الأزمة المالية العالمية.. ابحث عن السبب

سـعود الأحمد

TT

مع تفاقم أزمة الأسواق العالمية، كتب الاقتصادي بـ«الفايننشال تايمز» جيليان تيت يقول: إن وضع اللحم الفاسد في البراد قد يسكت رائحته النتنة لكنه لا يزيل منه العفن. وبالمناسبة هذه المقولة أطلقت على الديون اليابانية المتهالكة، بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية وانهيار الإمبراطورية اليابانية، بما في ذلك النظام الاقتصادي الياباني، حيث يشبه جيليان أزمة الرهن العقاري بالعفن، الذي وإن اختفت رائحته الكريهة لفترة معينة، إلا أنه لا بد في النهاية أن يظهر لشخص ما، في مكان ليتعامل معه. ويعلق الكاتب بأن من المحتمل أن يصبح هذا العفن في النهاية أكبر مما تود البنوك أو الحكومة الاعتراف به.

وخطورة تداعيات الأزمة الراهنة تتمثل في زعزعة الثقة بسلامة الأصول وملاءة الشركات المعروضة في الأسواق المالية العالمية، حتى بعد تغذية البنوك المركزية للمؤسسات المالية بما يقابل التزامات الديون المضمونة بنسب أعلى من المعتاد للديون الرديئة. وبهذا الصدد، ينبغي معرفة أن أحد أهم أسباب تفاقم الأزمة، يتمثل في غياب الشفافية وتأخر الإفصاح عن الخسائر إلى أن تراكمت بهذا الحجم التريليوني. فلو أن القوائم المالية لهذه المؤسسات المالية والبنوك العالمية كانت تعد طبقاً للمعايير المحاسبية المتعارف عليها، وأن مراجعي الحسابات كانوا يعطون تقارير محايدة بأن القوائم المالية تظهر بعدل المراكز المالية لهذه المنشآت، لما حصلت هذه المفاجآت، لأن المعايير المحاسبية تلزم عند الشك في تحصيل الديون وعند انخفاض قيم الأصول (طبقاً لقاعدة الحيطة والحذر ومبدأ الشفافية) أن يتم تكوين ما يقابلها بما يسمى مخصص الديون المشكوك فيها، يخصم من أرباح ذلك العام. فأين كانت هذه الشفافية يوم أن حطم مؤشر فيكس، الذي يقيس الخوف في «وول ستريت» المستويات القياسية التي وصل إليها منذ سنوات. لدرجة احتاج معها بنك «باريبا» إلى أن يوقف تداول حصص بعض صناديقه الاستثمارية، ليعود فتحه بقرارات إدارية بأسعار جديدة! ويوم أن اتخذ «بيت سينتينال» الأميركي الكبير للاستثمار قراراً مؤقتاً بمنع المستثمرين من سحب أموالهم.. ولو تابعنا تاريخ الإعلان عن المشكلة، لوجدنا أن أول ناقوس دق خطرها كان في فبراير (شباط) 2007، عندما تم الإفراج عن البيانات الخاصة بحالات عدم السداد من قبل المقترضين. ولو عدنا بالذاكرة يوم أعلن عدد من الصناديق الاستثمارية عن تكبدها خسائر فادحة مثل صندوق «بيسيز كابيتال» في أستراليا، والأدوات التي يديرها صندوق «تشيني كابيتال» و«كامبريدج بليس» في لندن، و«برادوك فاينانشال» و«يونايتد كابيتال» في الولايات المتحدة إلى درجة أن «بيرز شتيرنز»، ابلغ المستثمرين بأنهم لن يستعيدوا إلا تسعة سنتات عن كل دولار استثمروه في الصندوق الثاني، وبدأت البنوك والمصارف تعاني من متاعب هذه القروض المتراكمة فيما يسمى بـ«الديون الرديئة». كما أكدت مؤسسة «جاناسيس غروب» في دينفر، أن المؤسسات العقارية ستستعيد أكثر من 25 ألف منزل يعجز سكانه (المقترضون) عن الوفاء بديونهم.. كل ذلك مما يؤكد أن القوائم المالية لم يتم إعدادها طبقاً لمقتضيات معيار الاستثمارات المالية، مما تسبب في تراكم المشكلة وتعاظم حجم كرة الثلج، لبلوغها درجة الأزمة العالمية. وختاماً لا زلت أكرر ما سبق أن قلته في عدة مقالات (منذ زمن طويل)، كان أولها مقالا مطولا نُشر بجريدة «الجزيرة» السعودية قبل قرابة ربع قرن بالعدد (4638) بتاريخ (11/6/1985) بعنوان «نظرة على أهمية ودور مراجع الحسابات»... تحدثت فيه عن أهمية عدالة القوائم المالية ودور مراجع الحسابات باعتباره صمام الأمان للاقتصاد القومي، وبتركيز على البنوك التجارية «لكن زامر الحي لا يطرب».

* كاتب ومحلل مالي [email protected]