تقرير: الأزمة المالية تتسبب في ارتفاع تكلفة التمويل ونقص السيولة الخليجية

النفط والبتروكيماويات والألومنيوم أبرز القطاعات المتأثرة

تأثرت دول مجلس التعاون الخليجي وأسواقها الناشئة بسبب الأزمة المالية العالمية عبر ارتفاع تكلفة الاقتراض وتناقص التسهيلات الائتمانية الضخمة («الشرق الأوسط»)
TT

أظهر تقرير حديث أن أزمة الرهن العقاري، التي بدأت في الولايات المتحدة عام 2007، قد تطورت لتصبح أزمة مالية دولية بكل معنى الكلمة، مع احتمال أن تكون لها عواقب خطيرة بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي ونماذج نموها. وقد خابت الآمال في أن تتمكن دول الخليج العربية والأسواق الناشئة في آسيا مثل الصين من أن تنأى بنفسها عن هذه الأزمة. وبحسب التقرير الصادر عن «مركز الخليج للأبحاث» بعنوان «أثر الأزمة المالية الأمريكية في دول الخليج العربية»، فإن جميع هذه الدول لديها أصول ضخمة في الولايات المتحدة، ولكن الأهم من ذلك أنها تضررت نتيجة لارتفاع تكاليف التمويل ومشكلات السيولة في أعقاب هذه الأزمة. وبعد أن أظهرت مرونة في عام 2007، وورغم بقائها، نسبيا، دون أن تتأثر بالاضطرابات العالمية في الرهون العقارية عام 2007، عانت أسواق الأوراق المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أكثر بكثير من أسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة وغيرها من الأسواق المتقدمة. ففي السعودية ودبي فقدت المؤشرات أكثر من 40 في المائة من قيمتها منذ بداية عام 2008.

ويلقي التقرير، الذي أعده إيكارت وورتز، مدير البرامج الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث، نظرة عامة موجزة على الأزمة الحالية، ثم يقيس آثارها المحتملة على اقتصادات دول الخليج العربية، وعلى وجه التحديد، تعرض البنوك وصناديق الثروة السيادية للتخفيضات في قيمة الأصول، وارتفاع تكاليف التمويل، وتزايد اتساع هوامش السندات للشركات والبنوك، والأثر المحتمل على الطلب على سلع التصدير من دول الخليج العربية مثل النفط والبتروكيماويات والألومنيوم.

وأشار التقرير إلى إن استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في أصول أجنبية تقدر بنحو 1.8 إلى 2 تريليون دولار، وإن نحو 60 في المائة من قيمة هذه الأصول بالدولار الأمريكي. ومن ثم فمن الطبيعي أن يخامر دول مجلس التعاون القلق حيال  انخفاض قيمة أصولها. بيد أن أكثر تداعيات الأزمة الأمريكية، برأي التقرير، لم تحدث حتى الآن بسبب الانكشاف المباشر للأصول المتعثرة، ولكنها جاءت بطريقة غير مباشرة، حيث تأثرت دول مجلس التعاون الخليجي وأسواقها الناشئة لارتفاع تكلفة الاقتراض وتناقص التسهيلات الائتمانية الضخمة. وحتى الآن لم يعلن سوى عدد محدود من المصارف الخليجية تأثره بالأزمة. في حين أعلن «بنك أبوظبي التجاري» أنه خسر نحو 272 مليون دولار ورفع قضية على مصرف مورغان ستانلي ومصارف أخرى بسبب تزويده بنصائح خاطئة حول إحدى الصفقات. ورغم طلب «بنك الإمارات المركزي» من البنوك الإماراتية الإعلان عن تعاملاتهم مع بنك «ليمان براذرز» في أعقاب إفلاس البنك الأمريكي، فإنه لم يصدر أي إعلان من البنوك. وذكر التقرير أن أغلبية الأصول في المنطقة لا تديرها البنوك وإنما الصناديق الاستثمارية السيادية، مثل جهاز أبوظبي للاستثمار وهيئة الاستثمار الكويتية. ومن المتوقع أن تكون تلك الصناديق قد تكبّدت  خلال العام الجاري  2008 خسائر فادحة جرّاء الأزمة المالية العالمية. وجاء في التقرير أن هناك أثر مالي آخر غير مباشر للأزمة يتمثل في ارتفاع تكلفة التمويل ونقص السيولة. فرغم محدودية تأثر بنوك دول المجلس بالأزمة حتى الآن، تكمن المشكلة الحقيقة في التأثر غير المباشر بسبب زيادة تكلفة التمويل والانكشاف الائتماني للعملاء وتمويل المشروعات والعقارات على المستوى المحلي. ووفقاً للتقرير، فإن أحد الأسباب الرئيسة للوضع المتأزم هو تراجع الموقف الائتماني الخاص بدبي، والذي يشكل جزء كبير من سوق السندات في الخليج في ظل اقتراض الإمارة بشكل مكثف لتمويل مشروعات التنمية. وبحسب مؤسسة «جي بي مورغان» المصرفية الأميركية، فإن دبي بحاجة إلى إعادة تمويل الدين بنحو 6 مليار دولار خلال العام الجاري، وزهاء 16 مليار دولار أخرى في العام المقبل 2009.

وأوضح التقرير أن إجمالي ديون  دول الخليج بالعملة الأجنبية  تصل إلى 15 مليار دولار في صورة قروض وسندات يحل سدادها في عام 2008، وأن هناك قرابة 35 مليار دولار أخرى سيحل موعد سدادها العام المقبل 2009، إضافة إلى نحو 6.9 مليار دولار بالعملة المحلية، وأن نصف الديون المتبقية من الإمارات وحدها. وقال التقرير إن المصارف المركزية في  دول الخليج العربي اتبعت موقف توافقي على حساب اعتبارات مكافحة التضخم. كما أنها تصرفت بشكل فردي ولم تتبع سياسة موحدة مثل الاتحاد الأوروبي. وثمة تخمينات عديدة تفيد بأن صناديق الثروة السيادية والصناديق التابعة للدول المنطقة قد تقدم يد العون وتستثمر، بشكل كبير، في الأسواق المحلية، رغم أن هذا المبدأ يعارض الممارسات التقليدية لتلك الصناديق والخاصة بالاستثمار في الأصول غير النفطية عبر البحار، لتنويع القدرة الاقتصادية بشكل عام. يشار الى أن الصناديق السيادية الخليجية لها خبرة أكبر مع استثمارات الأسهم عن نظيرتها الآسيوية. وتفترض مؤسسة «موديز» للتصنيفات الائتمانية، أن أبوظبي ستساعد شركات دبي في حال وجود عجز نظامي. ومن المتحمل أيضاً حدوث اندماجات بين البنوك. وخلص التقرير إلى أنه في ظل الاعتراف الرسمي بأضرار أقل من 3 مليارات دولار، نجد أن تعرض بنوك دول الخليج العربية المباشر لأزمة الرهون العقارية محدود حتى الآن، رغم أن هناك المزيد من التعرض مرشح للظهور. والمفترض أن تعرض صناديق الثروة السيادية التابعة لدول المنطقة أعلى من ذلك؛ لأنها أكثر تعقيدا في تخصيصها للأصول، رغم عدم توافر بيانات نتيجة للتعتيم النسبي على هذه الأموال. ونظرا لما حظيت به هذه الصناديق من تدفقات كبيرة على أثر ارتفاع أسعار النفط وامتلاكها لمحافظ متنوعة، فإن الأثر ربما يكون في نطاق السيطرة.

والشيء الأهم بكثير من الأثر المباشر للأزمة المالية الدولية، برأي التقرير، هو أثرها غير المباشر على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مع ندرة التمويل وارتفاع تكاليفه. فقد اتسعت هوامش الشركات اتساعا كبيرا في دول الخليج العربية، وهناك بضع شركات شهدت بالفعل مشكلات في إعادة تمويل السندات الحالية وتسهيلات القروض. وسوف تتأثر أسواق تمويل المشروعات الكبرى والعقارات في المنطقة بشكل خاص بهذه الأزمة الائتمانية. ويمكن للتدابير التي يمكن أن تتخذها دول الخليج العربية بغرض التخفيف أن تتضمن اتخاذ البنوك المركزية لإجراءات لتسهيل السيولة دون تشجيع مزيد من النمو الائتماني. فإذا جاءت اللحظة الحاسمة، فإنه يمكن التفكير في ضخ النقد ودخول صناديق الثروة السيادية التابعة لدول المنطقة في استثمارات استراتيجية محلية، وخصوصا في الشركات الخليجية، مثل سابك وإعمار، التي تحتل مكانة دولية وتعتبر أساسية للتنويع المستقبلي لاقتصادات المنطقة.

ونظرا لأن هذه الأزمة المالية سوف تتسبب في ركود على نطاق دولي، فسوف يتأثر الطلب على منتجات التصدير الخليجية الهامة مثل النفط الخام والبتروكيماويات والألومنيوم. وحيث إن ميزانيات هذه الدول لا تتوازن إلا مادامت أسعار النفط فوق 55 دولار أمريكي للبرميل، فإنه ينبغي على دول الخليج العربية أن ترتب لقيام منظمة «أوبك» بتخفيضات أخرى في الإنتاج في حالة حدوث مزيد من التصحيح في أسعار النفط من أجل استقرار وضع إيراداتها.