الأميركيون يواجهون عقبات في العمل بالشرق الأوسط

العاملون الماليون الغربيون يتجهون شرقا

TT

يتلقى فهد الدويش، نائب رئيس إحدى الشركات الاستثمارية بمنطقة الخليج، العديد من رسائل البريد الالكتروني من أصدقاء دراسة سابقين بجامعة ساذرن كاليفورنيا انقطعت صلته بهم منذ سنوات. وتتضمن هذه الرسائل تساؤلات حول أوضاع وإمكانات سوق العمل الإماراتية بالنسبة للأميركيين. من جانبه، حقق روبرت سلون، مدير إحدى وكالات التوظيف الذي تبدأ رواتب عملائه من مستوى المليون دولار، زيادة بنسبة 50 في المائة في أعداد المديرين التنفيذيين الماليين من الأميركيين الراغبين في عرض سيرته المهنية على جهات عمل في دبي وعدد من المراكز المالية الأخرى في الشرق الأوسط. ويذكر أن الأوروبيين المعنيين بالاستثمار المصرفي والقطاعات المالية الأخرى يتدفقون على دول الخليج الغنية بالنفط منذ شهور، حيث يدفعهم الأمل في أن تتمكن الاقتصادات الشرقية الناشئة من التغلب على أي أزمة كساد عالمي بصورة أفضل من نيويورك أو لندن. ومن بين العبارات التي يرددها السماسرة والمصرفيون البريطانيون كثيراً في هذا الصدد «إما شنغهاي ومومباي ودبي وإما الوداع». والآن، يبدي الكثير من المصرفيين والمهنيين الآخرين العاملين في مختلف القطاعات المالية تخليهم عن القلق الذي كان يساورهم منذ أمد بعيد حيال العمل في الشرق الأوسط، وشرعوا في التحول بأنظارهم نحو العمل هناك جراء فقدانهم وظائفهم بالفعل أو خوفهم من التعرض لذلك. بيد أن الأميركيين الطامحين نحو جعل الشرق الأوسط ملاذهم الآمن خلال العاصفة المالية الحالية ربما يواجهوا عقبات أكبر من نظرائهم الأوروبيين في إطار جهودهم لإيجاد فرص عمل بالمنطقة، حسبما حذر العديد من المديرين التنفيذيين ووكالات التوظيف، ذلك أن الكثيرين يشعرون بعدم الرضا إزاء السياسات الأميركية على الصعيدين المالي والخارجي، ولا تزال الشكوك تراودهم حيال أسلوب اضطلاع الأميركيين بالأعمال التجارية والذي يصفه البعض بالتهور. من بين المشكلات التي تواجه أبناء وول ستريت الآملين في الانتقال للعمل في الشرق الاوسط وجهة النظر السائدة على نطاق واسع بأن قرارات الإقراض الخاطئة التي اتخذها المصرفيون الأميركيون هي السبب وراء الأزمة المالية العالمية. وعلق بريتون جيكس جوبرت، أثناء هرولته بحثاً عن فرصة عمل داخل مركز دبي الدولي المالي، على الأمر ضاحكاً بقوله «فعلاً، هذه ليست بمعلومة جيدة داخل سيرتك الذاتية».

من ناحيته، وصف مدير استثماري سعودي التوجه العام حيال الأميركيين الراغبين في الحصول على عمل بمنطقة الخليج بقوله «إذاً، لقد نجحتم في إفساد مصارفكم، والآن جئتم لتفسدوا مصارفنا؟». من المنظور السياسي، فإن الوجود العسكري الأميركي بالعراق لم يعد يحظى بنظرة ودية مثلما كان الحال في التسعينيات، حسبما أوضح بعض المديرين التنفيذيين الماليين. وعلق أحد المصرفيين الأميركيين الذي يعمل في دبي منذ فترة بعيدة قائلاً «دعونا نوجز الوضع بالقول إن جواز السفر الأزرق لم يعد يمنح أي أفضلية».

من جهته، أوضح سلون، رئيس الخدمات المالية بشركة إيجون زيندر في نيويورك، أنه بالنسبة لإجمالي عدد السكان، فإن عدد الأميركيين الذين لديهم خبرة بالعمل في الخارج اقل من نظرائهم الاوروبيين، ما يجعلهم بشكل عام أقل ميلاً لنقل نشاطهم المهني إلى الخارج. علاوة على ذلك، فإن الأميركيين الساعين لإيجاد فرص عمل خارج الصناعة النفطية أبدوا قدراً أكبر من الحذر عن الأوروبيين إزاء العمل في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، أوضح دافيد جونسون، من وكالة وايتهيد مان بارتنرشيب البريطانية للتوظيف، لا يدرك الكثيرون أن الف ميل تفصل بين دبي وبغداد. الكثير من الأميركيين يجمعون الشرق الأوسط كله في حزمة واحدة باعتباره مشكلة قائمة».

إلا أنه مع تفاقم الأزمات المالية، شرعت أعداد متزايدة من الأميركيين في التغلب على هذه المخاوف وإرسال سيرهم المهنية إلى دبي والرياض والمراكز المالية الشرق أوسطية الأخرى، حسبما أشارت وكالات التوظيف. وشرح جونسون الوضع بقوله «بدأ الكثيرون في إدراك أن الخطر يتهدد وظائفهم أو أنهم خسروها بالفعل، وأن الوقت قد حان للانتقال إلى مناطق الحراك».

بصورة عامة، أكدت وكالات التوظيف والمديرين التنفيذيين هنا أنهم لاحظوا زيادة في أعداد الأميركيين الراغبين في العمل بمنطقة الخليج. من ناحيته، أشار أوليفر هولدر، المدير الإداري بشركة ديلوات كوربوريت فاينانس البريطانية، إلى أنه منذ ستة أشهر «كنا نستجدي الأفراد» العاملين بالشركة كي ينتقلوا للعمل في الخليج. والآن، «أصبح بإمكاننا الاختيار من بينهم».

بالنسبة لجهات التوظيف، لا يعدو الأمر كونه سوق عرض وطلب. والملاحظ أن أعداد العاملين بمجال الاستثمار المصرفي وغيرهم من العاملين بالمجالات المالية المتقدمين بطلبات للعمل هنا في ازدياد مستمر، رغم إقدام الشركات المالية بمنطقة الخليج على الحد من أو تجميد عمليات التوظيف جراء الأزمة المالية العالمية. وأشارت وكالات التوظيف والساعين للعمل بالمنطقة إلى أن المديرين التنفيذيين بالخليج بدءوا يقلصون من الرواتب التي يعرضونها على العاملين الجدد أو إلغاء عروضهم بالعمل نظراً لإدراكهم انه بات بإمكانهم التدقيق بصورة أكبر في انتقاء عامليهم. من بين الذين سعت الشركات لتعيينهم بمنطقة الخليج الكثير ممن يتمتعون بخبرة فيما يخص الشرق الأوسط. على سبيل المثال، تمت الاستعانة بمكرم عازر، المدير التنفيذي السابق بمؤسسة ليمان برذرز (في دبي) التي أعلنت إفلاسها أخيراً، من جانب مجموعة كولبرج كرافيس آند كو، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، لتتولى الإشراف على توسعات الشركة داخل الشرق الأوسط وأفريقيا. كما انتهى الحال ببعض المديرين التنفيذيين السابقين في ليمان برذرز في سنغافورة. وقال الدويش، نائب رئيس شركة أموال الخليج الاستثمارية الذي عاود أصدقاء الدراسة الأميركيين السابقين الاتصال به، إن الاهتمام سيبقى قائماً داخل منطقة الخليج بالأميركيين الموهوبين العاملين بالمجال المالي ويتمتعون بسمعة طيبة، رغم مشاعر عدم الرضا إزاء السياسات الأميركية المالية والسياسية، وهو ما يتفق معه كل من سلوان وجونسون. بيد أنه في الوقت الذي تفد فيه عناصر جديدة إلى هنا يحدوها الأمل من بريطانيا وسويسرا وفرنسا وبلدان أخرى، ما تزال أعداد الأميركيين العاملين بمنطقة الخليج ضئيلة. وسوف يتعين على الأميركيين الراغبين في الانتقال إلى هنا التغلب على العديد من النماذج النمطية المرتبطة بالأميركيين، حسبما يحذر البعض، مشيرين إلى أن من بين هذه النماذج أن الأميركيين يجهلون الكثير بشأن العالم وأن أسلوب عملهم يتميز بالتشدد خلال التفاوض، وأنهم يبالغون في الرواتب التي يطلبونها ويجابهون صعوبة في التأقلم مع الحياة خارج بلادهم. وأشار أحد مديري المبيعات من البريطانيين الذي كان يعمل في نيويورك حتى وقت قريب ثم انتقل للعمل في دبي جراء الأزمة المالية داخل الولايات المتحدة، إلى أن «الأميركيين يحبون المزيد من البنية التحتية، أليس كذلك؟». وقبل توجهه إلى دبي، توقف في لندن لفترة كافية اتاحت له توظيف فريق من عشرة أفراد بريطانيين للعمل معه في الخليج.

* شاركت المراسلة الخاصة كارلا ادام في لندن والكاتبة نانسي تريوس في واشنطن في هذا التقرير.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»