قمة آسيا وأوروبا في بكين تبحث تعزيز الثقة وسط ذعر الأسواق

بان كي مون يلتقي رئيسي صندوق النقد والبنك الدوليين ويقول إن الأزمة المالية قد تكون الضربة الأخيرة التي لا يستطيع أن ينجو منها فقراء العالم

من السمات اللافتة اللقاء الدعوة لدور رئيسي لصندوق النقد الدولي من اجل تحقيق الاستقرار في النظام المالي العالمي (رويترز)
TT

اجتمع زعماء آسيا وأوروبا أمس لليوم الثاني في قمة استضافتها العاصمة بكين تضم 43 دولة وتواجه مهمة تعزيز ثقة الاسواق التي وصلت الى حالة لا تحسد عليها خلال الأسابيع الماضية خشية من ركود عالمي قد يمتد الى سنوات ويعصف باقتصاديات معظم دول العالم. ورغم ذلك فقد استيقظ الزعماء أمس في اليوم الثاني من القاء انباء عن اغلاق بورصة وول ستريت على ادنى مستوى في خمسة اعوام ونصف العام في حين تراجعت الاسهم في اليابان بنسبة 10 في المائة وفي اوروبا بنسبة 4. 5 في المائة.

الا ان هناك تصميما ومحاولات جادة من قادة الدول، وهذا ما ظهر جليا في عدد من اللقاءات في واشنطن وباريس وبروكسل وغيرها من عواصم العالم، على التعامل مع الأزمة بشفافية واخلاص لانها دولية ولا تخص دولة واحدة دون الأخرى. وشددت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل على أهمية التصدي للـ«مساعي الاحادية الرامية لتحقيق نجاح قصير المدى» مصحوب بمخاطر واسعة وتحقيق المزيد من الشفافية لتفادي حدوث أزمات مستقبلية.

وأكد رئيس الوزراء الصيني ورئيس قمة منتدى «آسيا أوروبا» (أسيم) وين جياباو اتفاق الدول على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة للتغلب على أزمة أسواق المال العالمية ودفع عجلة نمو الاقتصاد العالمي للأمام. وقال خلال مؤتمر صحافي في ختام القمة الجمعة والسبت «اننا بحاجة الى مزيد من الضبط المالي لضمان استقرار النظام المالي، وينبغي التنسيق بين الاقتصاد الوهمي والاقتصاد الفعلي»، مضيفا ان الاجراءات المتخذة لمواجهة الازمة المالية الحالية «غير كافية».

وقال جياباو إن قرارات القمة هي الضمان القوي من أجل استمرار واستقرار معدلات نمو الاقتصاد في آسيا وأوروبا وباقي أنحاء العالم. في الوقت نفسه أكدت الدول المشاركة في القمة ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في النظام المالي العالمي خلال القمة الاقتصادية المزمعة في واشنطن في منتصف الشهر المقبل.

ومن السمات اللافتة للبيان الدعوة لدور رئيسي لصندوق النقد الدولي من اجل تحقيق الاستقرار في النظام المالي العالمي.

وأشارت الدول إلى أهمية تولي صندوق النقد الدولي المزيد من المسؤولية للرقابة على أسواق المال في ظل اللوائح الجديدة المشددة. وهذا ما طالب به عدد من القادة أخيرا في عدة مناسبات، وعبر عنه رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون. وكان قد صرح مسؤول في الصندوق انه يجري مشاورات مع عدد من الجهات الرسمية وبدعم من الحكومات الأوروبية والأميركية والآسيوية وبنوك مركزية لمساعدة عدد من الدول في آسيا واوروبا الوسطى وأميركا اللاتينية من خلال ضخ 250 مليار دولار متاحة لديه في اسواقها الناشئة على شكل قروض وخطوط ائتمان لمساعدتها على التغلب على صعوباتها والتقليل من امكانية مواجهة اضرابات اجتماعية. ويحظى الصندوق في اوروبا بتقدير اكبر منه في اغلب اسيا حيث ما تزال الذكريات حية عن تدخله غير البارع اثناء الازمة المالية في المنطقة في 1997 ـ 1998. واثارت الازمة المالية احساسا بالحاجة الملحة للتحرك في اجواء قمة اسيا واوروبا التي تضم 27 عضوا بالاتحاد الاوروبي و16 دولة اسيوية، وهي عبارة عن اجتماع يعقد كل عامين.

وتعهد الزعماء بالتعاون في معالجة الاضطراب باتخاذ ما وصفه البيان بأنه «اجراءات حاسمة وحازمة وفعالة بأسلوب مسؤول وفي الوقت المناسب». وقال البيان «من خلال مثل هذه الجهود المنسقة يعبر الزعماء عن الثقة الكاملة في امكانية التغلب على الازمة».

والهدف الرئيسي لاوروبا في بكين يتمثل في حشد الدعم الاسيوي لتشكيل جبهة موحدة في قمة بشأن الازمة المالية سيستضيفها الرئيس الاميركي جورج بوش في واشنطن في منتصف الشهر المقبل.

وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي «تود اوروبا ان تدعم اسيا جهودنا ونود التأكد من اننا يمكننا يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) ان نواجه العالم معا ونقول ان اسباب هذه الازمة غير المسبوقة لن يسمح لها بأن تحدث ثانية». وذكر مسؤول في الرئاسة الفرنسية ان ساركوزي قال للرئيس الصيني هو جينتاو انه يريد الخروج بقرارات ملموسة من محادثات واشنطن، لكنه يخشى ان تكون الولايات المتحدة قانعة «بمبادئ وعموميات».

وقال ان الزعيمين الفرنسي والصيني اتفقا على تبادل اوراق عن المواقف قبيل القمة، واضاف ان الصين مهتمة جدا بفكرة تنظيم عالمي اوسع للاسواق المالية.

وذكر المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته، كما جاء في مقال تحليلي لوكالة رويترز، ان ساركوزي يصر على نحو خاص على ان توضح قمة واشنطن ان كل المؤسسات المالية في المستقبل يجب ان تكون خاضعة لتدقيق صارم. واضاف المسؤول ان ساركوزي يعتبر ان سلوك صناديق التحوط كان «فضيحة» في حين ان وكالات التصنيف كانت «قمامة».

وقال الرئيس الصيني إن ازمة الائتمان التي نشبت قبل 15 شهرا كان لها تأثير على اقتصاد الصين رابع اكثر اقتصاد في العالم، لكنه ليس تأثيرا كبيرا.

واكد الرئيس الصيني ان بلاده ستشارك في قمة واشنطن المالية العالمية الشهر المقبل، وجاء هذا التأكيد بعد ان قالت سابقا انها ما زالت تدرس موضوع اللقاء الذي يضم 20 دولة. وتضم مجموعة العشرين دول مجموعة الثماني الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة والمانيا وكندا وفرنسا وايطاليا واليابان وبريطانيا وروسيا) اضافة الى الاتحاد الاوروبي و11 دولة ناشئة كبرى، مثل السعودية والبرازيل والهند وجنوب افريقيا. كما اعلن الرئيس الفرنسي في بكين ان قمة مجموعة العشرين ستتخذ قرارات بشأن الازمة المالية العالمية، وقال «ما قاله رئيس الوزراء الصيني وين جياباو يعبر بشكل واف عن ذهنية اصدقائنا في اسيا». وتابع «لقد اعربوا لنا جميعهم قبل الاعداد لهذه القمة (في واشنطن) عن عزمهم على ان تتخذ هذه القمة قرارات حاسمة».

وختم ساركوزي، كما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية «الكل ادرك بشكل جيد انه لا يمكن الاجتماع لمجرد تبادل الكلام. سيتم اتخاذ قرارات». وأوضحت ميركل أن القلق كبير بين دول منتدى آسيا وأوروبا من التأثيرات السلبية المحتملة على الاقتصاد الإنتاجي خاصة في الدول النامية والاقتصاديات الناشئة. ودعت خلال المنتدى إلى طرح خطة عمل حول تنظيم أسواق المال خلال القمة المالية العالمية في واشنطن.

ومن جانب آخر حذر بان كي مون الامين العام للامم المتحدة كبار مساعديه امس الأول من ان الازمة المالية العالمية تعرض للخطر كل شيء فعلته الامم المتحدة لمساعدة الفقراء والجوعى في العالم. وابلغ بان اجتماعا لرؤساء وكالة الامم المتحدة المكرسة لهذه الازمة «انها تهدد بتقويض كل انجازاتنا وكل تقدمنا. تقدمنا في استئصال الفقر والمرض. جاهدنا من اجل مكافحة التغير المناخي وتشجيع التنمية لضمان ان يكون لدى الناس ما يكفي للاكل». وقال بان خلال اجتماع حضره ايضا رئيسا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ان الازمة الائتمانية التي اذهلت الاسواق في شتى انحاء العالم ضاعفت من ازمة الغذاء وازمة الطاقة وازمة التنمية بافريقيا. واردف قائلا في واحد من اكثر تقيماته تشاؤما بشأن تأثير الازمة المالية «انها قد تكون الضربة الاخيرة التي لا يستطيع ان ينجو منها كثيرون من افقر فقراء العالم».