الحكومات أكثر استعدادا للتدخل في حالات هبوط الأسواق أو تردي الاقتصاد

الإحساس التاريخي يشير إلى أن الوقت مناسب للاستثمار

هيبنر: البورصات قادرة على استعادة توازنها بقوة («نيويورك تايمز»)
TT

من أخطر العبارات التي يمكن أن تواجه المستثمرين، عبارة: الوقت لم يعد كما كان في الماضي. ففي عام 1999 قُيمت شركات التكنولوجيا ـ التي لم تكن تحظى بأرباح أو مبيعات ـ بمليارات الدولارات، لكن المستثمرين قالوا لأنفسهم إن الوقت لم يعد كما كان، وإن شركات الإنترنت لا يمكن أن تنجو هي الأخرى بأي حال من الأحوال. لكنهم كانوا مخطئين، فبين عامي 2000 و2001 هبطت أسهم شركات التكنولوجيا بشدة، لتسبب خسائر بلغت تريليونات الدولارات. وقد عاد المستثمرون، الآن، ليقنعوا أنفسهم من جديد بأن الوقت لم يعد كما كان، وأن أزمة الائتمان ستدفع الاقتصاد العالمي إلى هوة سحيقة من الركود، تعد الأكبر منذ تلك التي شهدها العالم في الركود الكبير للاقتصاد العالمي عام 1929، وفاق الشعور بالمخاوف على الشعور بالجشع الذي ساد العالم منذ عقد مضى. لكن المستثمرين، وهم في فرط جزعهم هذا، نسوا 60 عاما من التاريخ، فمنذ الكساد أصبحت الحكومات أكثر استعدادا للتدخل في حالات هبوط أسواق الائتمان أو تردي الاقتصاد. وكل تلك التدخلات التي قامت بها الحكومات من قبل أثبتت نجاحها، وعلى الرغم من صعوبة حالات الكساد التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، إلى حد ما، إلا أنها كانت أقل إيلاما من الكساد الكبير.

ويقول بعض المستثمرين من ذوي الخبرة، من أمثال كينث هيبنر، وهو مدير صندوق مشترك وأحد أصحاب أكبر السجلات الحافلة في بورصة وول ستريت، إن عمليات البيع تمضي إلى مستويات قياسية، وان البورصات قادرة على استعادة توازنها بقوة إذا ما كان الانخفاض في أداء البورصات أقل شدة من مخاوف المستثمرين.

ويقول هيبنر، الذي يدير ما يقرب من 10 مليارات دولار في صناديق مشتركة عديدة، «هناك الكثير من الصفقات تجري هناك»، ووفقًا لكثير من المعايير فإن الأسهم تعد رخيصة كما كانت في الأعوام الـ 25 الماضية. وأشار هيبنر إلى أن سهم تشيسبيك إنرجي، الشركة المنتجة للغاز الطبيعي التي يمتلكها ضمن صندوقه المشترك سي جي إم فوكس، كان يتداول في البورصة بسعر 63 دولارا، لكنه انخفض إلى 11.99 دولار يوم الجمعة.

ويشير إلى أن المستثمرين من محبي المخاطرة، والذين يتمتعون بأفق واسع يجب عليهم أن يدرسوا موقف وارن بافت الذي استثمر 8 مليارات دولار في شركتي غولدن ساش وجنرال إلكتريك.

ويتوقع هبنر أن تنكمش الاقتصادات العالمية في العام المقبل. لكنه قال إن انخفاض السوق الأسبوع الماضي لم يكن بسبب التحليل العقلاني، وإنما لأن البورصات سادها توليفة الذعر والبيع من قبل صناديق التحوط التي تضطر إلى تلبية النداءات بتحقيق هوامش ربح من جانب مقرضيها.

ولم تتمكن صناديق هبنر من تجاوز تلك الكارثة هذا العام، حيث انخفضت قيمة صندوقه سي جي إم فوكس بمقدار 42 في المائة إلى الآن خلال عام 2008، لكن سجله الحافل في البورصات مذهل، ففي العقد الذي انتهى في 31 ديسمبر (كانون الأول) ارتفعت قيمة الصندوق بنسبة 26 في المائة بما فيها الأرباح التي أعيد استثمارها مما جعله من أفضل الصناديق المشتركة أداء.

ليس هبنر الوحيد الذي يبدي تفاؤله، حيث يقول ديفيد بي ستويل أستاذ التمويل في نورثويسترن والمدير الإداري السابق في جيه بي مورجان تشاس: «أعتقد أننا سندرك في الأعوام المقبلة ـ لا أقول في الشهور المقبلة ـ أن هذه كانت فرصة قيمة للشراء، وفي خلال عامين أو ثلاثة من الآن سندرك مدى ذكاء ذلك». وحتى قبل الانتكاسة التي شهدتها البورصات في الشهر الماضي، لم تكن الأسهم مرتفعة بحسب المعايير التاريخية، بناء على معايير أساسية مثل الأرباح وتدفق السيولة. أما الآن، وبعد هبوط البورصات بنسبة وصلت إلى 30 في المائة أو ربما تعدتها إلى أكثر من ذلك منذ بداية سبتمبر، تم تداول أسهم الشركات القوية مثل نوكيا وإكسون موبيل وبوينغ بما يعادل تسعة أضعاف ربحها السنوي أو ربما أقل. والكثير من أسهم الشركات الصغيرة أرخص بكثير، كما يتم تداول بعض الأسهم في مقابل خمسة أضعاف الربح . وتعد تلك المعدلات منخفضة من الناحية التاريخية، فمؤشر استاندرد آند بورز 500 يتم تداوله في مقابل 13 ضعفا لأرباحه المتوقعة عام 2009، وهو ما يعد الأكثر انخفاضا في تاريخه منذ عقد من الزمن. وفي المقابل، وفي ذروة فقاعة التكنولوجيا في بداية عام 2000 تم تداوله بحوالي 30 ضعفا لمعدل ربحه السنوي وهو أعلى معدل على الإطلاق. وفي ذات الوقت كانت أرباح سندات الخزانة لعشر سنوات قد بلغت 6% مقارنة بأقل من 4% في الوقت الحالي.

يشير ستيفن هابر المؤرخ الاقتصادي والزميل في معهد هوفر إلى أن المستثمرين هجروا البورصات واتجهوا إلى سندات الحكومة والودائع البنكية المضمونة والاستثمارات الأقل خطورة لأنهم خائفون إلى حد بعيد من الأزمة الاقتصادية العالمية، لكنه قال إنه يعتقد أن تلك المخاوف وصلت إلى حد الشطط. ولا تزال نسبة التفاؤل ضعيفة في وول ستريت، فمعظم المستثمرين يعتقدون أن أزمة الائتمان ستحدث أضرارا جوهرية للبورصات والنشاط الاقتصادي بوجه عام.

يقول ستيفن ويتنج كبير اقتصادي الولايات المتحدة في مجموعة سيتي غروب: «لم نشهد من قبل تلك الفترات من التحول عن المخاطرة، وهو ما يعتبر نتيجة للقيود التي رأيناها» ويبدو أن النشاطات الاقتصادية قد تراجعت بحدة في سبتمبر(ايلول). وقد استولى الذعر، الأسبوع الماضي، على عدد كبير من الشركات المالية، إضافة إلى الشركات التي تعتبر قوية. لكن البورصات انخفضت بنسبة من 10% إلى 30% حتى بالنسبة للشركات المصنعة للسلع الاستهلاكية التي كان يعتقد أنها في مأمن من مثل هذه التقلبات. فعلى سبيل المثال، انخفض سعر سهم نيويل رابرميد من 17.34 دولار في 1 أكتوبر إلى 12.82 دولار يوم الجمعة، وهو ما يعد انخفاضا بنسبة 26% خلال 10 أيام. ويتم تداول سهم نويل رابرميد بأقل مستوى له منذ التسعينيات وهو ما يعادل ثمانية أضعاف دخلها المتوقع للعام المقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»