متى تمنح البنوك الأميركية قروضا؟

الحكومة تضخ فيها المليارات لكنها ما زالت تتردد في منح القروض

تريد الخزانة أن تستحوذ البنوك على بعضها البعض وتستخدم سلطتها في ضخ الأموال لتدفع إلى جولة جديدة من دمج البنوك (أ.ف.ب)
TT

«حصل جي بي مورغان تشايس على 25 مليار دولار من الأموال الفيدرالية. فما هو تأثير ذلك على جانب الأعمال، وهل سيغير من سياستنا الاستراتيجية في الإقراض؟».

كان هذا في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أن وافق الرئيس التنفيذي لـ«جي بي مورغان تشايس» جيمي ديمون على الحصول على رأسمال قيمته 25 مليار دولار من جانب الحكومة الأميركية بأربعة أيام، عندما سأل موظف جي بي مورغان هذا السؤال. وقد جاء في نهاية اجتماع عبر الهاتف للموظفين فقط، وكان مخصصا إلى حد كبير من أجل التنسيق بين مهام أقسام محددة في جي بي مورغان مع البنك الجديد الذي استحوذ عليه وهو «واشنطن ميوتشوال». وقد كان ذلك بالطبع بفضل الحكومة الفيدرالية. لقد حلت أعياد الكريسماس مبكرا في جي بي مورغان تشايس. ولم يتردد أحد مديري الشركة ـ الذي كان يدير الاجتماع عبر الهاتف ـ في أن يجيب على سؤال له حساسية سياسية، نظرا للأحداث التي وقعت في الأسابيع الماضية.

لقد قرر وزير الخزانة هنري بولسون أن يستخدم أول دفعة من خطة الإنقاذ التي تتكلف 700 مليار دولار في إعادة رسملة البنوك، بدلا من شراء أوراقها المالية المتعثرة، وهو ما قدمه للكونغرس والشعب الأميركي كأفضل وأسرع طريقة لإعادة البنوك إلى الإقراض مجددا، والمساعدة على منع هذا الركود من التحول إلى وضع أسوأ بكثير.

وفي الحقيقة، فإن السر الصغير في صناعة البنوك يشير إلى عدم وجود نية لاستخدام هذه الأموال في منح قروض جديدة. ولكن هذا المدير كان أول من لا يتحلى بالحذر ليبوح بهذا السر على مسمع من أحد الصحافيين.

«إنه بالطبع لم يكن يقصد، ولكني حصلت على رقم الاستدعاء واستمعت إلى تسجيل للمحادثة». بدأ المدير حديثه قائلا: «من الواضح أن الـ25 مليار دولار سوف تذهب إلى أشخاص يعانون أكثر من تشايس. وما نعتقد أنها ستساعدنا على فعله هو أنها ربما تجعلنا أكثر نشاطا في الاستحواذ على بعض البنوك، التي ما زالت متعثرة أو الانتفاع منها. ولن أفترض أننا انتهينا من جانب الاستحواذ، بعد دمج واشنطن ميوتشوال وبير ستيرنزس. أعتقد أنه ستكون هناك فرص عظيمة لنا للنمو في هذه البيئة، وأعتقد أن لدينا الفرصة في الاستفادة من الـ25 مليار دولار بهذه الطريقة، وإذا تحول الركود إلى كساد أو أيا كان ما سيحدث في المستقبل، فسوف يكون ذلك سندا لنا».

يمكنك أن تقرأ الإجابة عدد المرات التي تريد، ولن تجد كلمة واحدة بها تتعلق بمنح قروض من أجل مساعدة الاقتصاد الأميركي. وفي المقابل، وعند نقطة أخرى في الاجتماع، قال المدير ذاته، ولا أذكره باسمه لأنه لم يكن يعرف أنني أستمع إلى حديثه، إن «أموال القروض منخفضة إلى حد كبير». وأضاف: «سنفكر في استمرار خفض حجم القروض مع استمرارنا في تقييد الائتمان ليعكس تماما تكلفة السعر العالية للقرض». بمعنى آخر، لا يملك جي بي مورغان أية نية لإعادة التوسع في منح القروض.

وبدا واضحا وكأن أحد أهم أسباب الخزانة لتنفيذ برنامج إعادة الرسملة، وهو أنه سوف يجعل البنوك تبدأ مجددا في منح القروض، مجرد ستار زائف، أو هو نسخة وزارة الخزانة من أسلحة الدمار الشامل.

وفي الواقع، تريد الخزانة أن تستحوذ البنوك على بعضها البعض، وتستخدم سلطتها في ضخ الأموال لتدفع إلى جولة جديدة وقاسية من اتحاد البنوك. وكما ذكر مارك لاندر في «نيويورك تايمز» في بداية هذا الأسبوع: «لا تريد الحكومة فقط تحقيق استقرار الصناعة، بل وإعادة تشكيلها». وها هم يقولون ذلك لنا الآن.

وفي الحقيقة، أشار الموضوع الذي كتبه لاندر إلى أن وزارة الخزانة ستمرر بعضا من أموال خطة الإنقاذ من أجل مساعدة البنوك على شراء بنوك أخرى. وفي خطوة غير ملحوظة تقريبا، نفذت حديثا تخفيضات ضريبية جديدة تساوي المليارات على الصناعة المصرفية، وذلك بغرض واحد فقط، وهو التشجيع على عمليات الاندماج بين البنوك. وكما قال خبير الضرائب، روبرت ويلنز: «لن يكون الأمر أوضح من هذا لو كانوا أذاعوه عبر إعلان. بدأ أول دليل على أن هذه خطة بالفعل في الظهور يوم الجمعة. وقد أعلنت شركة بي إن سي أنها تقوم بشراء ناشونال سيتي، وهي عملية استحواذ ساعد فيها بدرجة كبيرة التخفيض الضريبي الجديد، وهو ما يسمح لها باقتطاع أية خسائر من سجلات ناشونال سيتي.

وفي جزء من الصفقة، ستحصل على 7.7 مليار دولار من خطة الإنقاذ، وتعطي الحكومة في المقابل أسهما مميزة. وعلى الأقل، فإن بعضا من هذا المبلغ كان ليذهب لناشونال سيتي، لو كانت الحكومة قد رأتها تستحق الإنقاذ. بمعنى أن الحكومة تمنح بي إن سي المال الذي ربما كان سيذهب إلى ناشونال سيتي كمكافأة على استحواذها على ناشونال سيتي. لقد بدأت أشعر أننا خدعنا بأكذوبة».

مرت الأسواق بيوم آخر قاسٍ يوم الجمعة. فقد هبطت الأسواق الآسيوية. وانخفضت أسواق ألمانيا وإنجلترا بمقدار زاد على 5 في المائة. وقبل ساعات من فتح الأسواق الأميركية، كانت كل المؤشرات توحي بأنه سيكون أسوأ يوم في الأزمة. وقد انخفض مؤشر داو بأكثر من 400 نقطة في البداية، ولكن لحسن الحظ، لم يصبح الأمر أكثر سوءا من ذلك.

وهناك عدة أسباب تشير إلى بقاء الأسواق في حالة عدم استقرار، وهي المخاوف من الركود العالمي، وتقديم الشركات تصورات ضعيفة عن الأرباح لبقية العام، واستمرار الشكوك التي تسببت فيها أزمة الائتمان. ولكن هناك سبب آخر ـ أعتقد فيه الآن ـ وهو أن المستثمرين لم يعودوا يثقون في وزارة الخزانة. في البداية تقول إن عليها أن تملك 700 مليار دولار لشراء الأوراق المالية المتعثرة المدعمة بالرهون العقارية، ثم، كما أفصح بولسون لـ«التايمز» هذا الأسبوع. وقد اتضح أنه حتى قبل تمرير مجلس النواب للقانون، طلب من موظفيه البدء في وضع خطة من أجل ضخ الأموال. وخوفا من رد فعل الكونغرس، لم يخبر أعضاءه بأمر تغيير فكره.

أما الآن فقد غير وجهته مجددا، ووجه الخزانة إلى استخدام الأموال من أجل الاستحواذ على البنوك. وكذلك فإن إدخال تخفيضات الضرائب سرا ليس قرارا يستدعي الثقة أيضا. «ودعونا لا نخوض حتى في المسوغات التي لا تتمتع بالمصداقية لترك ليمان يشهر إفلاسه، وهو ما يعتبر أسوأ خطأ ارتكبته الحكومة في الأزمة».

في يوم الخميس، في جلسة استماع في لجنة البنوك في مجلس الشيوخ، دفع رئيس اللجنة كريستوفر دود، الديمقراطي من كونيتيكت، بنيل كاشكاري، مسؤول وزارة الخزانة الشاب وهو رجل بولسون للمهام الصعبة والمسؤول عن خطة الإنقاذ، إلى الحديث عن سبب استمرار تردد البنوك في منح القروض. فسأل السيناتور تود كيف ستضمن وزارة الخزانة أن البنوك ستستخدم أموال الحكومة الجديدة في منح القروض، «بالإضافة إلى تسولها لها؟».

أجاب كاشكاري: «نحن نشاركك الرأي، ونريد من بنوكنا أن تقرض مجتمعنا».

سأل السيناتور: هل تصرون على ذلك؟

كاشكاري: نحن مصرون على ذلك في جميع إجراءاتنا.

ولكنهم لا يفعلون شيئا من هذا القبيل. وعلى خلاف الحكومة البريطانية، التي انتدبت شروطا للإقراض في مقابل ضخ الأموال، تبدو حكومتنا خائفة من فعل أي شيء ما عدا المناشدة. وهذه المناشدات، في مثل هذه البيئة، لا تجد آذانا صاغية.

نعم هناك حالات يحتاج فيها بنك متعثر إلى أن يستحوذ عليه بنك أقوى. ونظرا لتأمين الحكومة الفيدرالية على الودائع، فإن لها مصلحة دائمة في رؤية مثل هذه الاندماجات تحدث بأقصى سهولة ممكنة. ولا أحد يقول إن مثل هذه الصفقات يجب ألا تعقد.

ولكن عند هذه النقطة، نجد أنه ربما يقع بنك سيتي غروب تحت فئة البنوك المتعثرة، ويبدو أنه لا أحد يقول إنه يجب الاستحواذ عليه. إنه في فئة «المؤسسات الكبرى التي لا يمكن أن تنهار»، وستضمن الحكومة أنه سوف يعاود الوقوف على قدميه مجددا، بغض النظر عن حجم المبالغ التي يتكلفها هذا الأمر. وأحد الأسباب في أن بولسون أجبر جميع البنوك التسعة الكبرى على الحصول على أموال الحكومة كان التغطية على حقيقة أن بعضا منهم أضعف من الأخرى بكثير.

لطالما كنا دولة تفخر بتنوع بنوكها؛ وحتى الثمانينات، في الحقيقة، لم تكن هناك أي بنوك قومية على الإطلاق. وإذا كانت وزارة الخزانة تستخدم قانون الإنقاذ من أجل تحويل النظام المصرفي إلى احتكار قلة من المؤسسات القومية العملاقة، فمن الصعب أن نرى كيف سيساعد هذا أي شخص. ما عدا بالطبع، البنوك العملاقة التي تعلن الخزانة عن فوزهم.

وسيكون جي بي مورغان أحد الفائزين، وهو يستحق ذلك.

لقد أدار ديمون الشركة جيدا خلال فقاعة العقارات التي أُثقلت بعدد من المشاكل التي أصابت منافسين مثل سيتي بالشلل. وقد سلمتها الحكومة بير ستيرنز وواشنطن ميوتشوال لأنها كانت قوية بما يكفي لابتلاع كلا المؤسستين من دون أدنى رد فعل عكسي.

ومن بين جميع رؤساء البنوك الذين حضروا مع بولسون اجتماعا منذ عدة أسابيع، لم يكن هناك من هو أقل حاجة إلى الأموال الحكومية من ديمون. وقد أخبرني متحدث باسم الشركة: «لقد قبلنا المال لصالح النظام المالي كله». وأضاف أن جي بي مورغان سيستخدم المال «من أجل استفادة العملاء وحملة الأسهم. وسنحاول منح القروض التي يتمكن الناس من سدادها».

لا أحد يقول إنه سيمنح قروضا لا يستطيع الناس سدادها. ما أود أن أقوله هو أن ديمون حصل على 25 مليار دولار بشرط أن مؤسسته ستبدأ في منح القروض. وهناك عدد كبير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تختنق بسبب عدم قدرتها على الحصول على مال، وهي قادرة تماما على السداد. فما رأيك في برنامج قروض من أجلها، سيد ديمون؟

بعد ظهيرة يوم الخميس الماضي، وجدت السيناتور تود وسألته عما سيفعله إذا لم يتحسن الوضع مع القروض. فأجاب: كل ما يمكنني أن أخبرك به هو أننا سنجمع جميع أصحاب البنوك هنا، ربما في غضون أسبوعين، وستكون هناك مناقشة صريحة.

واستطرد: إذا اكتشفنا أنهم يدخرون، فسوف تكون هناك ثورة. وسوف يصاب الشعب بالغضب الشديد لأن أموال الضرائب التي يسددها ستملأ جيوبهم بدلا من الذهاب في الاتجاه الصحيح. وسيكونون في مأزق كبير.

فلنأمل هذا.

* خدمة «نيويورك تايمز»