«مارد» الأزمة ينتقل من شارع المال إلى ساحة الاقتصاد الحقيقي

4 تريليونات دولار لإنقاذ النظام المالي لم تفلح في تبديد المخاوف من «غول» الكساد

TT

انحسرت مشاعر التفاؤل التي اثارتها خطط حكومية لمساعدة القطاع المالي المضطرب والبنوك المتعثرة، والتي بلغت بين اميركا ومنطقة اليورو وبريطانيا فقد 4 تريليونات دولار، وتحولت الانظار الى كيفية تأثير خطط الانقاذ على الاقتصاد العالمي مع تجدد المخاوف من الكساد وان «مارد الازمة المالية» قد خرج من شارع المال الى ساحة الاقتصاد الحقيقي، وان الاقتصاد العالمي دخل فعليا حالة ركود. وفي هذا السياق أكدت مسؤولة في الاحتياطي الفدرالي الاميركي جانيت يلين مساء اول من أمس ان الولايات المتحدة دخلت حالة ركود مؤكدة ان تحرك السلطات العامة سيقلل من خطورتها.

وجانيت يلين رئيسة فرع الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو هي أول مسؤول في هذه المؤسسة يتبنى تحليلا يتحدث عنه الاقتصاديون اكثر فاكثر نظرا للتباطؤ الاقتصادي الذي نجم عن ازمة مالية ضربت تدريجيا كل الاقتصاد. من جهتهم، اكد 52 اقتصاديا قابلتهم صحيفة «وول ستريت جورنال» ان الاقتصاد الاميركي دخل مرحلة ركود منذ الفصل الثالث وسيبقى كذلك في الفصلين الرابع من 2008 والربع الاول من 2009. وقالت الصحيفة انه في حال تراجع اجمالي الناتج الداخلي لثلاثة فصول متتالية، فان ذلك سيكون للمرة الاولى منذ اكثر من نصف قرن. الا ان يلين اكدت ان الوضع بعيد جدا عن درجة خطورة الركود الكبير للثلاثينات بسبب القدرات المتزايدة على المقاومة والدروس التي استخلصت على حد سواء. يأتي هذا بالتزامن مع إعلان مسؤولين في الحكومة الأميركية في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس أن العجز الحكومي الاتحادي في ميزانية العام المالي 2007/2008 الذي انتهى لتوه فاق التوقعات، حيث بلغ حجمه مستوى قياسيا وصل إلى 455 مليار دولار. وبلغت نسبة العجز في الميزانية إلى إجمالي الناتج المحلي 3.2 في المائة. وكان العجز في العام المالي 2006/2007 قد بلغ 161.5 مليار دولار أي حوالي 1.2 بالمائة إلى إجمالي الناتج المحلي.

ويشار إلى أن الرقم القياسي السابق للعجز في الميزانية الاتحادية الأميركية قد سجل عام 2004 حيث بلغ حجمه حينذاك 413 مليار دولار.

وبحسب وكالة الانباء الألمانية وصل إجمالي النفقات الاتحادية إلى 2.98 تريليون دولار مقابل عائدات بلغت 2.5 تريليون دولار. وارتفعت النفقات بنسبة 9.1 بالمائة مقارنة بالعام المالي السابق وهي أعلى نسبة ارتفاع منذ عام 1990. وقال وزير الخزانة الأميركي: «تعكس نتائج الميزانية هذا العام عمليات التصحيح الجارية في سوق العقارات ومظاهر ذلك في أسواق رأس المال المتعثرة».

وأضاف بالقول: «نحن نتخذ خطوات سريعة لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية وتقوية مؤسساتنا المالية بما يمكنها من تمويل النمو الاقتصادي».

من جهة أخرى قال تقرير حكومي أمس ان مبيعات التجزئة الاميركية سجلت أكبر انخفاض شهري لها منذ أكثر من ثلاثة أعوام في سبتمبر (ايلول) الماضي فيما يوضح أن المستهلكين يواجهون صعوبات في التأقلم مع انخفاض أسعار المساكن والأسهم. ونقلت رويترز عن وزارة التجارة قولها ان المبيعات انخفضت بنسبة 1.2 في المائة الشهر الماضي الى 375.5 مليار دولار بعد هبوط بلغ 0.4 في المائة في أغسطس (اب) الماضي. وهذا أكبر انخفاض يسجل منذ أغسطس عام 2005 عندما انخفضت المبيعات بنسبة 1.4 في المائة.

وفي بريطانيا ارتفع عدد العاطلين عن العمل هذا الصيف بأسرع وتيرة له منذ الكساد الذي شهدته البلاد في أوائل التسعينات ويتوقع الخبراء زيادات أكبر في الفترة المقبلة بسبب تداعيات الازمة المالية على الشركات في مختلف قطاعات الاقتصاد. وقال مكتب الاحصاءات الوطنية امس ان عدد العاطلين زاد وفق معايير منظمة العمل الدولية بواقع 164 ألفا في الاشهر الثلاثة المنتهية في اخر أغسطس (اب) الماضي حتى قبل بدء اشتداد الازمة الائتمانية. ورفع ذلك معدل البطالة نصف نقطة مئوية الى 5.7 في المائة وهو أيضا أعلى مستوى منذ يوليو (تموز) عام 1991. وأكد تقرير لغرفة التجارة البريطانية الاسبوع الماضي دخول اقتصاد بريطانيا مرحلة الركود في الوقت الذي يواجه فيه تهديدا مزدوجا يتمثل في ارتفاع معدل البطالة وتباطؤ النمو.

وذكر التقرير الذي استند إلى دراسة شملت حوالي 5000 شركة بريطانية أن المبيعات والأرباح تراجعت خلال الصيف الحالي في ظل توقعات اقتصادية تزداد سوءا واحتمالات زيادة معدل البطالة مع انهيار الثقة في مختلف قطاعات الصناعة البريطانية.

وأكدت لـ«الشرق الأوسط» الخبيرة الاقتصادية فانيسا روسي بمعهد الشؤون الدولية في لندن (تشاتهام هاوس) «ان الاقتصاد البريطاني يوجد منذ فترة عمليا في حالة ركود».

وفي المانيا، ثالث اكبر اقتصاد في العالم، والاكبر في اوروبا، حذرت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل أمس من ان «النمو الاقتصادي سيتباطأ» بسبب الازمة المالية. وفي اليابان، ثاني اكبر اقتصاد في العالم، أكد رئيس الوزراء تارو آسو الاسبوع الماضي ان «النظام المالي لليابان صلب لكن الازمة العالمية ستؤثر كثيرا على الاقتصاد الحقيقي» للبلاد. واشار آسو الى ان الازمة «ستؤثر بالتأكيد على الصادرات اليابانية، وايضا على الصادرات الصينية». وقال لـ«الشرق الأوسط» الخبير تشارلز دافيس من مركز الابحاث الاقتصادية بلندن «ان الاقتصاد العالمي يعرف تراجعا ملموسا وسيتواصل في العام المقبل (...) بنهاية العام المقبل ستشهد الازمة المالية ربما بعض الانحسار في حدتها بعودة ملحوظة للاقراض من قبل البنوك». وأضاف: «ستكون أميركا وبريطانيا أكثر المتضررين من الأزمة، غير ان أغلبية دول العام سترى ان العام 2009 سيكون اكثر تحديا عن 2008».

* قالوا...

* رئيس الوزراء الاسترالي، كيفين رود: «ما رأيناه لهو فشل شامل للرأسمالية المتطرفة، تلك الرأسمالية التي باتت تلجأ للحكومات الآن».

* مدير منظمة الاغذية والزراعة (فاو)، جاك ضيوف: «العام الماضي كان «مقلاة» بينما قد يكون العام المقبل هو النار».

* الرئيس البرازيلي، لويس لولا دا سيلفا : «الدول النامية ضحية الأزمة المالية التي سببتها الدول الغنية..هذا الوضع غير عادل»

* أرقام

* زاد عدد العاطلين في بريطانيا بواقع 164 ألفا في الاشهر الثلاثة المنتهية في آخر أغسطس (اب) الماضي أي بزيادة 5.7 %، ليرتفع عدد العاطلين عن العمل الى 1.7 مليون أي اعلى مستوى منذ 17 عاما.

* نسبة العجز في الميزانية الأميركية التي ارتفعت الى رقم قياسي 455 مليون دولار تعادل 3.2% من إجمالي الناتج المحلي

* الرقم القياسي السابق للعجز في الميزانيــة الأميركية سجل عام 2004 وبلغ حجمه حينذاك 413 مليار دولار.

* مبيعات التجزئة الأميركية سجلت أكبر انخفاض شهري لها منذ أكثر من ثلاثة أعوام في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث انخفضت بنسبة 1.2 % إلى 375.5 مليار دولار.