المصرفيون الغربيون يبحثون عن وظائف في الخليج هرباً من الأزمة

بعد أن فقدوا وظائفهم في نيويورك ولندن وبسبب متانة القطاع البنكي الخليجي

المصرفيون العاملون في أسواق الاستثمار من وول ستريت الى لندن يتهافتون على الانتقال الى منطقة الخليج هرباً من البنوك الغربية التي اتجهت للاستغناء عن موظفين وتقليص الوظائف (أ.ف.ب)
TT

أزمة الائتمان التي تعصف باقتصادات الدول العظمى، وخصوصا قطاعها المصرفي، برأي العديد من المراقبين، قد تحدث انحيازاً لصالح منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً الخليج العربي. ارتفاع أسعار البترول در على دول الخليج العربي المصدرة للنفط مداخيل اضافية ساعدت في تحسن مناخها الاقتصادي والاستثماري بشكل عام. وبين تقرير اقتصادي محلي نشر هذا الأسبوع عن بيت التمويل الخليجي أن القطاع البنكي بدول مجلس التعاون لا يزال يتمتع بالمتانة، ولم يتأثر بنفس الدرجة والطريقة التي تأثرت بها بنوك العالم بالأزمة المالية العالمية. وهذه الميزة جعلت القطاع المصرفي في هذه المنطقة نقطة جذب للعاملين في هذا المجال. واصبح يتهافت المصرفيون العاملون في أسواق الاستثمار من وول ستريت الى لندن على الانتقال الى منطقة الخليج هرباً من البنوك الغربية التي اتجهت للاستغناء عن موظفين وتقليص الوظائف سعياً للنجاة من أسوأ أزمة مالية يشهدها العالم منذ 80 عاما.

إلا أن الانحياز الذي يتكلم عنه بعض المراقبين في القطاع المصرفي والصناديق السيادية يخص استغلال الخبرات المصرفية الغربية ونقلها الى منطقة الشرق الأوسط من خلال توجه العاملين في القطاع الى دول المنطقة للعمل في قطاعها المصرفي الاستثماري، سواء في البنوك المحلية او الصناديق السيادية او فروع جديدة للمصارف الغربية التي بدأت تفكر في فتحها بالمنطقة من اجل التنوع في حقائبها الاستثمارية ومنتجاتها البنكية. وقال تنفيذيون كبار لقمة رويترز للاستثمار بالشرق الاوسط هذا الاسبوع انهم تلقوا أعدادا كبيرة من الطلبات من مصرفيين يأملون في العثور على وظائف بالمنطقة التي يبدو أن اقتصادها مهيأ للنمو رغم التراجع الاقتصادي العالمي.

وقال يان بافي، الرئيس التنفيذي لشركة «غلف ميرجر» الكويتية للاستثمار «سير ذاتية من كل أنحاء العالم أكثر مما تتخيل. كلها انهالت دون طلب من استراليا الى أوروبا». وكان من نتائج أزمة الائتمان التي دفعت بنك الاستثمار «ليمان براذرز» للافلاس وبنك «ميريل لينش» للارتماء في أحضان «بنك أوف أميركا» أن فقد آلاف العاملين في المصارف وظائفهم وانكمش اغراء السعي للحصول على وظيفة في المؤسسات الكبرى في عيون خريجي كليات الاعمال المرموقة.

وكانت بنوك الخليج البعيدة عن العواصم المالية العالمية تواجه مشاكل في جذب مصرفيين على المستوى العالمي، إلا أن تبخر الوظائف وانخفاض المرتبات تحت ضغوط الازمة في الغرب أصبحا أمام المؤسسات الباحثة عن موظفين فرصة أكبر من أي وقت مضى لاختيار أكفأ العناصر.

وكان قد صرح مكرم عزار الذي يعمل رئيساً لقسم الصناديق السيادية مع بنك «ليمان براذرز» في تصريح سابق لـ«فاينانشال تايمز» البريطانية اليومية قائلا: «تاريخيا، بخصوص هذا القطاع، كل شيء كان يمر من لندن او نيويورك، اما الآن فإن الشرق الأوسط اصبح مركزا ماليا رئيسيا في السوق العالمي». واتفق فارس نجيم، الرئيس الجديد لعمليات «مريل لينتش» في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مع عزار قائلا «لقد حدثت ازاحة لمركز الجاذبية». وقال مناف الهاجري، المدير العام لشركة المركز المالي الكويتية للاستثمار، ان المنطقة ستحقق فائدة ضخمة من الاستغناءات الاخيرة التي شهدها الغرب. وتعمل بنوك غربية على نقل موظفين الى منطقة الخليج الغنية بالنفط في محاولة للفوز بصفقات ترتيب عمليات الاندماح وغيرها من الصفقات التي تدر دخلا لتعويض انخفاض دخلها من الرسوم في أسواق أخرى. وقال بنك الاستثمار «مريل لينتش» الشهر الماضي انه يريد فتح مكتب في الكويت بعد أن بدأ نشاطه بالمنطقة في دبي. وتدير بنوك مثل «مورغان ستانلي» و«دويتشه بنك» و«كريدي سويس» عمليات بالخليج أو تعمل على توسيع نشاطها بالمنطقة من خلال تقديم خدمات ادارة الاصول والخدمات الاستشارية، بما في ذلك عمليات الاندماج والطرح الاولي للاسهم. ولأن نسبة كبيرة من سكان دول المنطقة من صغار السن، فان فرص اختيار موظفين، بينهم محدودة. بل ان التعليم الاساسي لم ينتشر في السعودية والامارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان إلا بعد الطفرة النفطية في سبعينات القرن الماضي. وعمدت شركات كثيرة في الخليج الى الاعتماد على رعايا دول أوروبا وأميركا الشمالية أو الدول الغربية الاخرى في ادارة شؤونها على أعلى مستوى. فالرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني أكبر بنوك الكويت على سبيل المثال مواطن أميركي من أصل فلسطيني، بينما يدير أميركي بنك برقان الاصغر. وقال الهاجري «الكفاءات كانت دائما مشكلة في صناعتنا في ضوء عدد السكان الصغير. نحن بحاجة لتطوير مؤسسات وبحاجة لتبني أفضل الممارسات». ويقول بعض المراقبين ان هذا التوجه للقطاع المصرفي خصوصا في جانبيه الاستثماري والتجاري ليس جديداً. بنوك مثل «سيتي» و«كريديه سويس» و«جي.بي. مورغان» بدأت تعمل في المنطقة منذ سنوات طويلة. إلا انها كثفت اخيرا من نشاطاتها الاستثمارية في المنطقة، اذ ضاعف بنك «سيتي» من نشاطاته خلال الـ18 شهرا الماضية، ونقل مكاتب الرئيس المشترك لعمليته الاستثمارية وكذلك مكاتب الرئيس المشترك للاسواق المالية لمنطقة الشرق الأوسط وافريقيا الى هناك. وبعض البنوك استهدفت في عملياتها الصناديق السيادية. وعين بنك «باركليز» غي هيو ايفانز، نائبة رئيس البنك مسؤولة جديدة عن الاتصالات بخصوص الصناديق السيادية الحكومية في المنطقة. كما أن العديد من البنوك بدأت بفتح مكاتب لها في منطقة الشرق الأوسط. «يو.بي.اس» الذي افتتح مكتبه في بيروت عام 1964 اعلن في يوليو (تموز) الماضي عن خططه لتوسيع نشاطاته في المنطقة وافتتاح مكاتب له في كل من السعودية وقطر. اما «مريل لينتش» الذي وُجِدَ في المنطقة منذ 46 عاما يخطط هو الآخر لفتح فروع له في قطر والكويت وبذلك يرفع عدد فروعه في المنطقة الى ستة. وتختلف الآراء حول هذا التوجه الجديد. وقال جوليان ميلتشريست رئيس مجموعة «سيتي» المسؤول عن قسم الاستثمارات في وسط اوروبا وشرقها والشرق الأوسط وأفريقيا لصحيفة «الفاينانشال تايمز» ان الظاهرة تجمع جانبي الاطلنطي وتمتد من حي لندن المالي الى نيويورك. «لو اقترحنا قبل ثلاث سنوات اننا نحتاج الى خمسة اشخاص للعمل في مكاتبنا بالشرق الأوسط لتقدم مجموعة صغيرة لهذه الوظائف. اما الآن فهناك صف طويل من خيرة العاملين في هذا المجال الراغبين في العمل في اسواق الشرق الأوسط. ويضيف ميلتشريست ان العديد من اهل البلد ممن تدربوا في لندن ونيويورك وعملوا في القطاع المصرفي الاستثماري في الغرب بدأوا بالعودة الى منطقة الشرق الأوسط.