وتخزين مياه الأمطار.

من جانب آخر قالت مصادر بوزارة التجارة والصناعة المصرية إن هشام رامز نائب محافظ البنك المركزي قال ردا على تساؤلات لرجال أعمال في اجتماع مع مسؤولين كبار، إن «الجهاز المصرفي (المصري) سيقوم بدراسة الموقف من سعر الفائدة وأنه سيضع في الاعتبار ارتباط سعر الفائدة بمعدلات التضخم وكذلك سلوك المودعين الأفراد الذين يلجأون للادخار في البنوك للاستفادة من الفائدة على مدخراتهم كدخل ثابت».

وأضافت المصادر أن رجل الأعمال المصري البارز، نجيب ساويرس، طرح في ذات الاجتماع، الذي كان برئاسة وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، مقترحات لمساندة الشركات، من ضمنها رفع نسبة الائتمان بضمان الأسهم وإعادة النظر في سعر الفائدة على الإقراض. وهيمنت الأزمة المالية العالمية على اجتماعات في القاهرة شارك فيها وزراء ورجال أعمال ومسؤولو مصارف ورؤساء مجالس تصديرية وغرف تجارية مصرية فرنسية وألمانية وكندية وبريطانية وبولندية واسكندنافية وصينية خلال اليومين الماضيين، قال فيها نجيب ساويرس رئيس جمعية رجال الأعمال المصرية الألمانية إن الشركات المصرية الكبرى لم تتأثر خططها الإنتاجية، وأن المطلوب هو اتخاذ إجراءات حكومية للوقوف بجانب الشركات حتى لا تنهار أسهمها في البورصة رغم سلامة وضعها المالي. وحدد ساويرس عددا من إجراءات المساندة ومنها زيادة معدلات الإقراض من الجهاز المصرفي المصري لهذه الشركات وتشجيعها على تحويل محفظتها من البنوك الأجنبية إلى البنوك المصرية ومنح تيسيرات جديدة لتعامل هذه الشركات في أسهم الخزينة شراء وبيعا ورفع نسبة الائتمان بضمان الأسهم وكذلك إعادة النظر في سعر الفائدة على الإقراض. وقال رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة الدكتور علاء عرفة إن الأزمة العالمية «أثَّرت على معظم الأسواق التي نستهدف تصدير الملابس الجاهزة إليها». فيما طالب رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية المهندس وليد هلال بمراجعة أسعار الطاقة والشحن خاصة للدول الأفريقية وتخفيض أسعار الخامات الداخلة في الصناعات الكيماوية.

وأضاف رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، محمد المصري، إن قطاع التجارة الداخلية بمصر سيتأثر بالأزمة ولا بد من اتخاذ خطوات للحفاظ على معدلات القوى الشرائية للمستهلك المصري، مطالباً بضرورة الحفاظ على توفير السلع الاستهلاكية الأساسية خاصة القمح. فيما قالت الحكومة على لسان وزير التجارة والصناعة إنها تعمل حاليا على تنفيذ مشروع قومي لإنشاء أسواق جملة بالمحافظات، بعد أن أصبح إنشاء هذه الأسواق ضرورة للتعامل مع الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، خاصة المنتجين المحليين، وأيضا لحماية المستهلك وضمان حصوله على سلع ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة.

وكشفت أحدث بيانات لـ«قطاع التجارة الداخلية واتحاد الغرف التجارية» بمصر عن أسعار السلع الغذائية في البلاد عقب الأزمة المالية العالمية، إن أسعارها انخفضت أخيراً بنسبة تصل إلى 10 في المائة. وتوقع رئيس غرفة تجارة الإسكندرية أحمد الوكيل أن تصل نسبة الانخفاض إلى 30 في المائة في معظم السلع الغذائية وغير الغذائية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتحدث خبراء ومسؤولون اقتصاديون سابقون عن خسائر البورصة المصرية ومستقبل المصارف بمصر. وقال مدير عام شركة تداول للأوراق المالية، حنفي معوض، في ندوة حول «الأزمة المالية العالمية» عقدت بجامعة الأزهر أمس، إن البورصة المصرية فقدت نحو 300 مليار جنيه منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وحتى الآن، وأن مؤشرها انخفض بنحو 50 في المائة بما يشير لتأثر البورصة من جراء الأزمة المالية.

وبينما تستعد البورصة المصرية لاستئناف نشاطها اليوم (الأحد) عقب انتهاء أجازتها الأسبوعية، توقعت شركات وساطة وتداول أوراق مالية بها، أن تستمر أسعار الأسهم أقل بكثير من قيمها العادلة، قائلين حول مقترحات لمراقبين ومحللين ماليين بدخول الحكومة لضخ أموال لإنعاش البورصة، إن من شأن الدخول بعمليات كبيرة لشراء أسهم شركات (من تلك التي فقدت أكثر من نصف قيمتها في تعاملات الأسبوع الماضي) أن ترفع من قيمها مجدداً.