إفلاس 68 ألف شركة صغيرة في نصف سنة

الثقة تتحول إلى مخاوف مع تراجع الاقتصاد الصيني

قدمت الحكومات المحلية قروضا خاصة للشركات المتعثرة (أ ف ب)
TT

عندما أشهرت شركة شونغ يك توي إفلاسها، هرب رؤساؤها بدون منح الرواتب للموظفين، الذين خرجوا غاضبين في مظاهرات إلى الشوارع. وبعد أقل من 72 ساعة، جاءت الحكومة المحلية للإنقاذ.

وبدأ المحاسبون الذين جاءوا ومعهم حقائب ممتلئة بمبالغ تصل في مجموعها إلى نصف مليون دولار في توزيع الأموال على 900 موظف سابق للتغلب على الموقف. وقال المسؤولون الصينيون الذين دفعوا هذه الرواتب الطارئة يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إنها دفعة «مقدمة»، كجزء من «إعادة أموال صندوق التأمينات».

ولكن الحقيقة كانت واضحة للجميع: لقد كان ذلك إنقاذا حكوميا.

في الأسابيع الأولى من الأزمة المالية العالمية، أعلن المسؤولون الصينيون بثقة أنهم لم يتأثروا إلى نحو كبير. ولكن الآن، مع اغلاق المصانع وتقارير أرباح الشركات التي تنذر بكارثة وخسائر سوق المال المستمرة في الارتفاع، تغيرت ثقة الحزب الشيوعي ليحل محلها شعور مختلف تماما وهو الخوف.

ولأول مرة منذ 30 عاما منذ ان بدأت الصين تحولها الرأسمالي، اصبح هناك إدراك لوقوع الاقتصاد في أزمة حقيقية. وبالنسبة للحزب الشيوعي لا يتوقف الأمر على الأزمة الاقتصادية، بل هناك أزمة سياسية أيضا. ويعطي رد فعل الحكومة إشارة إلى علاقتها التي ما زالت غامضة بالرأسمالية، فهي بعيدة نسبيا في الأوقات الجيدة، ولكنها سريعا ما تدخل على نحو مباشر عند أول إشارة على حدوث تراجع من أجل منع الاضطراب الشعبي.

في الأسابيع الأخيرة، قدمت الحكومات المحلية قروضا خاصة للشركات المتعثرة وبدأت في منح الموظفين الذين فقدوا وظائفهم مكافآت نهاية الخدمة. ويتحدث المسؤولون صراحة عند اعترافهم بوجود حاجة إلى جهود لوقف ما أسموه بـ «الحوادث الجماهيرية»، وهو التعبير المخفف الذي يستخدمه الحزب الشيوعي للإشارة إلى المظاهرات.

ويزداد وضع الانهيار الاقتصادي سوءا في المراكز الصناعية في جنوب الصين، وهي المناطق التي ازدهرت في العقود السابقة بإنتاج الإليكترونيات والملابس والألعاب والأثاث التي تملأ أسواق التجزئة في الولايات المتحدة.

ومع هبوط طلبات التصدير بسبب تراجع الاقتصاد العالمي وارتفاع تكاليف المواد الخام والأيدي العاملة، انهارت أكثر من 68 الف شركة صغيرة في البلاد في النصف الأول من عام 2008، وربما تفقد حوالي 2.5 مليون وظيفة في منطقة دلتا نهر اللولؤ في نهاية هذا العام، وفقا لتقديرات حكومية وصناعية.

ومع تعثر الاقتصاد، يزداد السخط، ومنذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، خرجت عشرات المظاهرات التي جمعت آلافا من الموظفين في شركات التصدير الكبرى، ومن بينها العديد من الشركات المدرجة في البورصة.

في الوقت نفسه، تُظهر الأرقام الحكومية التي تم الإفراج عنها الشهر الماضي أن إجمالي الناتج المحلي زاد بنسبة 9 في المائة في الربع السنوي الثالث، وهو رقم كبير بجميع المقاييس، ولكن ليس في الصين حيث يمثل ذلك الرقم أقل معدل للنمو منذ خمسة أعوام. ويقترب بخطورة من 8 في المائة. يقول خبراء الاقتصاد إنه عند هذا المستوى، يجب على الصين النمو من أجل توفير فرص عمل كافية في المصانع للحفاظ على استقرار سوق العمل، حيث يستمر الملايين من سكان الريف في الانتقال إلى المدن الصينية بحثا عن عمل.

في الوقت نفسه، أعلنت بعض الشركات الصينية الكبرى، التي بدا معدل نموها بلا حدود، عن تكبدها خسائر مفاجئة في الأيام القليلة الماضية. وأعلنت شركة الخطوط الجوية الصينية، وهي أكبر شركة طيران دولية في الصين، عن أول خسائر لها منذ سبعة أرباع سنوية بسبب انخفاض أعداد المسافرين ودخولها في رهان سيء على أسعار الوقود. وأعلن بنك الصين، وهو أكبر مقرض للعملات الأجنبية في البلاد، أنه بسبب ارتفاع خسائر سوق الائتمان، هبط معدل نمو أرباحه إلى أدنى درجة منذ عامين.

وقد اتخذت قيادات الصين عدة خطوات من أجل محاولة تحقيق الاستقرار للاقتصاد ـ بتخفيض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال ستة أسابيع، وتقليل رسوم الضرائب على الصادرات، وخفض التكاليف على المشترين المحليين، والملايين التي تنفق على البنية التحتية. ولكن انتهى أي أمل في أن يتفوق الاقتصاد الصيني القوي، وهو أكبر مساهم في النمو العالمي، على التراجع الاقتصادي.

وتعتبر الجهود التي تبذلها الحكومة من مساندة الشركات المستقلة خطوة جذرية بالنسبة لدولة كانت تحاول في الأعوام الأخيرة أن تبتعد عن فلسفة «التوظيف الحكومي»، حيث تُمنح الوظائف والرواتب مدى الحياة، وأن تتحول انتقاليا إلى رأسمالية الاعتماد على الذات.

في مقاطعة جيجيانغ الساحلية، اسست الحكومة المحلية صندوق قروض بحجم 9.5 مليون دولار لمساعدة الشركات، مثل مجموعة فييو الغارقة في الديون، التي تصّدر ماكينات حياكة وحقائب سفر. وفي مقاطعة جيانغسو، منحت الحكومة إعانات بطالة للعمال المهاجرين الذين تم تسريحهم من المصانع المغلقة. وكان هؤلاء العمال قد مُنعوا من الالتحاق بالأعمال الحكومية لعدم حملهم لبطاقات إقامة.

وتجاهد حكومة مقاطعة غوانغدونغ في الجنوب من أجل إقامة صندوق خاص لتعويض العمال من أجل «حمايتهم من بعض المشاكل المالية والاجتماعية التي يتسبب بها (إغلاق المصانع)».

وصرح غيدي لونغ، رئيس مجلس إدارة مجموعة ديلي وين، التي تصنع ساعات موفادو وآن كلين، أنه يبدو أن مسؤولي غوانغدونغ أيضا تراجعوا عن جهود تحويل المنطقة من مركز للتصنيع إلى مركز للتكنولوجيا المتطورة والخدمات. في الأعوام الأخيرة، كانت الحكومة تطمئن لخروج كل من المصانع الملوثة للبيئة والمستغلة للعمال من السوق من أجل ترك مساحة للشركات التي تحتل مكانة أعلى في سلسلة القيمة. ويبدو في الوقت الراهن أن الحكومة تفضل مساعدة مثل تلك المصانع على البقاء.

وشونغ يك توي مجرد واحدة من الشركات المُفلِسة التي حصل موظفوها على مكافآتهم من الحكومة.

في مدينة وويانغ الشرقية، حصل حوالي ألف عامل تقريبا من شركة شونيو للمنسوجات التي أشهرت إفلاسها على رواتب أربعة أشهر في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد أن احتشدوا في أربعة شوارع رئيسية في المنطقة من أجل جذب الانتباه إلى قضيتهم. وبعد أن تجمهر أكثر من ألف عامل في شركة بي غي بي العالمية القابضة لصناعة الأدوات المنزلية خارج المصانع من أجل التظاهر، أعطى مسؤولو المقاطعة 44 دولارا لكل منهم في أواخر الشهر الماضي. وسُمح للموظفين أيضا بالاستمرار في الإقامة في مساكن المصنع المغلق بلا مقابل. وفي الأسبوع نفسه، منحت الحكومة راتب ثلاثة أشهر لـ900 عامل في غانغشينغ، وهو مصنع إلكترونيات، بعد أن تظاهروا في متجر بجوار المصنع.

في مدينة دونغوان المجاورة، سلمت الحكومة المحلية حوالي 3.5 مليون دولار في 21 أكتوبر (تشرين الأول) لموظفي سمارت يونيون، التي تبيع ألعابها لماتل وديزني وهاسبرو، بعد أن نظم 7 الاف عامل إضرابا.

شارك في كتابة هذا التقرير كريسي دينغ وليو ليو

** خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»