خبراء: أزمة الثقة محرك الأزمة المالية العالمية

مؤشر HSBC لثقة الأعمال يضع السعودية والبحرين في مقدمة دول المنطقة

محللون: ازمة الرهن العقاري في اميركا هي الشرارة التي اشعلت هذه الازمة وليست هي المحرك للازمة (رويترز)
TT

قال تقرير اقتصادي، إن أساس الاضطرابات التي تشهدها أسواق المال العالمية حالياً هو ارتباط هذه الاسواق بسوق الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة الأميركية، مضيفا ان البنوك بدأت بوضع استراتيجياتها المستقبلية كاستجابة منها للاضطرابات التي يشهدها السوق.

وبحسب تقرير شركة تدقيق الحسابات الدولية «كيه. بي. إم جي.» فان هذه الازمة تفتح مجالا امام خبراء المخاطر للاستفادة من النواحي الايجابية والسلبية للاحداث والمضي قدما.

ويرى المحلل المالي جاسم الصانع في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ان «ازمة سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة هي فقط الشرارة التي اشعلت هذه الازمة وليست هي المحرك للازمة التي نعيشها في الوقت الراهن»، معتبرا ان هناك اسبابا اخرى تدفع باتجاه تأجيج الأزمة «اعتقد ان اهمها على الاطلاق هو الذعر ونقص السيولة، بحيث يمكننا ان نعطي عنوانا للمرحلة يتمثل بازمة الثقة بين المؤثرين في الدورة المالية في العالم، كما ان المصارف لم تعد مستعدة للقيام بدورها الاعتيادي في الاقتصاد وهو التمويل وطرح السيولة».

ويعزز الصانع رأيه بالقول، ان البنوك «راحت تقرض بشكل جنوني وتطرح سيولتها في الاقراض الاستثماري دون ان تأخذ بعين الاعتبار، بدفع من اغراء السوق، جدارة المقترضين الائتمانية».

وترى جوانا ديكليرك زيليشوفسكا، وهي شريك إدارة المخاطر المالية لدى «كيه بي إم جي» في دولة الإمارات: «إن التحول الذي لاحظناه خلال السنوات القليلة الماضية نحو الخدمات البنكية التي تعتمد على التعاملات التجارية ونقل المخاطر إلى سوق التداول، كان له أثر حتمي على توفر المعلومات، وقدرة الشركات على تقييم المخاطر ضمن ميزانياتها».

لكن يرى الصانع ان الأزمة الحالية فرضت تداخلات اقتصادية جعلت من الصعب الاستفادة من المعلومات التراكمية لدى الشركات لأن هذه المعلومات بالرغم من انها مفيدة على المستوى الاستراتيجي لكنها ليست كافية لايقاف تفاعلات الازمة لأن قلة الثقة هي من يدير السوق حاليا، أما التكهن بالمستقبل فأقرب للمستحيل». وبحسب التقرير فإنه ينبغي على الإدارات العليا للمؤسسات المالية في ظل هذه الازمة ان تقوم بدراسة القضايا والاحتمالات على نطاق أوسع مما سبق، والتركيز بالدرجة الأولى على اختبار التحمل ومخاطر الائتمان من الطرف الآخر، والاستغلال الأمثل للمحافظ الاستثمارية، وتخطيط رأس المال. وينبغي اعتماد وجهة نظر واحدة للمخاطر والعوائد في جميع أقسام المؤسسة، لضمان إدارة المخاطر بطريقة منظمة. وقد انسحبت العديد من جهات الإقراض المحلية من قطاعات تجارية معينة نتيجة لهبوط النسبة بين المخاطر والمكاسب إلى مستويات تعتبرها هذه الجهات غير واقعية، وذلك بسبب المنافسة التي تواجهها من قبل البنوك الدولية الأكبر حجماً، حيث تسعى البنوك في الوقت الحالي إلى تعزيز مصادر تمويلها وحماية امتيازاتها من خلال التركيز على تجديد عمليات الاستدانة وجمع رؤوس أموال إضافية، هذا بالإضافة إلى إدارة الشركات إذا اقتضت الحاجة. وفي السياق نفسه، أظهر مؤشر HSBC لثقة الشركات الأعمال الخليجية للربع الثالث من عام 2008 المزيد من التراجع في النظرة المتفائلة ومستويات الثقة بين شركات الأعمال الخليجية ليصل إلى 92 نقطة، وهو أدنى مستوى لها منذ إطلاق الدراسة الميدانية لأول مرة في فبراير 2007. وجاءت البحرين والمملكة العربية السعودية من الدول التي سجلت أعلى مستويات للثقة في المنطقة، اذ سجلتا ارتفاعا طفيفا في الربع الثاني من نفس العام، في حين تراجعت مستويات الثقة في جميع البلدان الأخرى.

وشملت الدراسة الميدانية التي قام بها HSBC للربع الثالث من عام 2008 ما مجموعه 1524 من رجال الأعمال من الدول الستة الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، جاء غالبيتهم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويقول مؤشر HSBC إنه قد تم إجراء الدراسة الميدانية في الوقت الذي ازدادت فيه حدة الأزمة المالية العالمية التي أدت بدورها إلى هبوط أسواق الأسهم الإقليمية وتراجع أسعار النفط بشكل كبير. وأظهرت النتائج الكثير من المرونة بين رجال الأعمال في المنطقة تجاه العوامل الاقتصادية العالمية: حيث يتوقع 57 في المائة منهم زيادة في عائداتهم لهذا العام، و48 في المائة منهم يتوقعون زيادة ميزانية استثماراتهم على مدار العام، و47 في المائة منهم يتوقعون زيادة في الأرباح لهذا العام.

في حين أن الغالبية العظمى من رجال الأعمال (أي 65 في المائة) قالوا إنهم يعتقدون بأن الربع الرابع من عام 2008 سيكون أفضل بكثير أو بعض الشيء من الربع الثالث.

وعلى الرغم من هذه المؤشرات المتفائلة، فإن القطاع الخاص بالمنطقة يتعرض إلى الضغوط من عدة مصادر. فهناك نسبة قليلة من رجال الأعمال (أي 47 في المائة) يقولون إنهم سيكونون قادرين على زيادة أرباحهم أو المحافظة على هامش أرباحهم، وهذا بدوره إشارة واضحة لارتفاع التكاليف. كذلك يبقى موضوع التوظيف من المشاكل المستمرة والدائمة، حيث أن 32 في المائة من رجال الأعمال فقط أظهروا بعض التفاؤل بشأن مجاراة متطلبات التوظيف. ويذكر أن هذه النسبة لم تتغير عملياً منذ إطلاق الدراسة الميدانية.

ومن أهم المخاطر التي يواجهها النمو الاقتصادي في المنطقة هو ازدياد حدة المناقسة، حيث أن 27 في المائة من شركات الأعمال الخليجية ترى بأن هذه المنافسة هي من أهم المخاطر التي تتهدد أعمالهم في المنطقة، بينما 38 في المائة منها فقط أظهرت بعض التفاؤل بشأن مواجهة مخاطر المنافسة.

وقال تيم ريد، الرئيس المشارك لإدارة الخدمات المصرفية العالمية في بنك HSBC الشرق الأوسط المحدود: «إن توقعات زيادة العائدات والخطط الاستثمارية تشير إلى أن توجهات شركات الأعمال الخليجية في المنطقة لاتزال تتجه نحو المرونة، إلا أن الضغوط الناتجة عن ازدياد حدة المنافسة والتي تعتبر تهديداً واضحاً لشركات الأعمال ما هي إلا انعكاس إلى نمو القطاع الخاص ودخول شركات دولية أخرى منافسة إلى السوق».

من جهته، قال كيث برادلي، الرئيس الإقليمي لإدارة الخدمات المصرفية التجارية في بنك HSBC الشرق الأوسط المحدود: «قد تتوقعون رؤية المزيد من الحذر في الدخول إلى السوق في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية. غير أن الآراء والتوقعات القوية نسبياً التي أبدتها شركات الأعمال في هذه الدراسة الميدانية تذكرنا بأن دول مجلس التعاون الخليجي تدخل في حالة من التباطؤ الاقتصادي، وليس انكماشا اقتصاديا، وبأن دول هذه المنطقة الاقتصادية المهمة ستواصل نموها الاقتصادي».