رجال أعمال خليجيون يرون فرصاً نظرية ومالية في الأزمة المالية

«إنفستكورب» تجمعهم في جامعة «كيمبردج» لبحث العولمة وتأثيراتها على المنطقة

الزامل: تداعيات الأزمة الحالية غير معروفة بالكامل حتى الآن («الشرق الأوسط»)
TT

دفعت الأزمة المالية الكثير من رجال الأعمال حول العالم الى مراجعة طريقة عملهم ونشاطهم في الاقتصاد العالمي. ومن اللافت ان عدداً من رجال الأعمال في الخليج العربي يعتبرون الأزمة المالية الحالية فرصة لمراجعة أعمالهم من جهة ودراسة فرص استثمارية في دول غربية من جهة اخرى. وذهب احدهم الى حد اعتبار الجيل الحالي من رجال الأعمال بأنه «جيل من المحظوظين»، اذ شرح الرئيس التنفيذي لعمليات شركة «الزامل للصناعة» السعودية عبد الله محمد الزامل لـ«الشرق الأوسط» بأن «هذا الجيل هو جيل من المحظوظين، اذ لم يشهد جيل منذ ثلاثينات القرن الماضي ازمة مالية مثل هذه ويمكننا التعلم منها والتقدم». ويجتمع 22 من ابرز القياديين الشباب في مجال الاعمال من الخليج في جامعة «كيمبردج» العريقة هذا الاسبوع للحديث عن هذه الفرص في وقت تشهد فيه الاسواق العالمية اضطرابات لم تشهد لها مثيلاً منذ عقود، مع اعترافهم بأن المرحلة الراهنة تحتاج الى بعض الحذر. والتقت «الشرق الأوسط» بعدد من رجال الاعمال هؤلاء على هامش حضورهم «منتدى انفستكورب للأعمال 2008» في «كلية غودج لإدارة الأعمال» في الجامعة، وهو المنتدى الرابع من نوعه للشركة المخصص لرجال الأعمال من الفئة العمرية 25 ـ 35 عاماً. ويذكر ان بنك «انفستكورب»، المؤسسة المالية العالمية المتخصصة في الاستثمارات البديلة، نظم المنتدى الذي بدأ اعماله مساء الأحد الماضي وينهي أعماله اليوم. وقال الزامل: «التوقيت لهذا المنتدى مثالي، ويعطينا الفرصة للنظر الى الازمة من زاوية مختلفة». وعن تأثير الازمة الاقتصادية التي بدأت في الولايات المتحدة وامتدت الى اوروبا ومناطق اخرى، قال: «العالم قرية صغيرة، ولا دولة مستثناة مما يحصل، ودول الخليج لديها اسواق مفتوحة وسيكون التأثير عليها متفاوتا». وأضاف: «اذا اخذنا السعودية كمثال، فهناك نقد كاف في البنوك والحكومة مشكورة تأخذ خطوات مناسبة لتخفيف تداعيات الازمة مثل تنزيل الاحتياطي وضخ الاموال». ولكنه اشار الى نقاط مشتركة تحمي دول الخليج نسبياً، موضحاً: «سياسة دول الخليج المتحفظة في الماضي كانت تنتقد، ولكن هذه هي السياسات التي حمتها الآن». وأضاف: «نحن لم نقبل بالاموال الساخنة وهذا امر مهم». ومن جهته، اعتبر مدير ادارة التخصيص والتعاقدات في وزارة المالية البحرينية، محمد بن خليفة بن احمد آل خليفة، ان الأزمة الحالية تشكل «فرصة للنظام الإسلامي» في ادارة التخصيص والرأسمالية. وفي ما يخص التخصيص، اذا كان ذلك هو افضل سبيل لنمو منطقة الخليج، خاصة بعد قرار واشنطن ولندن بالتراجع عن بعض هذه المبادئ وشراء اجزاء من اشهر البنوك الأميركية والبريطانية، قال آل خليفة: «الحكومات بدأت تراجع سياساتها وتتساءل الى اية درجة يمكنها الخوض في هذه السياسة، ولكن كمبدأ نؤمن بالتخصيص كطريقة للمضي قدماً». وأضاف: «الكثير من المشاريع تعتمد على التمويل، وقد تتأثر على المدى القريب من الأوضاع الحالية، ولكن على المدى البيعد مستويات النمو ستكون افضل في الخليج من مناطق اخرى». وعن التساؤلات حول جدوى الرأسمالية بعد الازمة الاقتصادية، قال المسؤول البحريني: «المبادئ الرأسمالية صحيحة وكحكومات اسلامية نسعى اليها لأنها لا تتعارض مع الاسلام». واضاف: «التمويل الذي حصل من خلال الفوائد وطباعة العمليات من دون وجود اصول امور غير اسلامية، وهذا ما يقوي موقف البنوك الاسلامية التي تأخذ من البحرين مقراً»، موضحاً: «انها فترة مثيرة بالنسبة لنا، فكنا ننتظر فرصة لتصحيح الاوضاع المالية». واتفق مدير مجموعة «الملا» الكويتية طلال انور الملا مع الزامل وآل خليفة في اعتبار الازمة الحالية فرصة للنظر الى مستقبل الاسواق ودور الشركة في المناخ الحالي، وقال: «توجه مؤسسي الشركة كان من الاول توجه محافظ، وكانوا يقولون البقاء هو للمتحفظ اكثر من المغامر وخاصة في الاسواق المالية المقتلبة». واَضاف: «مشينا على منهج المؤسسين وهو الابتعاد عن الاسواق الجديدة والواعدة على المدى البسيط والتركيز على الاستثمارات للمدى الاطول». يذكر ان شركة «الملا» تأسست عام 1938 في الكويت، وخلال السنوات العشرة الأخيرة اخذت تتوسع اقليمياً، وخلال آخر 5 سنوات دخلت اسواق آسيوية. وقال الملا: «بنينا على خبرات السنين وتعاوننا مع شركاء آسيوية والآن نتوجه لشرق اوروبا خلال السنوات الخمس المقبلة». وأضاف: «بسبب الازمة المالية، ظهرت فرص مجدية في الولايات المتحدة ونحن لم نفكر بدخولها في السابق ولكن الآن ننظر فيها»، موضحاً: «المنظور الأساسي للعولمة هو اختيار الشريك المناسب وهذا ما نعمل عليه».

واختيار الشريك المناسب يأتي ضمن تطوير القيادة السليمة للأعمال والاستراتيجيات السليمة التي تبحث في منتدى «انفستكورب». والتقى الرئيس التنفيذي لـ«إنفستكورب» والعضو المنتدب، نمير قيردار، برجال الأعمال امس، حيث قال: «يشهد عالم المال والأعمال طلباً متزايداً لإيجاد مواهب جديدة من اصحاب المعرفة المؤهلين لتقلد المناصب القيادية، وخاصة في العالم العربي. وليس هناك أمر أكثر أهمية من الاستثمار في الموارد البشرية». وأوضح يانيك فيرينز، احد المديرين الإداريين لـ«انفستكورب»: «من بين فوائد هذا الحدث تواصل رجال الاعمال في ما بينهم وبناء علاقات تستمر مستقبلاً»، مضيفاً: «الأزمة المالية تظهر في جميع النقاشات ولكنها لم تغير اجندة اللقاء». وتنظم «انفستكورب» المنتدى ولكن من دون تدخل مباشر في برنامجه. وعلق فيرينز: «لا نحصل على فائدة مباشرة من منتديات مثل هذه، ولكن نحن كمؤسسة نعمل دوماً لنكون قريبين من وكلائنا من خلال روح المشاركة، وهذا امر نحتاجه بشكل اكبر عند الازمات». ولفت الزامل الى ان تداعيات الازمة الحالية غير معروفة بالكامل حتى الآن، قائلاً: «التخوف هو من الامور غير الملموسة، وهي عقلية المنظمين والمراقبين والتخوف من رد فعل متسرع يؤثر في الاسواق». وأضاف: «ادارة التوقعات تحد اكثر من ازمة السيولة نفسها». وتحدث الزامل، وهو في الثلاثينيات من العمر والتحق بشركة «الزامل» عام 1987 بعد الانتهاء من دراسته الهندسية، عن وضع شركته وتأثير الازمة المالية عليها. وقال: «هناك مخاوف من تأثير الازمة على المستهلك وتراجع اقباله على الكماليات، فنحن نصنع مكيفات نحتاج الى تسويقها». الا انه لفت الى ان «هناك جانب ايجابي في هذه الازمة وهو التركيز مجدداً على الاملاك المجسدة والمنتجات الملموسة بعدما ظهرت مؤسسات كاملة تتعامل مع ديون وإعادة بيعها من دون وجود أي شيء ملموس تتاجر به». ولفت آل خليفة الذي تخرج من جامعة «كيمبردج» عام 1996 الى انه «يجب ان تخرج الحكومات من الاقتصاد وتعتمد على البنوك، ويجب ان تترك انتاج السلع والخدمات للقطاع الخاص، وتبقى الحكومة هي المراقب». واضاف: «احد الادوات التي توجد لدينا هي التخصيص لتغير طبيعة عمل الحكومة ليكون القطاع الخاص في مقدمة المبادرة»، موضحاً: «الحكومات هدفها الرئيسي وضع السياسات والأفضل ترك التجارة للقطاع الخاص». وتابع ان هذا المبدأ يتماشى مع التعاليم الاسلامية، قائلاً: «الحديث النبوي الشريف يقول 9 أعشار الرزق من التجارة». وشدد الملا، الحاصل على شهادة الماجستير من جامعة «بينتلي» عام 2002 قبل بدء العمل في شركة العائلة، على اهمية الاعتماد على القطاع الخاص والرأسمالية المنتظمة، وقال: «95 في المائة من شركات الخليج هي شركات عائلية وكلها تأسست على مبدأ الرأسمالية، والشركات نتجحت، فلم نسمع عن أي شركة خليجية عائلية انهارت بسبب الأوضاع الحالية».

وقال الزامل: «نحتفل هذا العام بالعيد العاشر لتأسيس الشركة، وبعد جعلها شركة عامة علينا دراسة ما يأتي بعد بيع الاسهم، فهذه عملية وليست حدثاً بحدث ذاته». وأوضح: «من الامور الصعبة في جعل شركة عائلية شركة عامة هو التخلي عن بعض الممتلكات والعمل على المحافظة على اسمنا». وتابع ان من الامور التي يهتم بتعلمها من خلال حضور «منتدى انفستكورب للأعمال» هي «الحكم وطريقة ادارة الاعمال فلم تعد مسألة اتخاذ القرارات مبينة على قرار الوالد والعم عبر لقاء غداء، بل اتخاذ قرارات بطريقة منهجية يحترمها الجميع». وأشار المسؤول البحريني الى ضرورة «تثقيف الناس حول سوق الاسهم وحثهم الى عدم دخول المضاربات، فالاسواق المالية افضل طريقة لتوزيع الثروة». ولفت الملا الى ان «الجو سلبي على المدى القصير والكل متفق على ذلك ولكن بالنسبة الى المستثمر المتحفظ، الذي يدرس جميع الفرص الاستثمارية ولا يتسرع في القرار، أعتقد انه جو ايجابي للمدى البعيد لأنه بدأت تظهر فرص استثمارية لم تكن موجودة في السنوات السابقة».

وتحدث الزامل عن ضرورة «التعلم من هذه التجربة، فكنا في السابق نعتبر الغرب افضل ما يكون، ولكن الامور انكشفت الآن». ولكنه اردف قائلاً:«هذا لا يعني اننا ليس لدينا مشاكلنا الخاصة بنا، ولكن هناك مجالا للتطور وعلينا التعلم من اجل عدم الوقوع بهذه الازمات». وشدد آل خليفة على ضرورة عدم تكرار ما قام به الغرب وهو «الافراط في الاقراض، ولم نصل في العالم الاسلامي الى اقراض اكثر من الاصول، وتقوية الرقابة ليست ضد التخصيص بل جزء مهم منها».

وعن دعوة رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، الى رقابة دولية، قال المسؤول البحريني: «يمكن لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي القيام بهذه المهمة، ولكن الدول الإسلامية يجب ان تغتنم الفرصة، فهناك نظام صيرفة اسلامية ومؤسسات مثل بنك التنمية الإسلامي، ويمكن لنا الاعتماد على هذا النظام المبني على المراقبة والإقراض مقابل اصول وبناء الثقة». وأبدى الزامل تفاؤلاً بتخطي الأسواق العالمية هذه الازمة، ولكنه اضاف: «سنرى ازمات اخرى ما دام ابن آدم طماعا... وعلينا التمسك بقيمنا وعدم الانجراف لما وصلت اليه دول أخرى من عالم مادي».